نشر موقع "ديلي بيست" تقريرا للصحافيين كروفتون بلاك وأبيغيل فيلدينغ- سميث، من مكتب الصحافة الاستقصائية، حول
خارطة خطيرة لا يعرف من أنتجها، لكنها ترتبط بحساب مؤيد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتدعي أنها تظهر مدى انتشار
الجرائم التي يرتكبها
اللاجئون والمهاجرون في ألمانيا.
ويقول الصحافيان إن "الخارطة على عكس الأخبار الكاذبة، التي تم تداولها حول جرائم ارتكبها اللاجئون ثم تبين كذبها، فإنها تبدو للوهلة الأولى وكأنها عمل متقن وعلمي، وكل علامة على الخارطة تشير إلى تقرير من الشرطة أو الإعلام على وقوع جريمة، بحسب ادعاء منتجيها، حيث يقولون: (لا نوثق للحالات بناء على الشائعات)، وأطلق منتجو الخارطة عليها اسم (XY-Einzelfall )، وفي الاسم سخرية ممن يقولون إن أي جريمة يرتكبها لاجئ هي حالة معزولة، وهذا هو معنى كلمة (Einzelfall) باللغة الألمانية".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الخارطة حصلت على أكثر من أربعة ملايين مشاهدة، وقام مستخدمو المواقع الاجتماعية بالتغريد بخصوص الخارطة 80 مرة، كلما أضيفت جرائم جديدة للخارطة، التي زعمت بأن "الوقت الذي سيتوجب فيه على الألمان حمل البنادق للدفاع عن أنفسهم قادم".
ويستدرك الموقع بأنه بعد تحليل أسلوب إنتاج الخارطة من مكتب الصحافة الاستقصائية، تبين أنها اتبعت منهجية مضللة، حيث عزت جرائم للاجئين أو المهاجرين لمجرد أن يكون ورد في إفادة شاهد بأن مرتكب الجريمة من ذوي "البشرة السمراء"، أو أنه "جنوبي"، بالإضافة إلى أن الخارطة تضخم من حجم جرائم المهاجرين، من خلال استخدام مشوه للإحصائيات.
ويلفت الكاتبان إلى أن وجود الخارطة على مواقع التواصل يبين أنها ليست مستقلة سياسيا، حيث نشرت الخارطة على موقع التواصل الاجتماعي الروسي "VKontakte"، الذي يزخر بالدعم لترامب وبوتين، وهو ما أصبح من السمات الرئيسة لليمين المتطرف.
ويكشف التقرير عن أنه من المفترض أن يقوم "فيسبوك" بحملة في ألمانيا، وسط مخاوف من أن تؤدي الشائعات دورا في الانتخابات الفيدرالية القادمة، كما فعلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، مشيرا إلى أن إحدى القصص المثيرة كانت قصة كاذبة حول هجمات قام بها
مهاجرون ليلة رأس السنة ونشرتها صحيفة "بيلد"، ونقلتها عنها صحف "ديلي إكسبرس" و"ديلي تلغراف"، قبل أن تعتذر صحيفة "بيلد" الألمانية لنشرها قصة كاذبة.
ويقول الموقع إن "الخارطة ليست مثل خبر كاذب يمكن بسهولة السؤال عنه والتوصل إلى الحقيقة، فالخارطة عمل متقن لتشويه الواقع، ما يجعلها أكثر صعوبة للتحقق من صدقيتها من عدمها، ففي بيئة الإعلام الألماني المراقب بشكل أقوى بدأت الأخبار الكاذبة تأخذ شكلا أكثر تعقيدا".
وينقل الكاتبان عن الخبير في الإعلام الألماني في جامعة هارفارد جوناس قيصر، قوله: "هذه الحالات أكثر إشكالية من الأخبار الكاذبة تماما.. وأظن أن هذه الحالات ستزداد".
وينوه التقرير إلى أن هذه الخارطة ظهرت بعد تقارير عن رجال مهاجرين قاموا بارتكاب جرائم جنسية على نطاق واسع في كولون خلال الاحتفالات برأس السنة، وسارع معارضو المستشارة الألمانية أنجيلا
ميركل بمهاجمتها؛ لقرارها استقبال أكثر من مليون لاجئ أتوا إلى ألمانيا عام 2015، لافتا إلى أن تباطؤ الإعلام بنشر أخبار الاعتداءات أثار الشكوك بوجود مؤامرة بالصمت تجاه القضية.
ويذكر الموقع أن الخارطة اكتسبت زخما، ومع نهاية العام كانت الإشارات تغطيها، بحيث يصعب على المشاهد رؤية ألمانيا، وتم التنبيه إلى الخارطة في الإعلام الرئيسي، عن طريق مدونة في الصحيفة الألمانية "فرانكفورتر اليجيرمان زيتونغ"، وأشير إليها لاحقا في الصحيفة البريطانية "ديلي إكسبرس"، تحت عنوان: "عار ميركل: خارطة تكشف عن مدى اعتداءات اللاجئين الجنسية على النساء والأطفال"، بالإضافة إلى أن موقع "بريتبارت"، المرتبط بترامب، الذي اتهم "فيسبوك" بمنع ظهور الخارطة في صفحات المشتركين، بعد أن وضعوا "إعجاب/ لايك" عليها، أشار إلى الخارطة.
