تبدو فصائل
المعارضة السورية فاقدة للسيطرة في
حلب، وبدأت في التفكك، جراء تقدم قوات النظام السوري المدعومة بالمليشيات الشيعية والقصف الروسي في الأحياء الشرقية للمدينة، مع تراجع لفصائل الثوار إلى الأحياء الداخلية، وفق ما أكده ناشطون سوريون.
وباتت خريطة حلب اليوم مختلفة كثيرا عما كانت عليه منذ عام 2012، جراء تغلغل قوات النظام بالأحياء الشرقية، وتراجع قوات المعارضة في مناطق عدة أمام تقدم النظام السوري ووحدات حماية الشعب الكردية، وفق ما أوردته التقارير الصحفية من المدينة التي باتت أمام حركة نزوح كبيرة من الأهالي.
وجراء ذلك، فقد ظهرت دعوات من الناشطين السوريين للفصائل السورية في حلب بالتوحد، عززها خروج مظاهرات شعبية في المدن السورية نصرة لحلب تطالب المعارضة بنبذ الاختلافات والدعوة للتوحد.
وأفاد ناشط سوري في إدلب لـ"
عربي21" فضل عدم ذكر اسمه، بأن المتظاهرين السوريين رفعوا الثلاثاء لافتات تدعو فصائل الثوار كافة للتوحد وإنقاذ حلب، وحملت عبارات تؤكد على الصمود و"الاستمرار في طريق الثورة".
من جهته، أوضح الكاتب والمحلل السوري، محي الدين اللاذقاني، لـ"
عربي21"، أن دعوات التوحد مرفوعة ويطالب بها الشعب السوري منذ ثلاث سنوات، لكن ما يعيقها هو أن توحّد الفصائل يقف "أمام تشكيلات من مشارب مختلفة ومرجعيات غير موحدة".
وأكد أن العامل المعطل الأول للتوحد هو أن "أغلب الفصائل المعارضة ذات مرجعية مختلفة على الرغم من أنها ذات طابع إسلامي"، فالواقع يقول إن مرجعيات "فتح الشام" تختلف عن "أحرار الشام" أو حركة "نور الدين زنكي" على سبيل المثال.
أما العامل الآخر، "الأكثر خطورة"، فهو المتعلق بـ"الداعمين لهذه الفصائل"، موضحا أن كل فصيل داعم له أجندة معينة قد لا تتطابق أو تتماشى مع أهداف الثورة السورية وعلتها.
وقال اللاذقاني إن الثورة منذ عامها الثالث شهدت داعمين كثرا باختلاف أجنداتهم، "وغالبا ما يتدخل الداعم في التخطيط للمعارك ومناطقها، الأمر الذي حصل في الجبهة الجنوبية في
سوريا، إذ إنها تعطلت بالكامل حين تحالف الأردن مع
روسيا"، وفق قوله.
وأضاف أن المطلع على الشأن السوري يعي أن الفصائل لا تمتلك إلا هامشا بسيطا من حرية الحركة واختيار الأهداف، وهذا ما يجب أن يتوقف فورا، وذلك لا يحصل إلا في حال تطبيق الوحدة في العمل الميداني، والقرار السياسي السوري المستقل عن الأجندات الإقليمية.
وألمح اللاذقاني إلى أنه لا يمكن إجبار من لا يريد التوحد على ذلك، مضيفا أن قضية توحيد الفصائل المعارضة لا يمكن أن تتم إلا بالقوة، وفق قوله.
وعلل ذلك بالقول، إنه لا يمكن لفصائل قوية مثل "أحرار الشام" أن ترضى بذلك، لكنه أوضح أن التوحيد بالقوة سيجر أيضا مخاطر الاقتتال الداخلي، الأمر الذي حصل بالفعل في أكثر من منطقة.
جهات أجنبية تعبث بالفصائل
من جهته، قال الناشط السوري، محمد محي الدين، لـ"
عربي21"، إن ما يعيق توحّد فصائل الثوار في هذه المرحلة "كثرة الأصابع الأجنبية التي تعبث بها وتمنعها من الاتحاد، لأنها إن توحدت حول راية واحدة فسيصعب التحكم بها، وقد التف السوريون حول "أحرار الشام" حين تبنت راية الثورة السورية الخضراء، فازداد نفوذها، لكن هناك قوى أخرى مثل "فتح الشام" ترفض ذلك.
إلا أنه قال: "أظن أن ما جرى في حلب في الأيام الأخيرة سيدفع الجميع نحو مزيد من التلاحم، وإلا انفرط عقدهم جميعا"، على حد تعبيره.
وقرأ محيي الدين أن معركة حلب عالمية وقراراتها تتحكم بها دول عدة، مؤكدا أن الإعلام الأجنبي يضخم ما يحدث في حلب، فليس بيد النظام وحلفائه من محافظة حلب إلا 18 في المئة فقط، وفق قوله.
