نجت محافظة
سقطرى اليمنية من الحرب المتصاعدة في البلاد، منذ أكثر من 20 شهرا، لكن
الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي، تعرضت لغدر البحر، ودفعت ثمن الحرب بطريقة أخرى.
تقع سقطرى، التي أعلنتها السلطات محافظة مستقلة في العام 2014، لتكون المحافظة اليمنية الـ 22، قبالة سواحل القرن الإفريقي بالقرب من سواحل عدن، جنوبي البلاد.
وكان لافتا أنها حافظت بشكل منفرد، على سلامتها من الحرب، حيث لم تشهد معارك ميدانية، كما أن غارات "
التحالف العربي" لم تصل إليها لعدم احتضان أراضيها لأي وجود حوثي.
وقبل الحرب بدأ كثير من المتزوجين حديثا في اليمن يقصدون سقطرى لقضاء شهر العسل، لهدوئها الفريد وشواطئها الدافئة، رغم افتقار الجزيرة للخدمات السياحية المعتادة، حيث لا يتوفر فيها سوى 4 فنادق بسيطة.
ونظرا لتوقف الرحلات الجوية جراء الحرب، كان سكان الجزيرة، المصنفة ضمن محميات التراث العالمي، يضطرون لقطع البحر عبر سفن صيد بدائية، للوصول إلى محافظة حضرموت، شرقي البلاد، التي يقصدونها للدراسة والعلاج، وهو ما جعلها تدفع ضريبة الحرب بشكل مختلف.
مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري، أبحرت سفينة على متنها أكثر من 60 شخصا من أبناء سقطرى من محافظة حضرموت صوب الجزيرة، وفي 7 من الشهر ذاته، أي بعد 5 أيام من الإقلاع، أُعلن عن فقدان السفينة، التي كانت تجر 13 قارب صيد صغير.
وحسب الصحفي المنحدر من الجزيرة محمد العرقبي، فُقدت السفينة على بعد 26 ميلا بحريا من سقطرى، وبعد أسبوعين من الإعلان تم العثور على 31 ناجيا، فيما لا يزال 29 شخصا في عداد المفقودين.
وقال العرقبي، إن "السفينة كانت تحمل 13 قارب صيد تابعة لهيئة المصائد، ضمن قوارب تعويض للصيادين المتضررين من إعصار تشابالا الذي ضرب الجزيرة العام الماضي، وعندما غرقت بدأ الناس بالصعود إلى تلك القوارب الصغيرة والمكوث فيها".
وأضاف، نقلا عن شهادات ناجين، أن سفينة أجنبية وصلت وأنقذتهم، حيث قامت بإخراجهم إلى سواحل سقطرى، وهناك من وصل بالقوارب الصغيرة إلى البر بنفسه.
ووفقا للعرقبي، فإن ركاب السفينة، كانوا سيعودون جوا، لكنهم اضطروا للعودة عبر البحر بعد إلغاء الطيران لرحلتهم من مدينة سيئون في محافظة حضرموت شرقا إلى الجزيرة، وعدم قدرتهم على الانتظار في تلك المدينة طويلا بسبب النفقات المرتفعة.
ويقطع سكان سقطرى الراغبون بالعودة إلى جزيرتهم عبر البحر، أكثر من 30 ساعة فوق سفن متهالكة، بسبب عدم انتظام موعد رحلات طيران الخطوط الجوية اليمنية، وارتفاع تكاليفها.
وعلى الرغم من وقوع محافظتي حضرموت وسقطرى تحت سيطرة القوات الحكومية، الموالية للرئيس عبدربه منصور هادي، إلا أن الرحلات الجوية المدنية تتوقف غالبا بانتظار تراخيص من التحالف العربي، الذي يفرض حظرا على الأجواء اليمنية منذ 26 آذار/ مارس 2015.
ووفقا لإحصائيات رسمية، فإن الحصيلة النهائية تشير إلى نجاة 31 شخصا من ركاب السفينة وصلوا لجزيرة سقطرى بينهم امرأتان، في حين ما يزال 29 بينهم 5 نساء وطفل، مفقودين ولم يعثر عليهم.
وقال وزير الثروة السمكية المنحدر من الجزيرة فهد كفاين، إن البحث مازال مستمرا من دون وجود أي نتائج، وذلك بمشاركة سفن باكستانية وإسبانية ومروحية يابانية وسفن اصطياد من محافظة حضرموت.
وذكر المسؤول اليمني، أن البحث توقف خلال يومي (الاثنين والثلاثاء) الماضيين، بسبب دخول المنطقة التي شهدت غرق السفينة، في منخفض مداري، وهو ما أعاق عملية البحث.
وأضاف: "البحث مستمر عن جثامين المفقودين، على الأقل، وسنواصل العملية دون أن نفقد الأمل".
وشكل الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، الأيام الماضية، لجنة تحقيق في غرق السفينة، لكن اللجنة لم تخرج بأي نتيجة بعد 10 أيام على تشكيلها.
وقال الوزير كفاين: "التحقيق لا يزال مستمرا، وأتوقع مجموعة من الإجراءات لتلافي مثل هذه الكوارث مستقبلا".
وعلى الرغم من الأمل لدى المسؤولين السقطريين بأنه قد يتم العثور على ناجين جدد، إلا أن الرئيس هادي أصدر توجيهات بتعويض ضحايا السفينة المنكوبة، وذلك بصرف مليون ريال يمني ( حوالي 4 آلاف دولار أمريكي)، لكل مفقود من ركاب السفينة، و500 ألف ريال ( 2000 دولار) لكل ناج منهم.
وذكر سكان في الجزيرة أن التوجيهات الرئاسية تريد امتصاص غضب السكان، والتغطية على فشل السلطات بتسيير رحلات منتظمة وبأسعار معقولة لسكان الجزيرة من وإلى محافظة حضرموت.
ويقول السكان، إن "أسعار تذاكر الخطوط الجوية اليمنية مبالغ فيها، حيث ارتفعت قيمة التذكرة إلى ما يعادل 100 دولار أمريكي لرحلة جوية زمنها نصف ساعة أو أقل، وهو ما يجعل المواطن العادي يعزف عن الطيران، ويغامر بركوب البحر بحثا عن التكلفة الأقل".
وشهدت الجزيرة، خلال الأيام الماضية، احتجاجات للسكان للمطالبة بتسيير رحلتين جويتين على الأقل من سقطرى إلى مطار سيئون في محافظة حضرموت، التي يقصدها السكان بشكل مستمر للتسوق والعلاج والدراسة.
وتعاني الجزيرة، التي يقطنها نحو 135 ألف نسمة، من أصل 24 مليون مجموع سكان البلاد، من إهمال شديد من قبل الحكومات المتعاقبة في شتي الخدمات، وخاصة في جانب الحماية والصون للتنوع البيئي الفريد الذي تمتاز به.