قالت
منظمة العفو الدولية، في تقرير جديد صدر الجمعة، إن طريق
تونس إلى الإصلاح مهدد من جراء اعتماد
قوات الأمن التونسية على الأساليب القمعية التي كانت معهودة في الماضي، بما في ذلك التعذيب، والقبض والاحتجاز بصورة تعسفية، والقيود على سفر المشتبه فيهم، فضلا عن مضايقة أفراد أسرهم.
وأشارت المنظمة في تقريرها إلى أن السلطات التونسية، في معرض ردها على سلسلة الهجمات المسلحة التي هزّت البلاد منذ آذار/ مارس 2015، قامت بتشديد إجراءات الأمن، والاعتماد بشكل متزايد على قوانين الطوارئ، والتي لا يتماشى كثير منها مع التزامات تونس الدولية في مجال حقوق الإنسان.
وأكدت المنظمة أن هذه الانتهاكات تهدد بإهدار المكاسب التي تحققت على مدار السنوات الست الماضية، والتي شهدت تمتع التونسيين بقدر أكبر من حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات، وهي الحقوق المكفولة في الدستور الصادر سنة 2014.
وكان مقرر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب بن ايمرسون، قد أبدى "قلقه" إزاء ظروف الاعتقال في السجون التونسية، في ختام مهمة له في تونس.
وقال ايمرسون الذي سيقدم تقريره الكامل في مارس/ آذار 2018 إلى مجلس حقوق الإنسان للأمم المتحدة، إنه أوصى بـ"يقظة" أكبر إزاء حالات محتملة لـ"تعذيب أو سوء معاملة".
الإفلات من العقاب
وقال أيمن عبد الرحمان، رئيس المنظمة التونسية للسلام، إن المعطيات الموجودة في تقرير منظمة العفو الدولية لم تكن مُفاجئة باعتبار أن "آفة الإفلات من العقاب" لا زالت السمة الأبرز لأغلب الانتهاكات التي حصلت وتحصل.
وأضاف، في تصريح لـ"
عربي21": "يتأكد ذلك من خلال أرقام التقرير المرفوع إلى لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة والتي تشير إلى أن من بين 230 "ادعاء تعذيب" وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي وصلت إلى المحاكم في الفترة الفاصلة بين كانون الثاني/ يناير حزيران/ يونيو 2014، لم تصل سوى قضيتان فقط إلى نتيجة محددة، وحكم على المتهمين فيهما بالسجن مع وقف التنفيذ".
وأكد عبد الرحمان أنه ليس هناك سبيل واحد لإنجاح مسار إصلاح المنظومتين العدلية والأمنية، لأن علاقتهما العضوية تقتضي وضع استراتيجيات خاصة لكل منهما وأخرى لكليهما، وهذا ما ستطرحه مُنظّمته خلال أنشطتها الحوارية المُقبلة للنقاش بغاية تحصيل أكبر عدد ممكن من المقترحات، وفق تعبيره.
وتابع قائلا: "لا سبيل للتشريع إلى قمع الحريات تحت مسمى مقاومة الإرهاب، لكننا كذلك لا نرغب في أن نضع التشريعات والمنظومة الأمنية فقط موضع الاتهام لأنهما الأطراف الظاهرة والمباشرة، بل للقضاء كذلك يد في كلّ ما حصل ويحصل سواء بضعف الترسانة التشريعية أو التقصير أو نقص الإمكانيات، ولولا إفلات منتهكي الأمس من العقاب لما تجاسر غيرهم على انتهاج منهجهم".
تراجع كبير
من جهته، قال ضياء الدين مورو، كاتب عام الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، إنّه يُقر ما جاء في تقرير العفو الدّولية، مُؤكّدا التراجع الكبير الذي تشهده تونس في مجال احترام حقوق الإنسان، والذي أكّدته أكثر من جهة محلية ودولية، وفق تعبيره.
واعتبر مورو، في تصريحه لـ"
عربي21"، أن وتيرة التعذيب وسوء المعاملة وانتهاكات حقوق الإنسان شهدت انخفاضا كبيرا بعد الثورة مباشرة، ولكنها عادت للارتفاع منذ سنة 2013، مشيرا إلى أن خشية الحقوقيين تتمثّل في أن جزءا كبيرا من هذه الانتهاكات قد يكون ممنهجا ومؤطرا سواء من خلال بعض إدارات السجون أو من خلال بعض الفرق الأمنية المختصة.
وتابع: "المسألة المحيرة في خضم كل هذا، هو نقص الشفافية داخل السجون. كانت وزارة العدل التونسية قد أبرمت اتفاقيات مع منظمات حقوقية التونسية، سنة 2013، يسمح لها بزيارة السجون ومراكز الإيقاف للتأكّد من مدى احترامها لحقوق الإنسان، إلا أن هذه الاتفاقية تم التراجع عليها اليوم ولم يعد ممكنا لمنظمات المجتمع المدني، باستثناء الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، أداء دورها الرقابي".
وأشار مورو لتواصل تعثر عملية تركيز الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، واصفا إياه "بالانتكاسة" مُعبّرا عن خشيته من أن يكون هذا التعطيل مقصودا ومبرمجا بهدف منعها (الهيئة) من زيارة السجون واكتشاف الفظاعات الموجودة فيها، وفق تعبيره.
وأَضاف: "الصعوبات التي تشهدها الهيئة وغياب الدّعم والاهتمام الحكومي يُؤشّر أيضا لتراجع الإرادة السياسية لمُناهضة التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في تونس".
يُذكر أن الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب هيئة عمومية مستقلة، أقرها المجلس التأسيسي بعد الثورة، وأسند لها صلاحيات رقابية على أماكن الاحتجاز والإيواء، للتأكد من خلوها من ممارسة التعذيب بكل أشكاله وحماية الموجودين بها، كما تتولى مراقبة مدى تلاؤم ظروف الاحتجاز وتنفيذ العقوبات مع معايير حقوق الإنسان، وهي كذلك هيئة استشارية.
ورغم انطلاق أشغالها وتأدية أعضائها للقسم، شهدت الهيئة تعثرا في عملية تركيزها إثر "تعمّد" الحكومة التونسية تعطيل إصدار أوامر ترتيبية وإدارية ضرورية للانطلاق القانوني لأعمالها، وهو ما ندّدت به رئيستها أكثر من مرّة.