ويفيد الكاتبان بأن الخارطة تظهر 8800 واقعة عام 2016، وتقول إن هذا "مجرد جزء من جرائم المهاجرين واللاجئين" في ذلك العام، مشيرين إلى أن مؤلفي الخارطة اختاروا عدم الكشف عن هوياتهم بحجة خوفهم من انتقام اليساريين، لكن إحدى المشاركات وافقت على إجراء مقابلة باسم مستعار هو اسم موقع يميني متطرف "جنغ فريهيت"، وقالت إن الفريق الذي يقف خلف الخارطة يتألف من أربع نساء ورجل، وأضافت: "نحن لا نقرأ بين السطور، يجب أن تكون هناك إشارة واضحة لخلفية مرتكب الجريمة في مصادر المواد".
ويجد التقرير أنه رغم أن القائمين على الخارطة يحاولون إضفاء الطبيعة العلمية على عملهم، ويستخدمون لغة شبيهة بلغة الأكاديميين والباحثين في مراكز البحث، إلا أن المتمعن في إصداراتهم يكشف عكس ذلك، لافتا إلى أنه في كانون الثاني/ يناير نشرت المجموعة تحليلا لإحصائيات نشرتها الشرطة الألمانية، ووزعت الجرائم على مجموعات بحسب خلفية مرتكب الجريمة، وحمل التحليل عنوان 84% من الجرائم يرتكبها مهاجرون.
ويعلق الموقع قائلا إن هذا الرقم مضلل جدا، فما قام به ناشرو الخارطة هو أنهم أهملوا الجرائم التي لم يذكر فيها شيء عن خلفية مرتكب الجريمة كلها، فبحسب البيانات لديهم، فإن نسبة الجرائم التي ارتكبها مهاجرون هي 13%، وهناك 13% قد يكون مرتكبوها مهاجرين.
ويقول الكاتبان: "نظرنا إلى الطريقة التي يقوم بها مؤلفو الخارطة بوضع العلامات عليها للإشارة إلى وقوع جريمة من لاجئ أو مهاجر في ذلك المكان، فوجدنا أنهم يبحثون في خلفية (مرتكب الجريمة)، ووجدنا أن ثلثي من صنفوا بأنهم مهاجرون جاءوا ضمن تصنيفات (أسمر البشرة)، أو (جنوبي المظهر)، أو (أجنبي) أو (لاجئ)، ثم قمنا باختيار مئة حالة عشوائية من التصنيفات الأربعة المتقدمة، فوجدنا أنه في الحالات كلها التي وصف بها الشخص بأنه (أسمر البشرة) و(جنوبي)، لم تكن هناك أي إشارة لكونه مهاجرا أو لاجئا، وكان الحال ذاته لمعظم الحالات التي تحت تصنيف (أجنبي)".
وبحسب التقرير، فإن "الحالات المصنفة (لاجئ) هي أيضا لا تدعم فكرة وجود موجة من جرائم اللاجئين ضد الألمان، فأكثر من الثلث من المئة حالة التي اخترناها كانت فيها (الجرائم) عبارة عن نزاعات بين اللاجئين أنفسهم في مراكز الإيواء المكتظة، وكانت إحدى الحالات مثلا لشاب أفغاني عمره 17 عاما، ولديه حالة نفسية، وحاول أن يلقي بنفسه من النافذة، وأخرى كانت حالة إطلاق جرس إنذار حريق في نزل بسبب تدخين أحدهم، ولم ينتج عن الحادث أضرار أو جروح، وفي واحدة من الحالات المشار إليها على الخارطة كان اللاجئ ضحية اعتداء ولم يكن مرتكبا له".
ويورد الموقع نقلا عن المتخصص في تاريخ رسم خرائط الجريمة الدكتور ثيو كندينس، قوله إن هناك خللا في أسلوب إعدادها، مشيرا إلى اعتمادها على التقارير الإعلامية، وأضاف: "حتى لو افترضنا أن البيانات على الخارطة كانت دقيقة، فإنها تبقى فاقدة للمعنى في غياب البيانات الأخرى التي تعطيها سياقا، مثلا كم نسبة هذه الجرائم بالنسبة للجرائم بشكل عام؟ وما هي نسبة الجرائم المرتكبة من اللاجئين أو المهاجرين إلى تلك المرتكبة من المواطنين الأصليين في منطقة ما؟ ودون ذلك السياق فإن تلك البيانات لا فائدة منها".
ويقول الكاتبان إنه "ليس واضحا إن كان من يقف خلف هذه الخارطة معارضون سياسيون لميركل، يحاولون تحقيق مكاسب سياسية، أم هم مجرد أفراد لهم مواقف من اللاجئين والأجانب، ففي عصر الإعلام الاجتماعي أصبح التمييز بين الطرفين أمرا أكثر صعوبة".
ويختم "ديلي بيست" تقريره بالإشارة إلى أن مؤيدي ترامب على الإنترنت نسقوا جهودهم للدفع بهذه الأجندة إلى الواجهة في الفترة التي سبقت الانتخابات الأمريكية، حيث يتزايد اهتمام هؤلاء المؤيدين بألمانيا، لافتا إلى أن ترامب وصف سياسة ميركل تجاه اللاجئين بأنها "كارثة".