وضعت "عملية
الكرك" التي وقعت في جنوب الأردن، الأحد الماضي، أداء الأجهزة الأمنية وجاهزيتها للتعامل مع الأحداث الإرهابية، تحت دائرة النقد، بعد أن خلّف أربعة مسلحين 10 ضحايا و30 إصابة، في عملية شابتها استفسارات حول ترسانة المسلحين، وكيف أنهم تمكنوا من التجوال بحرية بعد كشف أمرهم بالصدفة، وأنهم وصلوا إلى قلعة الكرك الأثرية وتحصنوا داخلها لتسع ساعات.
وأثار نشطاء أردنيون تساؤلات حول تفاصيل العملية، و"تأخر التعزيزات الأمنية"، وحالة الفوضى التي انتشرت في مدينة الكرك، التي وصلت إلى حد مشاركة مواطنين مدنيين في الاشتباكات المسلحة، ومناشدة آخرين أهالي الكرك من داخل مركز أمني؛ بمدهم بالذخيرة بعد نفادها من رجال الأمن، بحسب ما أظهر مقطع فيديو متداولا.
وتساءل الكاتب الأردني عمر عساف: "كيف تدار البلد؟ ولماذا لم تستفد السلطات الأردنية من الدروس السابقة، ولم تتعلم من الأخطاء؟"، مشيرا إلى حوادث سابقة كـ"الخرق الأمني لمكتب المخابرات بالعاصمة، وتفجير سيارة مفخخة بموقع الرقبان الحدودي، والخلية المسلحة في مدينة إربد".
وقال عساف لـ"
عربي21": "كيف يصل الإرهابيون بعد الاشتباك الأول من منطقة القطرانة إلى وسط مدينة الكرك (42 كيلومترا) دون أي اعتراض أو متابعة أو ملاحقة، ولو حتى بإغلاق الطريق بحجارة وحصرهم قبل الوصول إلى المدينة؟ هذا يبعث على الاستغراب، ويحتاج إلى إجابات مقنعة، فالكل يعلم أن قيادة الدرك في الجنوب ليست بعيدة عن القطرانة ولا الكرك".
وزادت وتيرة التساؤلات بعد أن قتل أربعة رجال أمن أردنيين في مدينة الكرك، الثلاثاء، على خلفية مداهمات أمنية نفذتها الأجهزة الأمنية الأردنية لإلقاء القبض على مطلوبين يعتقد بارتباطهم بـ"
عملية الكرك".
وحوّل وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني، تساؤلات الأردنيين إلى "موجة من الغضب" بحسب مراقبين، حين أقر في مؤتمر صحفي الثلاثاء بفرار أحد المطلوبين بعد أن كان في قبضة رجال الأمن.
وقال المومني إن الأجهزة الأمنية "استدعت مطلوبا، واعترف بعلاقته بالخلية الإرهابية في الكرك قبل يومين، وبأنه يملك أسلحة ووثائق في منزله".
وأضاف أنه "بعد ذهاب قوة أمنية برفقة المطلوب إلى المنزل؛ هرب إلى إحدى الغرف وتناول سلاحه ثم هرب إلى سطح المنزل وبدأ بإطلاق النار، حيث استشهد رجل أمن من القوة، وتم الإسناد بقوات الدرك، ووقع إطلاق نار من قبل أشخاص آخرين ليستشهد ثلاثة من قوة الدرك وتصفية المطلوب وتطويق المكان".
وتساءل نشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي عن كيفية تمكن فرار المطلوب من قبضة أفراد الأمن بهذه السهولة، متسائلين عن سبب عدم تقييده كما هو مفترض في المطلوبين الخطرين، ومستغربين من استمرار العملية لحوالي ثماني ساعات، وسقوط أربعة قتلى من الأمن و11 مصابا، رغم أن المطلوبَين شخصان فقط، ومحاصران في منزل.
