تركت
الرئاسة في
الجزائر؛ المواطنين فريسة للإشاعات حول حقيقة الوضع الصحي للرئيس عبد العزيز
بوتفليقة، حيث تلتزم السلطات الجزائرية الصمت تجاه هذا الملف، بعد أن توجه بوتفليقة إلى مستشفى في غرونوبل، جنوب فرنسا، في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، من أجل "إجراء فحوصات طبية دورية"، حسبما أورد بيان الرئاسة بالجزائر في ذلك اليوم.
ولم تقدم الرئاسة في الجزائر، بالرغم من مرور خمسة أيام على تواجد بوتفليقة بفرنسا، أي تفاصيل عن تطورات وضعه الصحي ، في ظل ما أوردته الصحيفة المحلية في غرونوبل "لودوفيني ليبيري"، عقب وصول الرئيس للمشفى في المنطقة، من أن بوتفليقة قد يخضع لعملية جراحية بالدماغ.
ويسود حديث غير رسمي في الجزائر عن أن بوتفليقة، البالغ من العمر 79 عاما، توجه إلى غرونوبل من أجل إجراء عملية جراحية لتنشيط خلايا المخ، وهي بمثابة "منبهات" وتجرى عادة للأشخاص الذين تعرضوا لجلطة دماغية، حيث يساعد هذا الأمر المصابين بالجلطة على الرفع من مستوى أدائهم في العمل اليومي.
وكان الرئيس الجزائري قد نُقل لأول مرة إلى مستشفى "فال دو غراس" العسكري في باريس، في 27 نيسان/ أبريل 2013، إثر إصابته بجلطة دماغية، وتطلبت فترة
علاجه الإبتدائية 88 يوما، قضاها بين "فال دو غراس" ومصحة "ليزانفاليد" وهو مركز للنقاهة بضواحي باريس.
ومنذ ذلك الحين، لم يخاطب بوتفليقة شعبه مباشرة، ويكتفي برسائل يقرؤها نيابة عنه، إما رئيس الحكومة عبد المالك سلال أو أحد مستشاريه بالرئاسة، في مختلف المناسبات الوطنية.
وعادة، لا تعلن الرئاسة بالجزائر عن توجه بوتفليقة إلى الخارج بغرض متابعة العلاج. وتسبب هذا الأمر، منذ العام 2013، بتواتر إشاعات على نطاق واسع، محليا ودوليا حول وضع الرئيس.
وقال جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" الحداثي، لـ"عربي21"، الأحد: "الدولة التي تحترم نفسها تطلع شعبها على حال الرئيس ساعة بساعة، لكن السلطة بالجزائر لا تراعي هذا الجانب منذ فترة طويلة".
وتابع متسائلا: "كيف يُطلب من الناس أن لا تصدق الإشاعة، بينما تمارس الحجر على المعلومة؟ فلا غرابة من هذا الأمر لأن الحكومة أصلا ليس فيها ناطق رسمي".
واتصلت صحيفة "عربي21"، الأحد بالرئاسة في الجزائر بغرض معرفة تفاصيل عن الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، فكان الرد بأنه "لا أحد مخول بالإجابة بخصوص هذا الموضوع"، حسبما رد موظف بالرئاسة.
ولا يوجد في الجزائر متحدث رسمي باسم الرئيس بوتفليقة، ولا باسم الحكومة أيضا. وبالنسبة للملف الصحي للرئيس الجزائري، فإن المصدر الإعلامي الوحيد الذي تتخذه وسائل الجزائرية مستندا لتقاريرها، كلما توجه بوتفليقة لفرنسا بغرض العلاج، هي الصحيفة المحلية في غرونوبل "لودوفيني ليبيري" الفرنسية.
ورفض أحمد أويحيى، مدير ديوان الرئاسة بالجزائر، الرد على أسئلة الصحفيين بخصوص
صحة الرئيس، وذلك على هامش إطلاقه تجمعا لأعضاء حزبه (التجمع الوطني الديمقراطي) بمحافظة تبسة، السبت. وقال أويحيى للصحفيين: "لست مخولا للحديث بالموضوع. أنا هنا أتحدث باعتباري أمين عام التجمع"، بحسب تعبيره.
