ناقش تقرير لـ"معهد أتلانتك" الأمريكي دوافع وأسباب تشكيل النظام السوري "الفيلق الخامس"، الذي أُعلن عنه في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وكان النظام أعلن عن تشكيل "الفيلق" كقوة تهدف لـ"محاربة الإرهاب"، حيث سيتم نشره بجانب وحدات النظام، وما يسميها "القوات الرديفة". ويستهدف
التجنيد لهذا الفيلق المدنيين الذين لم يخدموا العسكرية، والموظفين، والفارين من الجيش.
وقال الباحث عبد الرحمن المصري، في مقال تحليلي نشره المعهد، إن الفيلق يجند براتب شهري، مع "تسوية أوضاع" للمنشقين سابقا عن الجيش، بينما سينضم المتطوعون من موظفي الدولة للعمل بعقود سنوية، وسيستمرون باستلام رواتبهم، بالإضافة لراتب "الفيلق الخامس".
ونشر الفيلق، عبر صفحة على فيسبوك تحمل اسم "الجيش العربي السوري - الفيلق الخامس"، وحصلت على أكثر من 8000 إعجاب، رقم هاتف للاتصال بالفيلق.
تكتيكات التجنيد
وقال المصري إن تشكيل الفيلق يعكس الحالة المعقدة لوضع النظام السوري، موضحا أن النظام يحاول حل مشكلتين رئيسيتين بتشكيله: "قلة القوة البشرية بالمقارنة مع
المليشيات الموالية للنظام، والحاجة لمأسسة القوات الرديفة ضمن الجيش السوري".
وأكد أن كيفية ذلك ستحدد مستقبل جيش النظام السوري، بالإضافة للعلاقات الروسية الإيرانية، والقدرة على التعاون وتحديد المواقع في
سوريا ما بعد الحرب.
جيش النظام السوري
وحول الحالة الراهنة للنظام، قال المصري إن التدخل الروسي أنقذ النظام، واستطاع قلب الموازين لصالحه، بعد أن كان يواجه عجزا كبيرا في القوة البشرية، وهو ما اعترف به رئيس النظام السوري بشار الأسد في تموز/ يوليو 2015.
وقبل الحرب، كان الجيش السوري مكونا مما يقارب الـ300 ألف عنصر، مشكّلا بشكل رئيسي من الذين يؤدون الخدمة الإجبارية. وحتى تشرين الأول/ أكتوبر 2015، كان عدد أفراده يقدر بما بين 80 ألفا و100 ألف عنصر.
ويرجع سبب هذا التراجع الكبير إلى الانشقاقات الجماعية، وعدد القتلى الكبير، والفرار من الخدمة الإلزامية. وبهذه الأرقام، لا يستطيع النظام الاستمرار في الحرب دون دعم المليشيات المحلية والأجنبية، بالإضافات للاستشارات العسكرية من إيران وروسيا.
مصطلحات النظام
وتستخدم الآن ثلاثة مصطلحات لدى إعلام النظام، وهي: القوات المسلحة، التي تعني القوات الأساسية في الجيش، و"القوات الرديفة"، وتعني المليشيات المحلية التي تعتمد على التطوع، مثل "قوات الدفاع الوطني"، وثالثا "القوات الحليفة"، وتعني القوات الأجنبية، مثل حزب الله، والقوى الإيرانية والعراقية والروسية.
وكانت المليشيات المحلية شُكلت لتعمل بشكل رئيسي داخل المجتمعات التي يسيطر عليها النظام، مثل اللاذقية وحمص وحماة والعاصمة دمشق، كما أن معظم هذه المليشيات لا يتحكم بها النظام بشكل مباشر، وكثير من تمويلها يرجع لرجال أعمال موالين للنظام، ويتم التجنيد على أسس طائفية.
وبالنظر للدوافع الدينية بالتجنيد، فإن الغالبية تعمل تحت قيادة "الحرس الثوري الإيراني"، و"حزب الله". كما يُتوقع أن تقاتل قرب بلداتها الأصلية، حيث يتحكم بها النظام عن طريق حلفائه، قرب معقله في المناطق الساحلية ووسط البلاد.
زواج روسيا وإيران "العنيف"
ومنذ دخلت روسيا الصراع في أيلول/ سبتمبر 2015، كانت حريصة على تطبيق التخطيط العسكري، والتنسيق مع المليشيات الإيرانية غير الممأسسة.
