علقت صحيفة تسايت الألمانية على إصدار قانون في هولندا يحظر ارتداء
النقاب والبرقع في الأماكن العامة، وقالت إن سياسة المنع والإكراه ضد
المسلمين لا فائدة منها؛ لأنها ستؤدي لنتائج عكسية وتزيد شعور المسلمين بالاستهداف والاضطهاد، خاصة أن هذه السياسة تم تجريبها في دول أوروبية أخرى، وكانت نتائجها مخيبة.
وقالت المحررة في الصحيفة، بارفن ساديغ، إن النص الذي تبناه البرلمان الهولندي يحظر تغطية الوجه بالكامل، إلا أن تفاصيله جاءت أقل صرامة من القوانين التي تبنتها فرنسا، حيث إن هذا المنع سيطبق فقط في الأماكن العامة والمستشفيات والمدارس والحافلات والقطارات، فيما ستفرض غرامة تبلغ 400 يورو على كل امرأة ترتدي البرقع أو النقاب، وعلى كل شخص يغطي وجهه بالكامل، مثل مرتدي خوذة قيادة الدراجة.
ونقلت الكاتبة تساؤلات معارضي ارتداء المرأة للنقاب، الذين يقدمون حججا بعضها "منطقي"، مثل: كيف يمكن لفتاة أن تدرس في القسم ووجهها مغطى بالكامل؟ كيف يمكنها الاندماج في الحوارات والأنشطة الاجتماعية التي تدور في القاعة؟ وكيف يمكن لزملائها ومدرسيها التعامل معها دون رؤيتها ورؤية تعابير وجهها؟ كيف يمكن للمدرس أن يتعامل مع هذه التلميذة التي تبدو مختلفة عن الآخرين؟
وأكدت الكاتبة في هذا السياق أنه يجب التفريق بين الفتيات اللواتي يتعرضن للإكراه من قبل عائلاتهن، وأولئك اللواتي يرتدين النقاب في إطار ممارسة حرياتهن.
وذكرت الكاتبة أن استطلاعا للرأي أجري في ألمانيا بيّن أن أكثر من نصف الألمان يعارضون ارتداء البرقع والنقاب، إلا أن ثلثهم فقط يساند إصدار قرار بحظر ارتدائه، كالذي أصدرته هولندا.
وحذّرت الكاتبة من أن هذا القرار الذي قد يبدو "حكيما" هو ليس كذلك في الواقع، حيث إنه تم تجريبه في فرنسا سابقا، وكانت نتائجه مخيبة، فقد فرضت فرنسا منذ سنة 2011 حظرا تاما لارتداء النقاب والبرقع، ووصل الأمر إلى حد منع ارتداء البوركيني (لباس بحر يستر كامل جسد المرأة) على الشواطئ أيضا.
وقد كانت التجارب المرافقة لتطبيق هذا القانون مريرة ومثيرة للجدل، حيث تعرضت هذه الشريحة من
النساء للمضايقات المتكررة والمراقبة والتغريم بمبالغ طائلة، وقام حينها رجل أعمال ثري بالتكفل بدفع هذه الغرامات، فيما أصرت النساء على التمسك برأيهن ومواصلة ارتداء النقاب في كل الأحوال.
وحذرت الكاتبة أيضا من أن مثل هذه القرارات تؤدي لزعزعة الثقة بين الناس داخل المجتمع، وتفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا، فقد شعر الكثير من المواطنين الفرنسيين بأن مخاوفهم تجاه المسلمين في محلها عندما رأوا أن الدولة فرضت مثل هذه القوانين، وشاهدوا الشرطة تقوم بفرض القوانين في الشارع وتلاحق النساء المخالفات.
كما نبهت الكاتبة إلى أن نظرة هؤلاء النساء المسلمات تتحول من اعتبار المجتمعات الغربية مثالا للحرية واحترام حقوق الإنسان، إلى مجتمعات تضطهد المرأة المسلمة، وتمارس ضدها التفرقة. وقد تطور هذا الخلاف في السنوات الأخيرة، حتى صار ارتداء الحجاب والنقاب من قبل المسلمات تعبيرا منهن عن رفض سياسات المنع والإكراه، وللاحتجاج والدفاع عن معتقداتهن الدينية.
واعتبرت الكاتبة أيضا أن هذا القرار الصادر في هولندا يتسم نوعا ما بالعبثية، ولا معنى له، حيث إن الأرقام تشير إلى أنه في فرنسا توجد حوالي ألفا امرأة تغطي وجهها بالكامل، فيما لا يتجاوز هذا العدد في هولندا ما بين 100 و150 امرأة، وبالتالي فإن هذه الظاهرة ليست منتشرة كما قد يتخيل البعض في صفوف الجالية الإسلامية، والقرار لن يؤثر كثيرا على حياتهم اليومية.
وتساءلت الكاتبة حول موقف المعارضين للنقاب أمام المرأة، التي تؤكد أنها ترتدي هذا اللباس بشكل طوعي وباختيار وعن قناعة، ومن دون ضغوط، ففي هذه الحالة لن يؤدي المنع والإكراه إلى تغيير قناعاتها، ولن ترى أن تدخل الدولة والآخرين في حرية لباسها يندرج ضمن المساواة والحرية، بل على العكس من ذلك سوف تشعر أنها ضحية.
واعتبرت الكاتبة أن الحل الوحيد لإقناع المرأة المنقبة بأن المجتمعات الغربية هي مجتمعات حرية وانفتاح، يتمثل في تفهم دوافعها وخصوصياتها الدينية والثقافية، وهذا لن يتم إلا بشرط احترام حرية الأفراد.
وأكدت الكاتبة أن ظاهرة ارتداء النساء للنقاب والبرقع يجب ألّا تواجه بقرارات الحظر وسياسة الإكراه، بل يجب منح الحق لكل مدرسة لتقدير القرار الصحيح الذي يساهم في خلق الألفة والتناسق داخلها، تماما كما يتم السماح للشركات الخاصة باتخاذ القرارات فيما يخص الرموز الدينية وممارسة الشعائر لدى موظفيها.
وطالبت الكاتبة المدرسين بأن يقتربوا من تلاميذهم بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم، وأن يتعرفوا عليهم وينظروا إليهم كأفراد مميزين، ويساندوهم عند الحاجة؛ ليغرسوا فيهم قيم الديمقراطية والحرية، دون تفرقة بين طفل أو طفلة، وبين منقبة وغير منقبة.