وتتصرف الرئاسة في الجزائر بطريقة "رد الفعل"، إذ أنها تلجأ في كل مرة تنتشر خلالها إشاعات حول تدهور الوضع الصحي لبوتفليقة، إلى إظهاره بالتلفزيون الحكومي برفقة ضيف محلي أو أجنبي، وكثيرا ما كان هذا الضيف؛ الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، المبعوث العربي والأممي السابق إلى سوريا، حيث تحادث بوتفليقة مع الإبراهيمي آخر مرة يوم 12 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بمقر رئاسة الجمهورية بالمرادية.
هذه المرة، ارتفع "منسوب" قلق الجزائريين على رئيسهم، أكثر من أي وقت مضى، لكون الأمر يتعلق بعملية جراحية، في ظل تساؤلات حول احتمالات نجاحها بالنسبة لرجل يقارب سنه الثمانين.
ويسود نقاش واسع بخصوص الحالة الصحية الحقيقية للرئيس بوتفليقة، في الأوساط السياسية والشعبية على حد سواء، في وقت انتقل رجل الأعمال والناشط السياسي الجزائري المعارض، رشيد نكاز، المقيم بباريس، إلى الحي الذي توجد به مصحة غرونوبل، بغرض "الاطمئنان على صحة الرئيس"، وفق قوله لـ"عربي21".
وقال رجل الأعمال الجزائري المثير للجدل، والذي عرف بتنقلاته بين عقارات يقول إنها مملوكة لمسؤولين جزائريين في فرنسا، إلى جانب دفعه الغرامات المفروضة على نساء لارتدائهن النقاب في فرنسا: " توجهت السبت إلى غرونوبل، وبالضبط إلى الحي الذي توجد به المصحة التي يعالج بها الرئيس بوتفليقة، لكن الشرطة منعتني من دخول المصحة".
وتابع: "أستغرب كيف أن رئيس جمهورية بلد يأتى به إلى هذا الحي المتواضع للعلاج، ألا يخجل وزير الصحة الجزائري الذي فشل ببناء مستشفى يعالج فيه الرئيس؟"، بحسب تعبيره.
وتساءل نكاز، في حديثه لـ"عربي21": "حسب علمي لا يوجد بهذه المصحة أطباء خارقون للعادة، هم عاديون، مثل الذين يوجدون بالجزائر. إني أدعو وزير الصحة عبد المالك بوضياف إلى تقديم الاستقالة".
وتوجه الرئيس بوتفليقة ثلاث مرات إلى مصحة غرونوبل، لإجراء فحوصات طبية عقب إصابته بجلطة دماغية عام 2013. ومكث حينها بمستشفى فال دو غراس، لكن غيّر وجهته الاستشفائية إلى جنوب فرنسا، لانتقال الطبيب، جاك مونسيغو، الذي يتابع وضعه الصحي من فال دو غراس الذي تجرى به أشغال ترميم إلى غرونوبل.
وقال مونسيغو، بمقابلة صحفية مع صحيفة "دوفيلي ليبيري"، في كانون الثاني/ يناير 2014، أن "علاقة ود أصبحت بيني وبين بوتفليقة".
وشهد الوضع الصحي للرئيس الجزائري، تحسنا ملحوظا، ترجمته الجولات التفقدية التي قام بها بالعاصمة، الأولى لتدشين المركز الدولي للمؤتمرات، يوم 8 أيلول/ سبتمبر، والثانية عند زيارته ورشات بناء الجامع الكبير يوم 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وثار بعد هاتين الجولتين الرسميتين؛ جدل إزاء إمكانية تحسن الوضع الصحي للرئيس بالشكل الذي يمكنه من أداء مهامه على رأس الدولة بصفة عادية، بينما قال الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم بالجزائر، جمال ولد عباس، إن "بوتفليقة سيقف على رجليه خلال ستة أشهر"، وفق قوله خلال اجتماع المكتب السياسي للحزب يوم 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، بمناسبة عيد الثورة الجزائرية.
وتابع ولد عباس أن "حزب جبهة التحرير الوطني سيدعم بوتفليقة، إن رغب بالترشح لولاية خامسة". ومن المقرر أن تنظم انتخابات الرئاسة بالجزائر العام 2019.