وأضاف أن "حلب محافظة كبيرة ومعظمها خارج سيطرة النظام، بمعنى أنه حتى لو خرج المقاتلون من حلب الشرقية فستظل معهم ثلاثة أرباع المحافظة"، مشيرا إلى أن التوقعات الأمريكية تقول بحسب ما نقلته "نيويورك تايمز" على لسان فورد، إن "السيطرة على ما تبقى من الأحياء الشرقية قد يستغرق عاما كاملا"، لذا فإن من المبكر القول إن الثوار خسروا نفوذهم في المدينة.
وختم بالقول، إن معارك حلب عبارة عن كرّ وفرّ، وهذا ما تشهده منذ أعوام، فلم يتحول أي تقدم إلى نصر استراتيجي لأحد الأطراف حتى الآن.
شرق حلب ودونالد ترامب
من جانبها، ذكرت مواقع مقربة من النظام السوري أن القوات النظامية تسعى للسيطرة على شرق مدينة حلب بالكامل، بدعم روسي، قبيل تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة بشكل رسمي.
ونشرت صحيفة "
الغارديان" البريطانية تقريرا لمحرر الشؤون الدبلوماسية، باتريك وينتور، أكد فيه أن التقدم السريع لقوات النظام السوري "أصبح يهدد بكسر صفوف الفصائل المعارضة إلى جبهتين منفصلتين في المنطقة".
وتحت عنوان "فصائل المعارضة السورية تضعف"، قال وينتور في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن القصف الجوي المستمر الذي يشنه جيش النظام السوري والقوات الروسية أدى إلى نقص الطعام والإمدادات لدى المعارضة السورية، مؤكدا أن هذا الأمر من بين العوامل التي ساهمت في الوصول إلى هذا الموقف.
وربط الكاتب البريطاني بين ما يحصل في حلب والانتخابات الأمريكية الأخيرة، إذ قال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى للسيطرة على حلب قبل أن يتولى دونالد ترامب مهامه رئيسا لأمريكا في كانون الثاني/ يناير المقبل، والاستفادة من الفراغ السياسي الحالي في الولايات المتحدة الأمريكية ورفض الرئيس باراك أوباما التورط في الساحة السورية، فق قوله.
وقال ينتور إن ترامب يعين مستشارين للأمن القومي يفضلون التعاون مع روسيا على الساحة السورية للحفاظ على وضع رئيس النظام السوري بشار الأسد، والتركيز مقابل ذلك على التخلص من تنظيم الدولة.
اقرأ أيضا: ما أسباب خسارة المعارضة السورية للأحياء الشرقية بحلب؟
من جانبه، قال رئيس مفاوضي المعارضة السورية، جورج صبرا، في حديث لهيئة "بي بي سي" البريطانية، إن خسارة الجزء الشرقي من مدينة حلب، الخاضع لسيطرة المعارضة، لن تعني انتهاء المعركة ضد الأسد.
وشدد صبرا على أن خسارة حلب تعني أن الأمل بالتوصل إلى اتفاق سلام أضحى أكثر صعوبة.
يشار إلى أن القوات الحكومية المدعومة جويا، استطاعت السيطرة على أكثر من ثلث المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شرق حلب، ما دفع بفصائل المعارضة للانسحاب إلى أماكن أقوى دفاعيا.
وفر آلاف المدنيين من الأحياء المحاصرة بعد قتال عنيف في مطلع الأسبوع.
حركة نزوح
بدوره، قال إبراهيم أبو ليلى، الناطق باسم "الدفاع المدني السوري"، المعروف باسم "الخوذ البيضاء"، إن "هناك حركة نزوح كبيرة شرق حلب، ومعنويات الناس في حالة يرثى لها".
وأضاف في تصريحات صحفية، أن "الناس يفترشون الطرقات، وليس لديهم المال لشراء الطعام والماء".
وأبدت الأمم المتحدة "القلق الشديد"، وكررت مطالبتها بضرورة إدخال المساعدات للأماكن المتضررة.
وكانت قوات النظام تمكنت -خلال أيام من الهجوم المكثف- من شق الأحياء الشرقية في حلب إلى قسمين في الشمال والجنوب، حيث سيطرت على حي "الصاخور" الذي يصل مناطق سيطرتها بين شرق المدينة ووسطها وغربها، وفق ما اطلعت عليه "
عربي21".
وسيطرت قوات النظام على أحياء "جبل بدرو" و"عين التل" و"مساكن هنانو" و"الحيدرية"، بينما سيطرت الوحدات الكردية على "الهلّك" و"الشيخ فارس" و"بستان الباشا" و"الشيخ خضر".
وتحاول قوات النظام أيضا التقدم من جهة جمعية "الزهراء" غرب حلب. أما في جنوب المدينة، فقد باتت قوات النظام قريبة من حي "الشعار" الذي يعدّ ممرا للأحياء الخاضعة للمعارضة هناك.