كشفت الخرجة التلفزية الأخيرة للمستشار الملكي
عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أن الدولة ومؤسساتها محرجة من الشارع
المغربي، خاصة أنها توازت مع لقاءات عقدها ممثلو وزارة الداخلية مع جمعيات آباء وأولياء التلاميذ على امتداد البلاد.
كان عمر عزيمان خلال مروره حريصا على القول بأن الدولة لن تتراجع عن "مجانية"
التعليم، في ذات الوقت كان يصر على القول بأنها تتجه لفرض رسوم على الأسر الميسورة في إطار تنويع مصادر تمويل الإصلاح التعليمي.
المجانية والرسوم
حرص عمر عزيمان رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، ومستشار الملك، على نفي الحديث عن إلغاء مجانية التعليم في المدرسة العمومية، مع دفاعه عن اعتماد رسوم على الأسر الميسورة.
ودافع عزيمان، الذي كان يتحدث في برنامج "حديث مع الصحافة" ليل الأحد، على القناة المغربية الثانية، عن موقف المجلس الأعلى للتربية والتكوين الذي يرأسه، معتبرا أن ما قام به مجلسه ليس إلا رأي استشاري سيتم تقديمه للحكومة وهي الجهة الموكول لها تطبيقه أو الاستغناء عنه.
وأوضح: "مقترح المجلس بشأن إيجاد موارد أخرى لتمويل منظومة التربية والتكوين، هو مجرد رأي استشاري، أعددناه من أجل تقديمه للحكومة التي هي المكلفة بتطبيق هذا الرأي أو التخلي عنه إن بدا لها أنه غير صالح وباستطاعتها أن توفر موارد أخرى إضافية لتمويل التعليم".
وأضاف: "النقاش الذي أثير حول ضرب مجانية التعليم غير صحيح، ولا توجد ولو إشارة لهذا الأمر في مشروع الرأي الذي أعده المجلس".
وزاد أن "هذا الرأي أنجز من قبل المجلس باستشارة مع مختلف الهيئات وكل أعضاء المجلس يعرفون جيدا أن أغلب الأسر يعانون من الفقر والتهميش وبالتالي فهم معفيين بشكل مطلق من أداء رسوم التسجيل".
وتابع عزيمان أن "مسألة رسوم التسجيل تحمل الكثير من الحساسية، في طرحها، لكن نقول إن كان من الضروري تنويع مصادر تمويل منظومة التعليم، هناك إمكانية فرض رسوم التسجيل على أولياء التلاميذ الميسورين، أما الفقراء فلا حديث عن أدائهم لرسوم التسجيل في التعليم بشكل كلي".
واعتبر عزيمان أن مصادر التمويل التي تحدث عنها الرأي لا مفر منها، لكنه أكد في مقابل ذلك أن الدولة ستبقى مصدر التمويل الأول للتعليم العمومي، لكن مع اعتماد مصادر تمويل أخري للرقي بقطاع التعليم العمومي.
وقال رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين إن "رئيس الحكومة ابن كيران لم يضغط علينا من أجل التسريع في إخراج الرأي حول القانون الإطار المتعلق بإصلاح التعليم، لأن المجلس مؤسسة مستقلة".
غضب الناس
كشفت مصادر مطلعة أن خرجة المستشار الملكي، عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، للتلفزيون الرسمي المغربي، وحديثه خلال ذات اللقاء الصحافي عن ضرورة انفتاح المؤسسة التي يرأسها على الإعلام "دليل على الورطة التي وجد نفسه فيها".
وتابعت المصادر التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، في تصريحات لـ"
عربي21"، أن "الهدف من تسريع إخراج رأي المجلس كان هو إحراج رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران مع المواطنين في إطار حرب الاستنزاف التي تخوضها بعض الجهات ضده".
وأضافت أن "الحملة الإعلامية وما قام به نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، كانت لها آثار عكسية، جعلت الرأي الاستشاري للمجلس الذي يرأسه مستشار الملك تحت الضوء، وأظهر كخصم للطبقات المتوسطة والفقيرة في المغرب".
وزادت المصادر أن "خرجة عزيمان كان هدفها تطمينيا وعملا استباقيا تحسبا لخروج الناس إلى الشارع للاحتجاج على ما تعتزم الدولة القيام به، خاصة وأن المغاربة لم ينسوا بعد قصة بائع السمك محسن فكري".
وشددت على أنه في هذا الإطار "عقدت وزارة الداخلية عبر ممثليها في مختلف جهات وأقاليم المغرب لقاءات مع جمعيات آباء وأولياء التلاميذ".
وسارعت وزارة الداخلية إلى عقد لقاء تواصلي مع عدد من رؤساء جمعيات آباء وأولياء تلاميذ المؤسسات التعليمية الإعدادية والثانوية لشرح ملابسات النقاش الذي أثير في إطار توصية للمجلس الأعلى للتعليم.
تتويج الفشل
قالت لطيفة البوحسيني، الأستاذة الجامعية والناشطة اليسارية، إن "معضلة المدرسة العمومية معروفة، ومشاكلها واضحة، ولقد بدا المغرب منذ ثمانينيات القرن الماضي إثارة النقاشات حولها انطلاقا من (ندوة إفران) وصولا إلى (ميثاق التربية التكوين في 1998)".
