ثمة إشارات مثيرة للقلق تأتي من مناطق نفوذ الحكومة
الشرعية خصوصاً في المحافظات الجنوبية، وتكاد تهدد بتقويض سلطة الرئيس هادي الذي ظهر مؤخراً أكثر تمسكاً بتحقيق مشروع الدولة الاتحادية متعددة الأقاليم.
مصدر القلق يأتي من استمرار مظاهر الفوضى في المحافظات الجنوبية المحررة، والتي تُعزى في الغالب إلى أجندة الانفصال وما تتسبب به من هشاشة لا تزال تعاني منها مؤسسات الدولة في تلك المحافظات بما فيها مؤسسات الجيش والأمن.
ففي حين تحقق قوات الحكومة وبإسناد من التحالف تقدما مهما في منطقة استراتيجية بالغة الأهمية وبالأخص في جنوب البحر الأحمر والساحل الغربي بمشاركة رئيسية من قوات تنتمي إلى الجنوب، يتم فتح ثغرة في محافظة أبين الجنوبية المحررة، بوسط البلاد على يد ما يعرف بـ "تنظيم القاعدة".
فعلى مدى اليومين الماضيين، خاضت عناصر من هذا التنظيم بالأسلحة الرشاشة وقذائف (آر بي جي) معارك للسيطرة عل مدينة "لودر" الواقعة إلى الشمال من المحافظة والمتاخمة لمحافظة البيضاء.
لم تستطع حتى الآن هذه العناصر حسم جولة الحرب في المدينة بسبب المقاومة الشرسة التي أبداها الأهالي بعد انسحاب مثير للقلق للقوات التي كانت تحرس هذه المدينة، والذي لم يرشح أي تفسير لدوافع انسحابها الذي قد يكون أحد النتائج المحتملة لهشاشة مؤسسات الدولة التي تعاني من عدم اليقين بشأن المستقبل.
وقد تزامن ذلك مع تحشيد قام به الحوثيون وقوات المخلوع صالح في مناطق سيطرتهم بمديرية "مكيراس" المتاخمة لمديرية "لودر" من الناحية الشمالية.
هناك تكامل واضح في الأدوار بين الحوثيين والقاعدة، بما يسقط الذرائع الأمريكية التي بررت دعم واشنطن لهذا الفصيل الطائفي الموالي لإيران الذي لطالما ادعى أنه يخوض معركته فقط مع من يسميهم "القاعدة" و"الدواعش"، في حين كان يغطي بهذا الادعاء على مهمة الانقلابيين في إعادة الاستيلاء على السلطة، وإحكام السيطرة على البلاد.
وفي تطور لافت ظهر القيادي الذي كان محسوباً على تنظيم القاعدة، طارق الفضلي، بعد غياب دام أكثر من سنتين، بمبادرة لإنهاء الحرب في البلاد، تتضمن ترشيح العميد أحمد، نجل المخلوع صالح، رئيساً للبلاد، مع إدماج القاعدة وداعش في هيكل الدولة الجديدة التي اقترحها، دونما إشارة إلى صيغة الدولة الاتحادية التي أقرها مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي اختتم في 25 كانون الثاني/ يناير.
طارق الفضلي هو حفيد سلطان السلطنة الفضلية التي كانت تمتد على مساحات واسعة من محافظة أبين الحالية وطويت صفحتها مع قيام جمهورية
اليمن الديمقراطية عام 1967، وتجمعه بالرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي قرابة الانتساب إلى عشيرة الفضلي، ولا يزال حتى الآن عضواً في مجلس الشورى اليمني.
عُرف عنه عدم تدينه وانغماسه في الملذات، على الرغم من مظهره الخارجي المراوغ الذي يحاول أن يظهر من خلاله كأحد قادة القاعدة الذي يتحلى بالسلوك الحسن وبالزهد عن الدنيا.
