ما تزال صحف أجنبية مهتمة بقراءة العلاقة بين
تركيا والغرب، إذ تشهد توترا شديدا غير مسبوق، وكيف أن الأمر دفع أنقرة إلى التوجه للشرق، تحديدا موسكو.
ووصل الحال إلى أن ذهبت بعض الصحف لتقرأ خسارة غربية لتركيا، وباتت تبحث عمن يتحمل مسؤولية ذلك.
من جهتها، نشرت صحيفة "أوبزيرفر" البريطانية، تقريرا الأحد، ترجمته "
عربي21"، ذهبت فيه إلى أن
الغرب "خسر تركيا"، وتساءلت تحت عنوان عريض: "من المسؤول عن خسارة الغرب لتركيا؟".
وأوردت الصحيفة في افتتاحيتها ما وصفته بتدهور العلاقات بين تركيا والغرب لصالح التقارب بين أنقرة وموسكو.
وشددت الصحيفة على دور تركيا وموقعها المتميز بين آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، لتعود للتساؤل من المسؤول عن خسارة الغرب لتركيا؟
إلا أن الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، تخفظ على هذه القراءة للصحيفة، وقال لـ"
عربي21"، إن "من السابق لأوانه القول إنه الغرب خسر تركيا، ولست متأكدا من صحة هذا التقدير، فهناك أصوات في الغرب وأمريكا ما زالت تعول على الدور التركي".
وبالنسبة لتركيا، أشار عريب إلى أن أنقرة ما زالت ربما في انتظار مجيء الإدارة الأمريكية الجديدة لتقدير خطواتها المستقبلية في هذا المجال مع الغرب عموما، وهذا لا يعني أنه لا يوجد توجهات لتركيا في التوجه للشرق، تحديدا
روسيا ومعاهدة شنغهاي.
اقرأ أيضا: هل تنضم تركيا لمنظمة شنغهاي بديلا عن الاتحاد الأوروبي؟
وإجابة على السؤال الذي طرحته الصحيفة، قال الرنتاوي، إنه لا يمكن أن نتحدث عن مسؤولية طرف بعينه في هذا المجال.
وأوضح أن هناك مسؤولية تقع على أوروبا في العشرية الأولى من القرن الواحد والعشرين، ولكن بعد ذلك هناك سياسات تركية لا يمكن اعتبارها منسجمة مع معايير الاتحاد الأوروبي على مستوى الحريات وحقوق الإنسان والتعددية السياسية والفكرية، وفق قوله.
أما "الأوبزيرفر" فذهبت إلى اتهام الرئيس التركي، رجب طيب
أردوغان، بأنه من يتحمل مسؤولية خسارة الغرب لتركيا، وفق قولها.
في حين قال الرينتاوي إنه من باب الإنصاف، فإن تركيا كانت قبل اندلاع الربيع العربي بشكل خاص، قطعت أشواطا مهمة على طريق التكيف مع معايير الاتحاد الأوروبي، ولكنها لم تجد في المقابل ترحيبا أوروبيا واضحا.
وواجهت تركيا مواقف معترضة من بعض الدول الأوروبية والتيارات اليمينية في الاتحاد الأوروبي وباتت أمام تيارات انعزالية في أوروبا.
مخاوف الغرب
ولكن الرنتاوي أشار أيضا إلى أن هناك انزعاجا غربيا من سياسات تركيا الأخيرة، خصوصا من جهة تبني حركات الإسلام السياسي في المنطقة، والإجراءات التي تتخذها حكومة أردوغان على الصعيد الداخلي، التي يعتقد الغرب بأنها تجعل من تركيا دولة شبيهة بدول الشرق الأوسط.
وقال إن الغرب يقرأ "توجهات خطيرة على المستوى السياسي الداخلي لا سيما عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز/ يوليو الماضي، ويتهم أردوغان بعملية تصفية حساب مع كل الخصوم وليس الانقلابيين فحسب"، مضيفا أن الغرب ينظر إلى أردوغان بأن لديه "رغبة سلطوية جامحة في التفرد للحكم".
وأشار كذلك إلى تخوفات الغرب من محاولات النظام الحاكم في تركيا الهيمنة على القضاء، ومدى تشكيله خطورة على حرية الإعلام، وكل ذلك باستخدام فزاعة فتح الله غولن.
وأكد أن الغرب لا يمكن له أن يقبل بهذه المؤشرات، أو أن يقبل بدولة تقدم على هذه السياسات في نادي الدول الأوروبية، فهذه كلها تضرب معايير الاتحاد الأوروبي، وفق قوله.
