ما هي آثار الحرب اللانهائية في
العراق؟ سؤال طرحه الأستاذ الزائر في كلية كينغز في جامعة لندن، نيك باتلر، في مقال نشرته صحيفة "فايننشال تايمز".
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن التركيز الواضح على
سوريا مفهوم، خاصة الوضع المأساوي في مدينة حلب، الذي تطور خلال الأسابيع القليلة الماضية، وحرف الانتباه عن الوضع الخطير الذي يتطور في العراق، مشيرا إلى أن الأخير لا يزال محور حرب، بعد عشرة أعوام من إعدام صدام حسين، وخمسة أعوام من خروج القوات الأمريكية من العراق، الذي كان يعني نهاية النزاع الذي بدأ عام 2003.
ويضيف باتلر أن "الهجمات المستمرة على الأهداف المدنية والعسكرية تظهر قوة المتشددين الإسلاميين، ومع وصول محاولات استعادة
الموصل، التي سيطر عليها
تنظيم الدولة عام 2014، إلى الذروة، فإن المخاطر عالية، وبتداعيات لن تشكل مستقبل العراق وحده، ولكن سوق النفط العالمي أيضا".
ويصف الكاتب محاولات الجيش العراقي إحكام السيطرة على الموصل بأنها كانت تقوم على تحقيق مكاسب بطريقة بطيئة، خطوة تلو خطوة، وتقدم الجيش من الشمال والجنوب والمناطق المحيطة، مستدركا بأن الثمن كان باهظا، حيث تم تشريد حوالي 115 ألفا من المدنيين الذين يعيشون اليوم في بيوت مؤقتة ومخيمات، بالإضافة إلى دمار مادي هائل، فقد تم تدمير أربعة جسور من بين خمسة تربط المدينة على نهر دجلة، وفي بعض الحالات بعمليات مقصودة، تهدف إلى قطع الإمدادات عن تنظيم الدولة.
ويعلق البروفيسور باتلر قائلا إن "المقاتلين لم ينسحبوا مذعنين، ففي تشرين الأول/ أكتوبر، وبمناورة كلاسيكية لسياسة الأرض المحروقة، قاموا بإشعال النار في آبار للنفط ومصنع المشراق للكبريت، قرب قرية القيارة جنوب الموصل، وكثف المقاتلون جهودهم في الأسابيع القليلة الماضية، من خلال حملة للقناصة والعمليات الانتحارية قرب العاصمة بغداد، وقتل المئات من المدنيين العراقيين خلال الأسبوعين الماضيين، وإغلاق الطريق الرئيسي بين بغداد والموصل، الذي يعد من أهم خطوط الإمداد للجيش العراقي، ونتيجة لهذه الأحداث، وصل عدد المدنيين الذين قتلوا في العراق خلال عام 2016، إلى 6800 شخص، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة".
ويقول الكاتب إن الحكومة العراقية تخطط لاستكمال السيطرة على كامل مدينة الموصل، بحلول شهر آذار/ مارس 2017، محذرا من مخاطر التنظيم، الذي سيتفرق مقاتلوه في أنحاء العراق كلها وأجزاء أخرى من المنطقة، بشكل سيتسبب بضرر فادح.
وتشير الصحيفة إلى أن مدينة الموصل تقع قرب المناطق المنتجة للنفط في الشمال، مثل مدينة كركوك الواقعة تحت سيطرة الأكراد الآن، لافتة إلى أن المنشآت المنتجة للنفط وعمالها عرضة للخطر.
ويستدرك باتلر بأن "الأكراد معروفون بشدتهم في القتال، لكن من الصعب حماية منشأة أو خطوط أنابيب تمتد على مساحة أميال، وفي مناطق نائية ضد هجمات يقوم بها عدو شرس مستعد لاستخدام الانتحاريين".
ويلفت الكاتب إلى أن احتمالات نشوء وضع كارثي كبيرة، بالإضافة إلى الضرر الذي يؤثر في الاقتصاد العراقي الضعيف، في حال توقف تدفق النفط في الأنابيب ولمدة طويلة.
ويبين باتلر أن "المخاطر ليست متعلقة بالنفط فقط، ففي شمال المدينة يقع
سد الموصل، الذي يعد واحدا من أهم المشاريع الهندسية في المنطقة، ويحفظ السد حوال 11 مليار متر مكعب من المياه، وفي الوقت الحالي يقع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة العراقية والأكراد، لكنه بحاجة إلى إصلاحات، ووضح الكاتب ديكستر فيلكنز في مقال مهم في العدد الأخير في مجلة (نيويوركر) التحديات، وجاء فيه أن السد بحاجة إلى عمل مهم لمعالجة مظاهر الضعف في أساساته حتى لا يتسبب بكارثة، وفي الوضع المثالي فهو بحاجة إلى داعمات إضافية أو أساسات جديدة، إلا أن المنطقة تقع تحت سيطرة تنظيم الدولة".
ويقول الكاتب إن انهيار السد يعني فيضانا قد يغرق مدينة الموصل ومناطق واسعة في جنوبها، ولا يستبعد باتلر إمكانية قيام تنظيم الدولة بتدمير السد وهو في حالة تراجع، مشيرا إلى أنه بهذا ينتهج سياسة الأرض المحروقة، بشكل يقود إلى إضعاف الاقتصاد والظروف الاجتماعية.
ويجد باتلر أنه بناء عليه، فإن عودة العنف الى العراق ستثبط من حماسة المستثمرين، حتى في المناطق الواقعة جنوب العاصمة بغداد، التي لم تحدث فيها هجمات كبيرة.
وينوه الكاتب إلى أن قدرة العراق على إنتاج النفط زادت خلال العامين الماضيين، من 3.2 مليون برميل في اليوم عام 2014، إلى 4.8 مليون برميل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، لافتا إلى أن هذا كله بمساعدة من التمويل الدولي والتكنولوجيا الجديدة، حيث هناك اليوم علامات على بطء الاستثمار، مع زيادة التقييم السياسي والمادي السلبي.
ويقول باتلر: "قد يهزم الجهاديون في الشمال، إلا أنهم قد ينجون ويتفرقون ويعيدون تنظيم أنفسهم من جديد، وفي غياب صفقة بين الحكومة العراقية والأكراد لتقاسم موارد النفط، فإن الشركات النفطية العاملة في شمال العراق تعيش على الوعود، ولن تخصص رأسمالا للاستثمار، إلا في حال حصلت على وعود موثوقة".
ويفيد الكاتب بأنه "على المدى القصير، فإن الوضع الأمني سيظل مؤثرا، بالإضافة إلى أن الوعد المتردد، الذي وعده العراق بتخفيض الإنتاج بنسبة 200 ألف برميل في اليوم بداية من هذا الشهر، فمن الناحية الاسمية، لا تزال الحكومة ملتزمة بوعدها، لكن الشركة الروسية للنفط (لوك أويل)، التي تعمل في منطقة القرنة الشرقية رقم 2، لم تتلق تعليمات لخفض الإنتاج، وفي السياق ذاته، ترفض السلطات الكردية المشاركة في تخفيض الإنتاج".
ويخلص باتلر إلى القول: "قد يكون العراق ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، إلا أن الشعب العراقي يواصل معاناته اليومية، وحاجة الدولة للنقد هي ما تقود سياسات الحكومة، والمفارقة هي أن القوة الوحيدة التي ستقوم بتخفيض وقطع إنتاج النفط في العراق هي تنظيم الدولة".