أعلنت فصائل المعارضة السورية، الجمعة الماضية، بدء السيطرة على أحياء
حلب الشرقية، وفك حصار النظام والمليشيات عنها، وتمكنت من السيطرة على بعض أحياء ونقاط عسكرية غربي حلب.
ويرى مراقبون أن "ملحمة حلب الكبرى"، بحسب ما أسمتها الفصائل، ستغير وجه الصراع السوري بين الفصائل من جهة، والنظام والمليشيات الداعمة له من جهة أخرى، لما تحمله حلب من أهمية رمزية وإستراتيجية.
فهل تغير حلب وجه الصراع فعلا؟
ما الجديد؟
وقال الناطق الرسمي باسم تجمع "فاستقم كما أمرت"، المشارك في معارك فك الحصار، عمار سقار إن "الملحمة"، التي انطلقت مرحلة جديدة منها الجمعة، "خطط لها تخطيط عسكري دقيق جدا منذ وقت سابق"، مؤكدا أن "التنسيق عال جدا بين الفصائل، وسيتجاوز هدف فك الحصار الأولي إلى تحرير المدينة كاملة من النظام السوري والمليشيات المؤيدة له".
وأوضح الناطق باسم التجمع، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21"، أن ما يميز هذه المرحلة هو "استخدام المدفعية الثقيلة والسلاح الثقيل بكثافة"، مشيرا إلى أن ضربات صواريخ الغراد "أحرقت المناطق المستهدفة وحيدت مرابط مدفعية النظام، في: جبل عزان، والأكاديمية العسكرية، والكليات العسكرية"، مما منع النظام من استخدام المدفعية.
وأشار تجمع "فاستقم" إلى أن أهم ما حصل في المعركة كان بثلاثة إستراتيجيات، أولها: "التوغل في كتل سكنية متراصة، مما يفقد الطيران كثيرا من فعاليته"، مشيرا إلى عجز النظام عن السيطرة على "مشروع 1070 شقة"، والتي سيطروا عليها في معركة فك الحصار الأولى في آب/ أغسطس الماضي، رغم سيطرته على بقية المناطق "لأنها مفتوحة وسهلة السيطرة".
والإستراتيجية الثانية، بحسب سقار، هي "التحرك السريع، متمثلا بالسيطرة على المناطق الجديدة، لأجل تحييد الطيران".
أما الإستراتيجية الثالثة، فهي: هي "اختيار يوم غائم وممطر"، موضحا أن هذا قلل من قدرة النظام على رصد الأهداف بنسبة كبيرة، وهو ما أكده المقدم أبو بكر، القائد العام لجيش المجاهدين، المشارك في معارك فك الحصار.
وكانت الفصائل تمكنت في آب/ أغسطس الماضي، من كسر حصار أحياء حلب الشرقية، من جهة الراموسة والكليات العسكرية، جنوب غرب حلب، قبل أن تتمكن قوات النظام، مدعومة بقصف روسي كثيف، من استعادة السيطرة عليها، وإحكام حصارها مجددا.
إفشال سوريا المفيدة
وحول فك الحصار، في المرة الأولى، رأى الباحث الأمريكي آرون لند أن الثوار تمكنوا من ذلك لأن جيش النظام السوري انسحب للقتال على جبهات أخرى، ولم يبق سوى مليشيا محلية انتهى بها الأمر للفرار من مواقعها.
ويشير لند، في مقال له على موقع "مركز كارنيجي للشرق الأوسط"، إلى أن أهمية الأسد تكمن في كونه لا يملك عددا كافيا من الجنود في كل مكان وآن، مؤكدا أن آلاف عناصر المليشيات القادمين من لبنان والعراق وإيران لم يتمكنوا من تعويض العنصر البشري.
وأوضح لند أن "الأسد يسعى لتأمين سوريا المفيدة"، مؤكدا أن هذا سيدفع داعميه الخارجيين للتخلي عنه إذا عجز عن ذلك، وهو ما سيفشله إذا تمكن الثوار من السيطرة على أحياء حلب الغربية وفك الحصار عن حلب الشرقية.
مسرح سياسي
وربط لند بين فشل معركة فك الحصار في المرة الأولى، وبين ارتباط الفصائل بالداعمين، خصوصا معركة "درع الفرات"، شمال حلب، قائلا إن "الثوار يكتشفون التداعيات السلبية عليهم جرّاء خوضهم نزاعات بالوكالة"، بحسب تعبيره، موضحا أن حلب تعكس العلاقات السياسية بين الداعمين.
ورغم تأكيد الفصائل أن المعارك تصب كلها في خدمة الثورة، إلا أن لند أكد أن المعركة مرتبطة بالاتفاقات الروسية الأمريكية، أو الروسية التركية، خصوصا أن استعمال الأتراك للثوار السوريين تسبب بسحب عدد كبير منهم إلى جبهات تنظيم الدولة.
واختتم لند بقوله إنه "ومع هذا التدويل المتسارع للحرب السورية، ستصبح العلاقات المتنافرة بين الأسياد ووكلائهم أكثر شيوعاً على الأرجح"، في إشارة إلى النظام وداعميه، والثوار وداعميهم.
ليست الهدف بذاتها
من جانبه، نفى الباحث الأول في مركز "كارنيجي" للشرق الأوسط، خضر خضور، أن تكون استعادة النظام لحلب هدفا بحد ذاتها، معتبرا أنها تأتي ضمن إستراتيجة للنظام.
وأشار خضور، في مقابلة له على "الجزيرة الإنجليزية"، إلى أن النظام، بتنسيق مع ما أسماه "المركز المتحد للعمليات في الشمال"، يسعى بشكل ممنهج ومنسق لعزل مناطق الثوار في "جزر"، أي مناطق للثوار معزولة ومحاصرة بمناطق للنظام.
وأوضح الباحث أن النظام بدأ بحصر الثوار في مناطق منعزلة، وقطع طرق الإمداد بين الحدود وأراضيهم، وهو ما جرى في حلب الشرقية، مؤكدا أن هذا يأتي لـ"تفكيك" الثوار.
واعتبر الباحث أن هذا سيمنح النظام "ورقة سياسية، يتمكن من خلالها بدخول المفاوضات من موقف قوي".
خطوط الدعم - المدنيون
بجانبه، أشار الباحث في "معهد الخدمات المتحدة الملكي"، البريطاني، شاشانك جوشي إلى أن السيطرة على حلب تؤمن خطوط الدعم للثوار، وتصلها بالحدود التركية.
وأوضح الباحث، في مقال على موقع "بي بي سي"، أن الرهان الأكبر هو الرهان الإنساني، في ظل وجود ما بين ربع مليون و300 ألف مدني في أحياء حلب المحاصرة.
وأشار الباحث إلى أن تمكن الثوار من استعادة أحياء حلب الغربية وفك الحصار سيخرجهم من دائرة العروض الروسية، متوقعا تزايد الغارات الجوية الروسية على حلب الشرقية، بتكلفة إنسانية أكبر، مع استهداف الطيران الروسي وطيران النظام للمواقع المدنية والمستشفيات.
وكانت الفصائل أعلنت الجمعة الماضي بدء جولة جديدة من "ملحمة حلب الكبرى"، التي تمكنوا في الجولة الأولى منها من فك الحصار عن أحياء حلب الشرقية، والتي استطاع النظام استعادتها تحت غطاء كثيف، فيما تمكنت فصائل المعارضة السورية في هذه الجولة من التقدم في أحياء حلب الغربية، والسيطرة على نقاط عسكرية مهمة، مؤكدين أن هدف هذه الجولة هو "السيطرة على كل أحياء حلب".