ولفت أيضا إلى القلق المتنامي في أوساط عديدة في الغرب من "محاولة أردوغان أن يقدم نفسه ناطقا باسم الإسلام السني في العالم".
هل معايير الاتحاد المشكلة؟
وبالعودة إلى ما قبل اتهامات الدول الأوروبية لتركيا بأنها خالفت معاييرها، فإن أنقرة كانت قد قطعت أشواطا كبيرة قبل سنوات في تحقيق شروط العضوية للاتحاد الأوروبي، وحتى بالنسبة إلى المعايير الغربية بشكل عام، على مستوى الديموقراطية وحقوق الإنسان والتعددية الفكرية والسياسية.
ولكن الرينتاوي أشار إلى أن هناك هواجس لدى الغرب من تركيا حتى وإن حققت المعايير المطلوبة، فهي دولة مسلمة كبيرة، بالتالي فإن البعض في دول الغرب يفضل أن تبقى أوروبا ناديا مغلقا للمسيحية.
وأضاف أن هذا كان واضحا في مواقف العديد من القادة الأوروبيين، إلا أنه أكد أن تركيا نجحت في تسجيل كثير من الاختراقات على هذا الصعيد.
اقرأ أيضا: تعرف على خيارات أوروبا الصعبة حال تنفيذ تركيا تهديداتها
وأعلن قادة أتراك مسبقا، أن دولتهم تسير نحو الديموقراطية وحقوق الإنسان والتعددية خدمة لمصالح تركيا وليس فقط استجابة لشروط الاتحاد الأوروبي، ولكنه يرى أن كل هذا انكفأ وتراجع اليوم في تركيا ليحل مكانه خطاب المؤامرة.
وقال إن تركيا كان بإمكانها أن تكون نموذجا أمام الغرب، للتعايش بين الإسلام والحداثة والإسلام والديمقراطية، والإسلام والعلمانية، وكل هذا الجدل الذي كان يشتد في المنطقة.
مستقبل العلاقة
ورأى المحلل السياسي الرنتاوي في مستقبل العلاقة بين الغرب وتركيا أن الأمور إذا بقيت على هذا الحال، وهو الأمر الأكثر ترجيحا، فسيكون هناك مشكلة مع الاتحاد الأوروبي بشكل خاص.
وقال: "ستدخل العلاقة في إشكالية كبرى، وستصبح مسألة عضوية الاتحاد الأوروبي وراء ظهورنا حتى إشعار آخر".
وأضاف أن تركيا باتت تفضل روسيا التي لا تضع المعايير الغربية في حساباتها"، وبالنسبة لأمريكا، فإن ترامب لا يبالي بالمعايير الأوروبية أيضا. ما يعني انفراجة في العلاقة بين أنقرة وواشنطن.
ما الذي يمنع العلاقات الجيدة؟
في حين أن الغرب ما زال يبالي في علاقته مع تركيا، وأمام إدراكه لأهميتها وموقعها ومكانتها الاستراتيجية وثقلها السكاني والعسكري والاقتصادي، إلا أن علاقاتاته ما زالت متوترة مع أنقرة.
وعلل الرنتاوي في حديثه لـ"
عربي21"، سبب ذلك، ما ذكره أولا من أن تركيا بلد مسلم، بالإضافة إلى أنه يصعب على الغرب مجاراة أردوغان فيما يريده.
وأوضح أن تركيا تطلب من حلفائها في الغرب الشيء الكبير للغاية، وهو انضمامه إليها في الحملة على فتح الله غولن، مشيرا إلى أن هناك أطرافا متعددة في أوروبا غير مقتنعة بأن غولن يقود تنظيما إرهابيا، على الرغم من أن هذا حديث أردوغان منذ عشر سنوات.
والمطلب الآخر، هو أن تركيا تريد من الدول الغربية أن يكونوا حلفاء في الحرب ضد الأكراد في سوريا، مؤكدا أن هذا الأمر لا يمكن للغرب أن يقبله.
وأوضح أن وحدات الحماية الكردية تعد قوة صديقة وحليفة للغرب ومدعومة منه، وهو يراها تحمل "مشروعا ديموقراطيا"، وأن الرواية التركية بما يخص الأكراد غير مقبولة بالنسبة إليه.
اقرأ أيضا: كيف سترد تركيا على قرار تجميد مباحثات ضمها للاتحاد الأوروبي؟
وشدد في نهاية حديثه على أن ما يريده أردوغان من الغرب لا يمكن أن يقبل به، لهذا لا نراه يقبل بحماسة على تركيا، إلا أن ذلك ليس من موقع عدم المبالاة، ولكن عدم قدرة منه على مجاراة الطموحات التركية.