يحاول النظام استكمال مشروعه لفرض "الهدن" على مناطق الغوطة الغربية بريف دمشق، وتهجير أهلها، ليبقى محيط العاصمة خاليا من أي بندقية معارضة، قد تُهاجم معاقل النظام السوري في دمشق، وعلى ما يبدو فإنّ بوادر تهجير "خان الشيح" في الغوطة الغربية بدأت ملامحها تظهر، بعد تهجير أهالي الهامة، وقدسيا، وداريا في وقت سابق.
فحي القابون وعدد من مناطق
الريف الدمشقي عرضة للتهجير القسري، كما أن مخيم خان الشيح للاجئين الفلسطينيين، سيكون أول من يلحق بأهالي داريا إلى إدلب، شمال
سوريا، بعد أنباء عن التوصل لاتفاق بين الفصائل المقاتلة والنظام، تقضي بخروج مقاتلي الفصائل وعدد من الأهالي إلى إدلب، مقابل تسليم المخيم، وتسوية أوضاع من يرغب بالتسوية من شباب المخيم.
وحذّر الناشط أبو محمد الشيحاني، في حديث لـ"
عربي21" من التداعيات الخطيرة لتهجير المخيم، حيث سيبدأ عدد من القرى المحيطة، والتي من بينها زاكية، وبيت جن، وبيت سابر، وغيرها، باللحاق بأهالي المخيم ومقاتليه، وتفريغ الغوطة بشكل حقيقي من أي وجود للمعارضة، وفق قوله.
وأشار الشيحاني إلى رفض النظام مطالب المعارضة، والمتمثّلة بالخروج إلى ريفي درعا والقنيطرة، في الوقت الذي يصر فيه على خروجهم إلى محافظة إدلب في الشّمال السوري، وهو ما قد يؤخر في عملية تهجير الأهالي لعدة أيام.
وأعلنت وزارة
المصالحة في حكومة النظام السوري، في وقت سابق، عزمها إجراء العديد من المصالحات في عدد من قرى وبلدات الريف الدمشقي، حيث ستكون أولها مناطق وادي بردى، مع إشارتها إلى دخول ممثل للوزارة إلى مدينة دوما في الغوطة الشرقية، لأول مرة منذ ثلاث سنوات.
وهذا ما أكده الناطق باسم هيئة أركان جيش الإسلام، حمزة بيرقدار، الذي يتخذ من مدينة دوما مقراً له، مبينا أن وفدا من أهالي دوما القاطنين في دمشق دخل إلى مدينة دوما، حيث التقوا بوجهاء أهالي المدينة من أجل التباحث في عدة أمور، دون الوصول إلى نتائج تُذكر، وفق قول بيرقدار لـ"
عربي21"، نافياً في الوقت ذاته أي تبعية للوفد الزائر للنظام.
بدوره، عبّر محمود أبو عوف، وهو أحد أبناء حي القابون الدمشقي، عن تخوفه من أن يلاقي أهله في الحي مصير أهالي بلدة داريا وغيرها من الريف الدمشقي المهجّر إلى إدلب.
وأشار أبو عوف، في حديث بـ"
عربي21"، إلى الغارات المتقطعة للنظام على الحي بين الفينة والأخرى، بالرغم من وجود هدنة بين الثوار في الحي وقوات النظام، في ظل أنباء عن وجود تسوية بين النظام ومقاتلي الفصائل في حي برزة.
ورغم تصنيف المواثيق والمعاهدات الدولية؛ عمليات التغيير الديموغرافي والتهجير القسري "جرائم حرب"، إلا أنّ جهود المعارضة تقتصر على توثيق تلك الانتهاكات، مع وقوفها عاجزة عن المواجهة، كون النظام السوري لا يزال يملك "شرعية" بالأمم المتحدة.
وتقول سهير الأتاسي، عضو الهيئة العليا للمفاوضات التي تضم طيفا واسعا من القوى السياسية والعسكرية المناهضة لنظام بشار الأسد، إنّ الهيئة بذلت جهودا كبيرة في ملف
التهجير القسري، من خلال الضغط لجعل البنود 12 و13 و14 من قرار مجلس الأمن رقم 1254؛ واجبة التنفيذ، وغير قابلة للتفاوض. وتتضمن هذه البنود على وجه الخصوص فك
الحصار عن المدن والبلدات في سوريا، وإدخال المساعدات الإنسانية.
وأشارت الأتاسي إلى حصول الهيئة العليا للمفاوضات على اعترافات من المبعوث الدولي إلى سوريا، ستافان دي مستورا، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بأنّ تلك البنود تعتبر فوق أي عملية تفاوضية، وهي غير مدرجة على جدول أعمال التفاوض.
وقالت الأتاسي لـ"
عربي21"؛ إنّ الحصار يُعتبر الجذر الأساسي الذي يدفع الأهالي والمقاتلين لعقد هدن مع النظام، والتي غالباً ما يكون من مخرجاتها التهجير القسري، مشيرة في الوقت ذاته إلى عدم التزام المجتمع الدولي بالضغط على النظام من أجل إجباره على فك الحصار عن المناطق المحاصرة، بل يكتفي بالمطالبات المتفرقة بإدخال مساعدات إلى تلك المناطق، وهو ما يستجيب له النظام في منطقة لمرة واحدة ويرفضه في مناطق كثيرة.
واعتبرت الأتاسي أنّ ما تسمى بـ"المصالحات" هي "عقود إذعان" تحت الضغط بالتجويع والإبادة، وهو منهج ينتهجه النظام للنيل من معارضيه في تلك المناطق.
وأشارت عضو الهيئة العليا للمفاوضات؛ إلى مطالبة الهيئة بقرار ملزم من قبل مجلس الأمن الدولي، يقضي بـ"فك الحصار" و"إدخال المساعدات" و"وقف التهجير القسري"، وكذلك المطالبة بلجنة تحقيق دولية، من أجل العمل على التحقيق في قضايا التهجير، إلى جانب العمل على إعداد ملف توثيقي للتهجير القسري والعوامل التي تفرض على الأهالي القبول به؛ من أجل مدّ لجنة التحقيق التي تطالب بها المعارضة بمثل هذه المعلومات.