نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للكاتب ديفيد غاردنر، يتحدث فيه عن الاختبار الحقيقي الذي سيواجهه الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب في الشرق الأوسط.
ويقول الكاتب: "من المعروف أن كثيرا من السياسيين
الإسرائيليين، وبعض المحاربين الأمريكيين القدامى في عملية السلام الأزلية في الشرق الأوسط، يستغرقون في ذكريات تلك الرحلة، التي قام بها أنور السادات قبل 40 عاما إلى
القدس، التي قادت إلى اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، وغالبا ما يتذكر الزعماء العرب كيف انتهت بوابل من الرصاص الذي أطلق على السادات من جنوده بعد ذلك بأربع سنوات".
ويضيف غاردنر في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أنه "في الوقت الذي قامت فيه إسرائيل بسن قانون يعلن القدس عاصمتها الأبدية، بما في ذلك القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وضمتها إليها، فإنه صدر قرار مجلس الأمن رقم 478، الذي يلغي القانون الإسرائيلي، وكانت أمريكا امتنعت عن التصويت على القرار، لكنها هي التي ضغطت على عدد من الدول لنقل سفاراتها من القدس، التي تعد من أكثر المدن قابلية للاشتعال".
ويجد الكاتب أن "هذا جدير بأن نتذكره في ضوء إهمال ترامب للإجماع الدولي المتجذر في موضوع الصراع الإسرائيلي
الفلسطيني: وهو أنه يجب حله بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، باستخدام معظم أراضي الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية التي احتلت عام 1967 تقريبا، مع تبادل أراض محدود؛ لإبقاء المستوطنات اليهودية قريبة من حدود عام 1967".
وتورد الصحيفة أن ترامب أشار الأسبوع الماضي بشكل عابر قبل لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو، قائلا: "انظر إلى حل الدولتين وحل الدولة، وأنا أفضل الحل الذي يحبه الجانبان"، ثم تحدث عن "صفقة أكبر بكثير.. تدخل فيها دول كثيرة".
ويعلق غاردنر قائلا: "يبدو أن هذا تلميح إلى رغبته في أن تقوم الدول العربية الحليفة لأمريكا بالضغط على الفلسطينيين والعرب السنة لينضموا إلى إسرائيل في تحالف ضد إيران، وإلى الآن يفشل هذا في الواقع من النواحي جميعها".
ويقول الكاتب: "صحيح، فحجم الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية وصل حدا قد يجعل من قيام دولة فلسطنيية بعيد المنال سياسيا، وأصبح حل الدولتين، الذي تم الجري خلفه لمدة عقدين، غير ممكن، ومع ذلك فإن الإسرائيليين كلهم ومعظم الفلسطينيين يعارضون حل الدولة الواحدة، وليس من الصعب إدراك السبب".
ويبين غاردنر أن "اليهود يرون قنبلة ديمغرافية يتفوق بسببها العرب في العدد عليهم في مكان ضيق بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، وسيوافق الفلسطينيون الناقمون على قيادتهم الفاسدة والعاجزة على حل الدولة الواحدة، إن هم مُنحوا الحقوق ذاتها مثل الإسرائيليين، بما في ذلك حق الاقتراع، وهذا لن يحصل، والبقاء تحت الاحتلال بصفتهم مواطنين من الدرجة الثانية في دولة واحدة مفروضة ليس أمرا مغريا، لكن مع فشل ترامب في اختبار الواقع، فإنه يفتح الباب لليمين المتطرف القوي في حكومة نتنياهو للدفع نحو ضم الضفة الغربية".
ويشير الكاتب إلى أن "الجزئية الأخرى من (صفقة ترامب الأكبر بكثير)، ليست أمرا جديدا، فلطالما تعاون الحكام العرب مع إسرائيل، أما طقوس التضامن الأخوي مع الفلسطينيين، فهي مسألة تقنية مأخوذة من كتيب تعليمات صيانة النظام".
ويقول غاردنر: "لو أخذنا مثالا واحدا: بحسب آفي شليم، كاتب سيرة الملك حسين، فإن الأردن عقد 58 اجتماعا سريا مع إسرائيل بين عامي 1963 و1994، حضر الملك منها 45 اجتماعا، حيث إنه بعد أن هرع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى واشنطن، فإن ترامب تراجع عن وعده بنقل السفارة إلى القدس، ولكون المقدسات في القدس تقع تحت الوصاية الأردنية بحسب المعاهدات، فإن العائلة الهاشمية المالكة تفهم مدى خطورة اللعب في النار هناك".
ويتساءل الكاتب: "ماذا عن التحالف السني مع إسرائيل؟ إن لم تكن الأردن ومصر، والأهم السعودية، ترى في إيران ونفوذها الشيعي الممتد من العراق إلى سوريا ولبنان وتأثيرها المنتشر في الخليج، خطرا وجوديا يكفي لتغيير المحاور؟ إلى حد ما".
ويعلق غاردنر قائلا: "يبدو أن السعوديين والإسرائيليين متفقون، كما ظهر في مؤتمر ميونيخ الأمني الأخير، لكن الزعماء العرب يحاولون تجنب المخاطرة في أفضل الأوقات، إلا أن هذه ليست أفضل الأوقات، بعد اضطرابات عدة عصفت بالدول العربية، وبعد قيام تنظيم الدولة".
ويستدرك الكاتب بأن "المخاطر قد تطفو بسبب حماقة آلية اتخاذ القرار في مصر، حيث يحكم عبد الفتاح السيسي، وفي السعودية حيث الأمور في يد ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هذان الحليفان القريبان من أمريكا شكلا عماد السياسة الإقليمية الأمريكية، لكنهما تنافرا بسبب قرار السيسي منح السعودية جزيرتين مهجورتين في البحر الأحمر، ما أثار المشاعر القومية، ويقول المسؤولون المخضرمون في القاهرة إنه وعلى مدى العقود الماضية لم يسمح بأن تطرح قضية الجزيرتين على طاولة المفاوضات من أي من الطرفين".
ويخلص غاردنر إلى القول إن "ترامب قد يرغب في التجربة، ويتمنى الزعماء العرب لو تنتهي القضية الفلسطينية وقضية القدس، وإن كانت محكا فهي بالنسبة لشعوبهم مشعة نوويا، وقد يحلمون في أحلام اليقظة أن تتفجر إيران، لكن ليس من خلال تجنيدهم في عمليات انتحارية.. فهم لا يستطيعون التجريب في مسألة تتعلق ببقائهم".