قال السياسي
العراقي هوشيار زيباري، الذي شغل منصب وزير المالية سابقا ووزير الخارجية لفترة طويلة قبل ذلك، في مقابلة مع باتريك كوكبيرن من صحيفة "إندبندنت"، إن مدينة
الموصل، التي ينحدر منها، سيتم تدميرها من الجيش العراقي، في الوقت الذي يستعيد فيه السيطرة عليها من
تنظيم الدولة.
وتنقل الصحيفة عن زيباري قوله في المقابلة، التي ترجمتها "
عربي21"، إن تنظيم الدولة سيقاتل حتى آخر رجل لديه في غرب المدينة، الذي لا يزال تحت سيطرته، وأضاف زيباري: "أظن أن غرب الموصل سيدمر"، مشيرا إلى مستوى الدمار الكبير في شرق الموصل الذي سيطرت عليه القوات الحكومية، وقال إن بإمكان تنظيم الدولة أن يقاوم بتكتيكات ماهرة، مستخدما شبكة من الأنفاق وفرق القناصة والانتحاريين بأعداد كبيرة، وأضاف أنه لم يتم تحديد تاريخ لاستمرار القتال، لكنه يتوقع أن يكون القتال أشرس من ذي قبل.
ويرى زيباري أن السبب الآخر للمقاومة المستميتة لتنظيم الدولة، هو أن قائد التنظيم الذي أعلن نفسه خليفة، أبا بكر البغدادي، لا يزال موجودا في غرب الموصل، لافتا إلى أن التقارير التي تشير إلى أنه قتل في غارات جوية في مكان آخر في العراق غير صحيحة، ويقول للصحيفة إن قيادات القطاعات في المدينة عسكريون محترفون، وكلهم كانوا يوما ضباطا في الحرس الجمهوري أو القوات الخاصة في زمن صدام، وسيقاتلون بنجاعة للدفاع عن معقلهم الأخير في الجزء الأكبر من المدينة، الذي يقع غرب نهر دجلة.
وتشير الصحيفة إلى أن الجيش العراقي بقيادة الفرقة الذهبية المؤلفة من 10 آلاف مقاتل، يتوقع السيطرة على الموصل، التي كان تعداد سكانها مليوني نسمة مع نهاية عام 2016، مستدركة بأن المقاومة الشرسة، التي أبداها ثلاثة آلاف مقاتل من تنظيم الدولة في الضفة الشرقية من نهر دجلة، أدت إلى أن يستغرق الجيش ثلاثة أشهر لبسط سيطرته على الجزء الشرقي، وبعد قتال عنيف أدى إلى خسائر كبيرة في الأرواح من الأطراف جميعها، خاصة من المدنيين.
ويورد كوكبيرن أن زيباري وصف الوضع في الموصل بأنه "مروع" و"كارثي"، وحتى في المناطق التي سيطرت عليها القوات الحكومية العراقية، لكنها لم تؤمنها تماما، ويقول إن "هناك خلايا نائمة لتنظيم الدولة، يقدر عدد أفرادها بما بين 16 إلى 24 رجلا في كل منطقة، يخرجون من مخابئهم ويقتلون الناس الذين يتعاونون مع الحكومة.. ويستهدفون المطاعم التي أعيد فتحها وتقدم خدماتها للجنود"، وأشار إلى فشل الحكومة في إعادة بعض الخدمات، مثل الكهرباء والماء، إلى تلك المناطق.
وتلفت الصحيفة إلى أنه لدى سؤال زيباري عن الخسائر، فإنه قال إن الخسائر كانت في جانب الجيش كبيرة، لكن حكومة بغداد ترفض نشر الأرقام، مستدركا بأن تقارير أمريكية قالت إن الخسائر في بعض وحدات الفرقة الذهبية المدربة على مستوى عال تكبدت خسائر وصلت إلى 50%، وشكك زيباري في الادعاءات الرسمية العراقية من أن الجيش قتل 16 ألف مقاتل تابع لتنظيم الدولة، وقال إن الرقم الحقيقي قد يكون ما بين 1500 وألفين من 6 آلاف في الموصل، ويظن أنه بقي 4 آلاف مقاتل من تنظيم الدولة في الجزء الغربي من المدينة، الذي يقطنه حوالي 750 ألف نسمة.