ويفضل المسؤولون الروس العمل مع مؤسسات النظام السوري الرسمية. واستجابة للتدخل الروسي، شكل النظام ما أسماه "الفيلق الرابع"، الذي يتشكل من وحدات حماية الشعب والتنظيمات المسلحة الأخرى.
وقالت الكاتبة المؤيدة للنظام، ميسون يوسف، في مقال في صحيفة "الوطن" المؤيدة، إن "تشكيل الفيلق الرابع يثبت أن الجيش ما زال يملك السيطرة والقوة، ويستطيع تشكيل الوحدات"، مؤكدة أن "هذا يعزز قدرة الصديقة روسيا على التحكم بالظروف".
واستطاع الفيلق الرابع تحقيق تقدم في مواقع المعارضة في حماة، بدعم جوي روسي ملحوظ، إلا أن القوات الرديفة ما زالت فاعلة حتى بعد عام من تأسيس الفيلق الرابع، ولم تندمج معه، ما يؤشر على عدم نجاح التنسيق الكامل بين روسيا وإيران، وعدم قدرة جيش النظام على التأثير في القوى خارج الدولة للاصطفاف مع أهدافه الاستراتيجية الأكبر.
حاجة النظام السوري
من جانب آخر، قال المصري إن تشكيل قوة تطوعية عسكرية تحت إمرة وزارة الدفاع التابعة للنظام السوري يشير إلى أن النظام يحاول السيطرة على القوات المحلية.
وقالت عدة صحف محلية إن حزب الله وروسيا يحاولان أخذ أدوار رئيسية بتمويل الفيلق الخامس، ما يؤكد محاولة أخرى من روسيا وإيران على مأسسة القوى المحلية.
وبمعنى أوضح، بحسب المصري، فقد فشل الفيلق الرابع بهذه المهمة، لكنه استطاع تأسيس إشراف لجيش النظام على القوات الرديفة في اللاذقية وحماة، بينما يقوم نظام الأسد بجهود كبيرة لجمع متطوعين للفيلق الخامس خارج خطة الفيلق الرابع، الذي أنشئ للإشراف على المليشيات المشكلة أساسا.
وسائل حشد
واستخدم النظام كل ما يملكه لحشد مجندين جدد. فبجانب الراتب غير المسبوق، الذي يمثل عرضا كبيرا للشباب السوري الذي يعاني من البطالة، فإن النظام يستخدم دعوات دينية لتعزيز التجنيد.
وأمرت وزارة الأوقاف أئمة المساجد في مناطق النظام بحثّ الشباب على الانضمام إلى الفيلق الخامس. ففي 20 كانون الأول/ ديسمبر، حث إمام المسجد الأموي في دمشق، في خطبة جمعة متلفزة، الشباب السوريين على الانضمام للفيلق الخامس.
كما وضعت مناشير تحث على الانضمام للفيلق في أكياس الخبز المدعوم من النظام. وتم عرض إعلانات متلفزة أو مطبوعة، ما يشير إلى أن النظام لا يحتاج مزيدا من المجندين، ولكن مجندين سوريين تحديدا.
ويبقى من غير الواضح مدى نجاح "الفيلق الخامس" أو قدرته على تجاوز التأثير الروسي والإيراني، لكنه يشير إلى أن الجيش يعاني من "مستويات خطيرة"، بحسب تعبير الكاتب.
وخلال العام الماضي، عزز نظام الأسد الانقسامات الطائفية في جيش النظام السوري، ما يعني أن إضافة قوة مثل "الفيلق الخامس" للجيش، ومأسسة القوات الرديفة المشكّلة على أسس طائفية، سيعمق طبيعة النظام الطائفية، في خطوة شبيهة بالقرار العراقي بشرعنة وقوننة "مليشيات الحشد الشعبي"، التي يقودها الشيعة.
ومن الواضح في النهاية أن جيش النظام السوري سيبقى متأثرا بالقوى الأجنبية على المدى الطويل، ولن تؤخر خطوة تشكيل الفيلق عملية السلام في سوريا وحسب، بل ستقوض السلام الإقليمي، حيث ستبقى سوريا محطا للتنافس بين القوى الإقليمية والعالمية، كما يرى الباحث.