ما يزال 61 ألف لاجئ تقطعت بهم السبل موزعين في أنحاء متعددة في اليونان، من بينهم ما يقرب من 16 ألف لاجئ يعيشون في مخيمات مكدسة، تتفشى فيها ظاهرة العنف بسبب التأخير في معالجة ملفاتهم.
وعقب الاتفاق التركي الأوروبي، الذي يقضي بإعادة اللاجئين الذين يصلون إلى
اليونان عن طريق البحر في آذار/مارس الماضي، وصل 17 ألف لاجئ فقط منذ ذلك التاريخ، في انخفاض كبير مقارنة بالعام الماضي.
ويشكو
اللاجئون في اليونان من سوء الإجراءات وبطء عملية فحص طلبات اللجوء المقدمة، إضافة لعدم قبول مراكز الشرطة تعبئة نماذج لطلبات اللجوء، في خطوة اعتبرتها المؤسسات الحقوقية غير قانونية، وتمس حق اللاجئين بطلب اللجوء.
اتهامات حقوقية لليونان
واتهمت منظمة "العفو الدولية" اليونان بالتقاعس عن مساعدة اللاجئين، حيث نقلت عن شهادات جمعتها من لاجئين، أن الشرطة نقلت 13 لاجئا من أحد المخيمات التي كانوا يقيمون بها إلى مركز شرطة محلي، وأخبرتهم بنيتها نقلهم للعاصمة "أثينا".
وأوضحت المنظمة الدولية، أن الشرطة رفضت تقديم الطعام لهم رغم وجود أطفال بين المحتجزين، وقامت في اليوم التالي بترحيلهم إلى تركيا موهمة إياهم بنقلهم لأثينا، ليكتشف اللاجئون لاحقا أنهم في "أضنة" التركية.
وقالت المنظمة في بيان لها "إن اليونان ملزمة قانونا بإجراء تقييم واف للمخاطر التي يواجهها جميع اللاجئين الذين يعبرون حدودها، لتقرير ما إذا كانت إعادتهم إلى تركيا سوف تعرضهم للخطر." وأضاف البيان أيضا: "ينبغي أن تخضع جميع إجراءات اللجوء والإعادة للضمانات القضائية، بما في ذلك إتاحة الفرصة للاجئين كي يحصلوا على الدعم القانوني، ويطعنوا في القرارات التي تتخذ بشأن طلبات لجوئهم".
واتهمت "العفو الدولية" اليونان، بتجاهل القانون الدولي، حيث حصلت على عدد من الوثائق التي تؤكد أن "ما لا يقل عن ثمانية من السوريين أعربوا رسميا عن نيتهم طلب الحماية الدولية في اليونان، في 14 و15 أكتوبر/تشرين الأول 2016، في أثناء وجودهم في "مركز الاستقبال وتحديد الهوية" في جزيرة "ليروس" اليونانية، بينما جرى تجاهل طلبهم تماما، في انتهاك واضح للقانون اليوناني والدولي. ونقلت المنظمة عن اللاجئين قولهم بأنهم لم يسحبوا طلباتهم، أو يطلبوا إرسالهم إلى تركيا طوعا".
من جهته قال "جون دالهاوزن"، مدير برنامج
أوروبا في منظمة العفو الدولية، إن "السلطات اليونانية والاتحاد الأوروبي قد أكدا على نحو متكرر بأنه يجري تقييم طلبات لجوء جميع اللاجئين السوريين الذين يصلون إلى البلاد بصورة سليمة، ولكن الأدلة التي بين يدينا الآن تشير بوضوح وبقوة إلى خلاف ذلك".
ويضيف دالهاوزن: "تم خداع هؤلاء اللاجئين من قبل نظام لم يتقاعس فحسب عن تقديم الحماية التي يستحقونها، وإنما تجاهل مسألة النظر في احتياجاتهم للحماية تجاهلا تاما".
ليست ظاهرة منتشرة
وقال الصحفي اللبناني شادي أيوبي الذي يقيم في اليونان، إن ما يحصل مع اللاجئين من معاملة سيئة "ليس بالضرورة ظاهرة منتشرة في اليونان".
وأضاف أيوبي في حديث خاص مع "عربي21" أن "اللاجئ إذا ما أُخبر بأنه سيتم إعادته لتركيا تصبح ردة فعله عنيفة، ولذلك قد تلجأ السلطات اليونانية للكذب على بعض اللاجئين بأن تقول لهم بأنه سيتم نقلهم إلى أثينا".