ويفيد الكاتب بأن هذه الرواية تدعمها تقارير أخرى من داخل شرق الموصل وحوله، حيث قام انتحاريان هذا الأسبوع بمهاجمة السوق، وقتل 12 شخصا وجرح 33 آخرين، ولا تزال تنفجر قذائف الهاون والصواريخ التي يطلقها تنظيم الدولة، وتم تدمير البنية التحتية للماء خلال المعارك في شهر كانون الثاني/ يناير، منوها إلى أن الصور تظهر حفرا كبيرة، يقال إنها بسبب القنابل التي ألقت بها قاذفات "ب52" الأمريكية؛ لدعم تقدم الجيش العراقي، وجعل الناس الذين هربوا من القتال يعودون إلى المدينة، لكنهم غالبا ما يعودون لمغادرتها.
وتنوه الصحيفة إلى أن الأمم المتحدة تقول إنها قلقة من الاعتقالات التعسفية بين النازحين؛ بتهمة التعاطف مع تنظيم الدولة، وسجلت في 8 و9 شباط/ فبراير بأن 1442 شخصا عادوا إلى شرق الموصل، لكن 791 منهم غادروا إلى مخيمات النزوح.
ويستدرك زيباري قائلا للصحيفة إنه بالرغم من تركيز القوات الأمنية العراقية على استئصال مؤيدي تنظيم الدولة و"الخلايا النائمة"، إلا أنها لا توفر أمنا حقيقيا؛ لأنه يمكن شراء وثائق السفر من ضباط الأمن الفاسدين مقابل 25 ألف دينار عراقي "17 جنيها إسترلينيا".
وتكشف الصحيفة عن أن سائقي السيارات على الطرق العراقية أكدوا لـ"إندبندنت"، بأن الأمن ليس مهما لدى نقاط التفتيش، لكن المهم تحصيل الرشاوى من السيارات التي تعبر من خلال تلك النقاط، مشيرة إلى أن هذا الأمر يوضح كيف يقوم سائقو السيارات المفخخة من تنظيم الدولة بعبور عدة نقاط تفتيش قبل الوصول إلى المناطق المدنية في بغداد وغيرها من المدن لتفجير سياراتهم.
وبحسب كوكبيرن، فإن زيباري أشار إلى زيادة التنافس بين إيران وأمريكا على النفوذ في العراق، في ظل رئاسة دونالد ترامب، الذي تأخر في الاتصال مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي جعل المساعدات الأمريكية للعراق مرهونة بتخفيض النفوذ الإيراني هناك، حيث قال ترامب خلال الحملة الانتخابية بأن إيران استولت على العراق، لافتا إلى أن هناك احتكاكا متناميا بين الأحزاب والحركات الشيعية المختلفة، وهو ما يجعل "الاقتتال الشيعي الشيعي وشيكا"، بحسب زيباري.
وترى الصحيفة أن توقعات زيباري بدمار الموصل خلال الموجة القادمة من القتال محتملة جدا؛ لأن السنوات الثلاث الأخيرة من القتال في العراق وسوريا شهدت تعمقا في الكراهية الطائفية، وعزز تنظيم الدولة ذلك بالمذابح التي ارتكبها ضد الشيعة والأزيديين وغيرهم من الخصوم.
ويقول الكاتب إن هناك مؤشرات لما قد يحصل للموصل؛ لأن المدن والبلدات السنية في طول العراق وعرضه تم تدميرها، أو جعلها غير ملائمة للسكن، بعد هجمات الحكومة المضادة منذ عام 2014، حيث دمر حوالي 70% من البيوت في الرمادي، عاصمة محافظة الأنبار ذات الأكثرية السنية.
وتخلص "إندبندنت" إلى القول إنه "حتى في البلدات التي بقي الكثير من البيوت فيها قائما، مثل الفلوجة على بعد 40 ميلا من بغداد، فإن على العائدين إليها العيش دون كهرباء ولا ماء ولا وظائف ولا عناية طبية، فعمليا ما تريده الحكومة الشيعية العراقية هو أن تكسر ظهر المقاومة السنية لحكمها لدرجة لا تستطيع معها القيام بعدها".