تشهد مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة، وبالتحديد ريفي حلب وإدلب اللذان يضمان آلاف القرى والبلدات، انحدارا في المستوى
التعليمي نتيجة ظروف الحرب التي ما زالت مستمرة في كثير من البلدات، حيث تضطر مئات العائلات إلى النزوح عدة مرات في السنة الواحدة، ما يجعل مهمة تدريس الأطفال أمرا شاقا من الناحية المادية والمعنوية.
كما يعاني المعلمون أيضا من حالات النزوح المتكررة، ما أدى إلى حالة من عدم التوازن في أطر التدريس في هذه المناطق، فتارة تكون القرى مكتظة بالمعلمين الأمر الذي يجعل قسما منهم عن عاطلين عن العمل، وتارة أخرى تفرغ القرى من الفئة المثقفة نهائيا.
تعيش مدينة حارم في إدلب، وهي آخر مدينة في شمال
سوريا يقابلها مباشرة على الجانب التركي قرية حران التركية، حالة اكتظاظ سكاني كبير لكونها إحدى المناطق الأكثر أمنا في سوريا لمحاذاتها للحدود التركية مباشرة، ما أوجد فيها عشرات المعلمين العاطلين عن العمل إضافة لعشرات الطلاب الراغبين في متابعة وتحسين مستواهم التعليمي نظرا لظروف الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي اللتان تتمتع بهما المدينة.
معلمون عاطلون وأطفال تائهون
تسود حالة من البطالة المقنعة بين صفوف فئة كبيرة من المدرسين في مدينة حارم الحدودية شمال سوريا، كما أن نوعا من الأمية المقنعة تعاني منها المدينة بشكل واضح.
تقول المعلمة هنادي لـ"عربي 21"، وهي واحدة ممن فقدن عملهن بعد النزوح: "نزحت من بلدتي معرة مصرين وهي واحدة من أكثر البلدات تخريجا للمعلمات في إدلب، لكنني هنا لم أجد منصبا شاغرا لي في أي مدرسة حالي كحال العديد من زميلاتي وزملائي".
وتشرح المعلمة: "الكثير من العائلات اختارت حارم كونها حدودية مع تركيا فمن غير المتوقع أن تصل إليها طيارات النظام السوري أو الروسي، ما زاد في عدد المدرسين هنا، آملا بإيجاد فرصة عمل لنا فحياة النزوح صعبة جدا".
أما الأستاذ عبد الله دليل وهو واحد من المعلمين الذين فقدوا وظيفتهم وبدأ عملا خاصا له مع بعض زملائه، يشرح عن الحالة التعليمية في المدينة قائلا: "يعاني الأطفال هنا من الضياع، فالفقر يدفع بالأهالي لتشغيل أطفالهم، ما يعني ازدياد نسبة الأطفال الأميين في البلد".
ويتابع "لدينا في المدينة طلاب صف تاسع (ثالث إعدادي) لا يجيدون الكتابة والقراءة، حيث مضى على التزامهم الدراسي ست سنوات كاملة، مما يعني أنهم تركوا الدراسة المثمرة من صف الثالث الابتدائي، وهم خارج تصنيف الأطفال الأميين كونهم يرتادون المدارس".
بدورها، تقول فاطمة وهي إحدى المعلمات في المدينة لـ"عربي21": بعض الأطفال يعملون أعمالا لا يجرؤ الكبار على عملها كوظيفة، ومنها "الكراش"، وهي عبارة عن كشف الأرض للهاربين من سوريا إلى تركيا بطرق غير شرعية.
وتبين أن "الأطفال صباحا هم تلاميذ مدرسة متعبون أنهكهم السهر والعمل ليلا، وفي الليل هم كراشون يسبقون المجموعات الهاربة ويكشفون لها الطريق، إنهم يتعرضون لرصاص الجندرما التركية في عملهم الشاق يوميا مقابل أجر مادي ضئيل يعيلون به أسرهم".
مبادرات تعليمية فردية
في ظل ظروف الحرب المستمرة والأوضاع السياسية والعسكرية غير المستقرة في الشمال السوري فإن الوضع التعليمي بات في نهاية سلم اهتمامات مجموعات
المعارضة السورية في مناطق سيطرتها، ما دفع بعض المعلمين إلى إيجاد فرصة عمل خاصة لهم تعود بالربح عليهم وبالفائدة من خلال مساعدة الأطفال الذين يودون الحصول على تعليم خاص.
يقول الأستاذ عبد الله دليل في حديثه لـ"عرربي21" :"فكرت في إنشاء معهد تعليمي في المدينة عوضا عن التدريس المنزلي الذي كنت أقوم به، فبهذه الطريقة أصل لعدد أكبر من الطلبة وأساهم في تحسين مستواهم التعليمي، كما أتيح فرصة عمل لكثير من زملائي عن طريق التعليم الخاص".
ويضيف دليل :"لقد أنشأت معهد السلام للتعليم مع بعض زملائي، لم نتوقع بداية إقبالا كبيرا على المعهد، ظنا منا بأن الأهالي لم يعودوا مهتمين بالتعليم كذي قبل".
ويتابع: تفاجأنا حين بلغ عدد طلابنا نحو 70 طالبا في غضون شهر تقريبا، ما يعني أن الحالة المجتمعية ما زالت صحية نوعا ما، لقد سرّ الأهل من المستوى التعليمي هنا وهذا ما دفعهم بتسجيل أولادهم وأقاربهم في المعهد.
ويتضافر في هذا المشروع الربح المادي والنجاح التعليمي لكل من المعلم والمتعلم، لكن وبحسب قول دليل، فإن المعلمين هنا يمنحون التلميذ فرصة اكتشاف الذات، حيث إنهم يقومون بإعطاء التلميذ مدة زمنية تقارب الأسبوعين للحصول على تعليم مجاني، وبعدها يقرر ما إذا كان حقاً يريد المتابعة، وغالبا ما تكون للأهل والتلاميذ رغبة في متابعة التعليم اعتقادا منهم أنه الطريق الأفضل لمستقبل أفضل.