وتابعت لطيفة بوحسيني في تصريح لـ"
عربي21"، أن "إشكال إلغاء مجانية التعليم في المغرب لم يكن مطروحا كحل للأزمة التي تعانيها منظومة التربية والتكوين منذ بداية نقاش المسألة التعليمية في المغرب".
وأضافت أن "الموضوع الذي حضي دوما بالنقاش كان حول المضمون، ومناهج التلقي والتربية والتعليم هي التي كانت تستحوذ على كل الوقت والنقاش".
وزادت: "منذ وضع ميثاق التربية والتكوين والمغرب يخرج مخططات تنفيذه، وصولا إلى المخطط الاستعجالي الذي كان كارثة بيداغوجية بما للكلمة من معنى، تخلى عنه المغرب لاحقا، دون محاسبة المسؤولين عن هدر المال العمومي ووقت المغاربة والتلاميذ".
وسجلت أن "تقريرا سابقا تم إعداده قبل سنوات قام بعملية تشخيص دقيق للأزمة التي تعانيها المنظومة التربوية الوطنية، انتهت إلى أن المعضلة مركبة وليست سهلة ولا بسيطة".
وشددت على أن المقاربة الجديدة "لم تتقدم في المناهج لكنها تقدمت في ضرب مجانية التعليم، وهو ما يسائل جميع الفاعلين المعنيين بالمسألة التربوية كل بحسب مسؤوليته عن المستقبل الذي ينتظر أبناء المغرب".
وأكدت أن "الخوف هو أن تدفع الأسر المتوسطة ثمنا باهظا من أجل تعليم أبنائها رغم أنها اختارت منذ زمن التعليم الخصوصي هربا من تدني الخدمة التربوية".
وختمت تصريحها قائلة، "إننا من خلال هذا الرأي نقدم خدمة مجانية للفشل، المغرب اليوم يذهب إلى تتويج الفشل، والتضحية بأجياله الصاعدة، كما يغتال مستقبل البلد".
نقاش إيجابي
من جهتها قالت أمينة ماء العينين، عضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين، إن "النقاش الحاصل حول فرض رسوم على الأسر في التعليمين الثانوي و العالي إيجابي رغم الانزياحات التي يحاول البعض خلقها".
وسجلت أمينة ماء العيني في تصريح لـ"
عربي21": "بداية الحديث عن (الأسر الميسورة) كمفهوم كان هناك رفض قطعي لإدراجه بدعوى عدم إمكانية تحديد ماهيته".
وأوضحت: "للإشارة لا يوجد ذكر للفظ (الأسر الميسورة) لا في الرؤية، ولا في مشروع القانون الإطار، ولا في رأي المجلس بخصوصه".
وتابعت: "الجديد الإيجابي هو إدراجه في بلاغ المجلس الصادر في تاريخ 30 نونبر (تشرين الثاني) في فقرة (للتدقيق) وليس ضمن توصيات الجمعية العامة".
وزادت لقد "كان الحديث منحصرا على إعفاء الأسر المعوزة أو الأسر في وضعية فقر، والتخوف كله ظل منصبا على (الأسر المتوسطة) التي ستزداد معاناتها".
واقترحت من أجل "تنويع مصادر تمويل التعليم ولإقرار التضامن الوطني لابد من التخلي عن فرض الرسوم وتحديد الإعفاءات، وإحداث صندوق خاص تساهم فيه الدولة والجماعات الترابية والشركات ذات أرباح (يحدد سقفها) وأصحاب الدخول المرتفعة (يحدد سقفها)".
وتابعت، الصندوق يكون "كما جرى مع المساهمة التضامنية التي فرضها رئيس الحكومة على الشركات وأصحاب الدخول المرتفعة (منهم البرلمانيون) لتمويل صندوق التماسك الاجتماعي".
وسجلت أن "ربط مساهمة (الأسر الميسورة) برسوم تسجيل أبنائها سيجعل فئة واسعة منها بعيدة عن المساهمة لتفضيلها القطاع الخاص مع استحضار أن جزءا كبيرا من الأسر الميسورة تسجل أبناءها في مؤسسات التعليم العالي العمومي (الطب والهندسة....)".
وشددت أن "التضامن الوطني لا يرتبط مباشرة بخدمة يستفيد منها المساهم بشكل مباشر، بل هو مساهمة لتقليص تفاوتات اجتماعية تؤثر في النهاية على مناخ عيشه، ويستفيد منها في النهاية".
وكان مجلس عزيمان، طرح للنقاش موضوع إلغاء مجانية التعليم العمومي في المغرب بفرض رسوم عليه بدعوى كون القطاع يثقل كاهل الدولة وميزانيتها بنفقات كبيرة جدًا سنويًا، واقترح مساهمة الأسر المغربية هي الأخرى في تمويل المنظومة التربوية، ضمن صندوق لدعم تمويل المنظومة التربوية وتنويع مصادر التمويل.
واقترح أعضاء اللجنة فرض مساهمات مالية على الأسر الميسورة لتعليم أبنائها بالتعليم العالي على المدى القريب، أي في غضون السنتين المقبلتين وهي المساهمات التي ستمتد أيضًا للتعليم الثانوي على المدى المتوسط، أي أكثر من خمس سنوات من الآن. وهي الاقتراحات التي قوبلت بالرفض باعتبارها تضرب مجانية التعليم في بلادنا.