وأوضح أيوبي أيضا أن الاتفاق الأوروبي التركي لم يتم تطبيق أكثر من 2 بالمائة منه، حيث إن الاتحاد الأوروبي لم يأخذ من اللاجئين سوى عدد قليل جدا.
وقال أيوبي إن اللاجئين الموجودين في اليونان في غالبيتهم الساحقة، يريدون الذهاب فقط إلى ألمانيا، وأنهم لا يقبلون سواها من الدول، وإذا حصل اللاجئ على دولة مثل رومانيا، أو البرتغال فإنه يرفض رفضا قاطعا الذهاب إليها.
واتفق أيوبي مع ما قاله الاتحاد الأوروبي حول البيروقراطية اليونانية، ووصفها بأنها قاتلة، وقال: "أصلا اليونان لديها بيروقراطية قبل وصول مشكلة اللاجئين، فكيف ستصبح بعدها؟" كما حمّل أيوبي الاتحاد الأوروبي جزءا من المشكلة قائلا: "لقد وعد الاتحاد الأوروبي اليونان بإرسال مندوبين لمساعدة اليونانيين، ولكنه لم يفعل".
مخالفات قانونية
من جهته قال خبير القانون الدولي والمستشار القانوني للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إحسان عادل في حديث خاص مع "عربي21" إنه يوجد إشكاليتان رئيسيتان في التعامل مع القضية، الأولى تتمثل بالتحفظ على الاتفاق التركي الأوروبي، خصوصا فيما يتعلق بترحيل اللاجئين من أوروبا إلى تركيا، وهو يقوم على افتراض أن تركيا تقوم بإعطاء حقوق المهاجرين واللاجئين، ويقوم على افتراض عدم الإعادة القسرية، وهذا مبدأ ثابت في القانون الدولي، ونص في اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
ويضيف عادل :"تركيا لا تلتزم بمبدأ عدم الإعادة القسرية، بمعنى أنها تعيد لاجئين لدول كانوا جاؤوا منها قد يتعرضون فيها للتعذيب والخطر والاضطهاد، وحصلت في حالات كاللاجئين الأفغان".
وأوضح عادل أن هناك مشكلة في آلية عدم فحص طلبات اللجوء لبعض اللاجئين، حيث تم خداعهم وحرمانهم من الحق بالاستئناف.
ووصف عادل عدم تزويد المحتجزين اللاجئين بالطعام خلال وجودهم مع السلطات اليونانية بالمخالف لالتزامات الدولة بموجب قانونها المحلي الجزائي والدولي، الذي ينص صراحة في البند العشرين في "القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء"، على ضرورة توفير الطعام الكافي والصحي للمحتجزين.
وأكد عادل على وجود مشكلة قانونية كبيرة في اللاجئين الموجودين في اليونان، الذين يصل عددهم إلى 60 ألفا، في ظل الظروف التي يعيشون بها في ظروف مهينة، وذلك يعد مخالفا لاتفاقية حقوق الإنسان، وخصوصا المادة الثالثة منها التي تنص على عدم إخضاع أي إنسان للمعاملة المهينة.
ويشير عادل إلى أن من واجبات الدول أن تكفل وتضمن أن اللاجئين يجب ألا يتعرضوا للمعاملة القاسية والمهينة، وبناء على معرفة الدول الأخرى في الاتحاد الأوروبي أن اللاجئين في اليونان يعانون من معاملة قاسية، فإنها مطالبة بالتحرك لنقل هؤلاء اللاجئين.
وكانت الدول الأوروبية وقعت اتفاقية مشتركة مع مفوضية اللاجئين لتوزيع 160 ألف لاجئ على نظام الكوتا، ولكن عدد ما تم توزيعه من اللاجئين لم يتجاوز 8 آلاف لاجئ فقط، بسبب رفض عدد من الدول الالتزام بالاتفاق.
وختم عادل حديثه قائلا: "المادة 31 لاتفاقية اللاجئين الخاصة لعام 1951 نصت على ضرورة منح اللاجئين التسهيلات الضرورية ليحصلوا على قبول بلد آخر كطالبي لجوء، في حال عدم رغبة الدولة التي يوجدون فيها بمنحهم اللجوء، وبالتالي فهي مسؤولية اليونان أولا لأنها غير قادرة على التعامل معهم".