أسئلة بلا إجابات
ولم تكن "عملية الكرك" وحدها التي أثارت تساؤلات بلا إجابات، حيث تساءل نشطاء عن مصدر كل هذه الأسلحة والمتفجرات التي امتلكتها هذه الخلية، وقبلها خلية إربد التي اشتبكت معها الأجهزة الأمنية في 3 آذار/ مارس، وكيف تم نقل هذا العتاد إلى منطقة سكنية؟ وكيف اقتحم شخص منفرد مسلح بمسدس مكتب مخابرات محصن في العاصمة عمّان، وقتل خمسة أفراد أمنيين داخل المبنى ولاذ بالفرار؛ ليتمكن مواطنون من القبض عليه داخل مسجد في شهر حزيران/ يونيو؟ وكيف تمكن
تنظيم الدولة من قتل سبعة جنود أردنيين في تفجير سيارة مفخخة في 21 حزيران/ يونيو بموقع الرقبان الحدودي؟ بالإضافة إلى تساؤلات أخرى تدور جميعها حول مدى جاهزية واستعداد الأجهزة الأمنية لمثل هذه الظروف.
اقرأ أيضا: استهداف مخابرات الأردن.. هل انطلقت "الذئاب المنفردة"؟
اقرأ أيضا: "عملية إربد".. خيوط مفقودة وأسئلة دون إجابة
نجاح كامل
وفي محاولة لـ"تجميل الصورة" كما وصفها بعض المراقبين؛ خرج وزير الداخلية الأردني سلامة حماد، الاثنين، في مؤتمر صحفي، واصفا التعامل الأمني مع العملية بـ"النجاح الكامل".
وأكد حماد أن الأجهزة الأمنية "دخلت القلعة ضمن خطة عسكرية متأنية ومحكمة، ولم يكن هنالك أي تأخير في التعزيزات الأمنية، أو نفاد للذخيرة من المركز الأمني كما قال شهود عيان".
ولكن الروايات الرسمية، والمعلومات الشحيحة، وحجم الضحايا الكبير؛ دفع نوابا يمثلون مدينة الكرك في يوم العملية، إلى المطالبة بـ"إقالة وزير الداخلية، ومديري الأمن العام والدرك".
وقال النائبان صداح المجالي ومصلح الطراونة، إن ما جرى في الكرك كشف عن وجود "خرق أمني"، متسائلين: "كيف لمجموعة إرهابيين أن يحتلوا مدينة كاملة كالكرك؟".
وجمع 40 نائبا، الثلاثاء، تواقيع للتصويت على طرح الثقة بوزير الداخلية وإقالة مدير الأمن العام، إلا أن مجلس النواب فشل في ذلك؛ بسبب فقدان النصاب القانوني للجلسة.
كان يجب التأني
بدوره؛ قال الخبير والمحلل العسكري، اللواء المتقاعد فايز الدويري، إنه "كان يجب على الأجهزة الأمنية الأردنية التعامل بتأنٍّ وروية أكثر مع العملية؛ بهدف إرهاق أعصاب المحاصرين".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "طبيعة الأسلحة والمتفجرات وواقيات الرصاص التي وجدت في شقة الإرهابيين؛ تدلل على أنها مجموعة تملك مهارات قتالية فردية، فقد كان من الممكن تقليل عدد الضحايا في حال تم التعامل مبكرا وبروية مع المجموعة المحاصرة في القلعة".
وحول علاقة المجموعة المسلحة بتنظيم الدولة؛ اكتفى الدويري بالقول: "هم ذئاب منفردة متأثرة بفكر تنظيم الدولة".
تنظيم الدولة يتبنى
وتبنّى تنظيم الدولة، الثلاثاء، عملية الكرك، وأوضح في بيان نُشر على حسابه الرسمي في "تليغرام"، أن منفذي الهجوم هم: "محمد الخطيب، ويوسف القراونة، وحازم أبو رمان، وعاصم أبو رمان".
وأكد التنظيم أن عناصره الأربعة الذين قتلوا خلال العملية، كانوا "مزودين بأسلحة رشاشة، وقنابل يدوية".
وقال الخبير في الجماعات الإسلامية مروان شحادة لـ"
عربي21" إن "العملية منذ بدايتها كانت تحمل بصمات تنظيم الدولة، وتميزت الخلية بالتخطيط والتنظيم، وأدى اكتشافها بالصدفة إلى الحيلولة دون ضرب أهداف في فترة أعياد الميلاد ونهاية السنة".
اقرأ أيضا: تنظيم الدولة والأردن.. سيناريوهات المواجهة القادمة