يعيب اللبنانيون على أنفسهم إشغال رؤوس الأموال حيّزا كبيرا من المناصب البرلمانية والحكومية، انطلاقا من توسّل المال وسيلة للانضمام إلى نادي لوائح مرشَّحي الدرجة الأولى، الذين تتبنّاهم الأحزاب الرئيسية، القادرة بأصوات مؤيّديها على تأمين الفوز بمقاعد برلمانية وفرض حصص وزارية عند تشكيل الحكومات.
ولا يخطر ببال اللبنانيين كثيرا أن زعيمة العالم الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد المعيار ذاته في بعض ترشحيات مقاعد الكونغرس وحكام الولايات، ليتمدّد المال السياسي مؤخرا باتجاه سُدة البيت الأبيض مع الملياردير دونالد ترامب، مرشحا فائزا عن الحزب الجمهوري دون بطاقة حزبية مزمِنة، ودون أدنى تدرج في العمل السياسي، بل انطلاقا من ثروة مالية وعقارية ضخمة قد يعكس بناؤها عبقرية الباني عند كثيرين.
ويجلد اللبنانيون أنفسهم بسبب تناقضهم بين تغنّيهم بتجربتهم الديمقراطية وإصرارهم في الوقت نفسه على استيلاد الزعماء من بيوت الزعماء، بوراثة سياسية لا تنتهي بدأت من أيام سفر برلك وتواصلت حتى اليوم. وينسى اللبنانيون أن جورج بوش هو ابن جورج بوش، وكلاهما حكم الولايات المتحدة والعالم، فيما الابن والشقيق جيب بوش حكم ولاية فلوريدا، وكان يفكر جديّا في تثليث الرئاسة البوشية ولم يوفّق. كما أن الثنائي الرئاسي بيل وهيلاري كلينتون ليسا حالة نادرة في العمل السياسي الأمريكي مع تصدّر الكثير من العائلات مراكز حيوية في مؤسسات الدولة وأحزابها.
لا شك أن لبنان السابق للولايات المتحدة من حيث التأسيس والكينونة، هو سابق لها أيضا في خاصيتَي المال والتوريث السياسيَّين، وهو كذلك أيضا في صياغة ديمقراطية خاصة به قَرر تسميتها بالديمقراطية التوافقية. ويبلغ السبق اللبناني على أمريكا أوجَه في توريث الصهر منصبا في الدولة وتقريبه من مركز القرار. ففيما أمّن الرئيس ميشال عون انتقال رئاسة حزبه، التيار الوطني الحر، إلى صهره جبران باسيل الوزير في عدة حكومات متعاقبة، الذي يؤدي الآن عمليا دور المستشار الأول لعمّه رئيس الجمهورية، يتحضّر صهر الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب المليونير جاريد كوشنير لتسلم منصب كبير المستشارين في الإدارة الأمريكية الجديدة بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
الفارق في الحالتَين أن الأمريكيين لا يتعاملون بمعظمهم مع التوريث السياسي على أنه آفة يجب التخلص منها، بل ينظرون إلى أداء كل شخص على حدة بغض النظر عن الظروف والفرص التي أسهمت في وصوله إلى المنصب، فالمهم عند الأمريكيين النتائج المحسوسة وليس طرائق الوصول. أما اللبنانيون فعلى عكس الأمريكيين تماما، يتعاملون مع شاغلي المناصب الرسمية بمفعول رجعي وليس مستقبلي.. من أتى بك أهم بكثير من ماذا ستعمل.. وأعتقد أن هذا ما ستؤول إليه الأمور في الولايات المتحدة الجديدة، التي تقلّد ثقافة لبنان السياسية دون علمٍ منها أو منه.