لذا يبدو غريباً أن يصبح هذا الشخص جزء من القيادات المؤثرة في صفوف تنظيم القاعدة، بهذه السهولة، إن لم يكن هذا التنظيم في الأساس، مخترق وهش ويخضع للسيطرة الأمنية من قبل الأجهزة الأمنية القديمة للمخلوع صالح وهي سيطرة تتم في الغالب عبر القيادات العليا والمتوسطة للتنظيم.
ليس هناك من برهان أكبر من هذا على أن القاعدة في اليمن تحولت إلى إحدى أقذر الأدوات المستخدمة في تحقيق أهداف سياسية على مستوى البلاد.
تعرض اليمن واليمنيون للظلم بسبب النشاط المراوغ للقاعدة، ودفع هذا البلد وشعبه أثماناً غالية نتيجة التصور الخاطئ الذي افترض أن اليمن هو البلد الأكثر خطورة بعد أفغانستان استناداً إلى نشاط تنظيم القاعدة، والتأثير الذي يمارسه هذا التنظيم على الأمن والسلم الدوليين انطلاقاً من اليمن.
يبدو الأمر مبالغ فيه، فأحداث السنتين الماضيتين أظهرت تنظيم القاعدة أضعف التنظيمات المسلحة تأثيراً في مجريات الأحداث، ولولا الحساسية تجاه ما يسمى الإرهاب، لما أخذت نشاطاته هذا القدر من الاهتمام، خصوصاً بعد أن تبين أن هذا التنظيم في معظمه صنيعة استخبارية.
تبدو الولايات المتحدة الأمريكية مربكة أمام الكارثة التي ارتكبتها في قرية "تكلا" في "قيفة رداع" التابعة لمحافظة البيضاء بوسط اليمن في 29 كانون الثاني/ يناير.
حتى من زعمت أنه قيادي في تنظيم القاعدة وأعني به عبد الرؤوف الذهب، لطالما نفى عن نفسه هذه التهمة، وأي قيادي في هذا التنظيم الإرهابي، لا يمكن أن يخفي انتماءه للتنظيم.
لهذا قتل الرجل وشقيقه وعائلته والعشرات من المدنيين من النساء والأطفال ظلماً وعدواناً في الهجوم العسكري المباغت الذي نفذته قوات أمريكية خاصة محمولة على مروحيات وسط تدخل للطائرات بدون طيار.
جرى تصوير تلك القرية على أنها معسكر للقاعدة، وجرى تصوير النساء اللائي لقين حتفهن في هذه العملية العسكرية الأمريكية على أنهن جزء من القوة القتالية التي واجهت الجنود الأمريكيين.
أخفقت الوحدات الخاصة الأمريكية في تحقيق أهدافها، وعادت محملة بالخيبة والخسران، بعد أن فقدت طائرة مروحية وجندياً وبضعة جنود تعرضوا للإصابة، وهناك أنباء غير مؤكدة بأن سكان القرية ربما أمسكوا بأحد الجنود أو بجثة أحدهم.
هي واحدة من صور الإفراط في استخدام القوة انطلاقاً من الفرضيات الخاطئة نفسها التي تعتقد أن اليمن مسرحاً واسعاً لإرهاب القاعدة، وأن الدماء التي تسيل اليوم على أيدي الإرهابيين الحوثيين المرتبطين بإيران، وعلى أيدي قوات الجيش السابق الموالي للمخلوع صالح ليست إلا أحداث على هامش المتن الإرهابي لتنظيم القاعدة.
لذا يتعين على الحكومة أن تجري مراجعة شاملة لبناها العسكرية والأمنية، وأن تعمل بجدية على تحرير المؤسسات التي بدأت تتشكل في الجنوب من التشبث بوهم الانفصال الذي أبقى العاصمة المؤقتة عدن ومؤسسات الدولة فيها وفي المحافظات الجنوبية المجاورة بهذه الهشاشة.