نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للصحافي إلهنان ميلير، يقول فيه إن الزعماء السياسيين في العادة يختارون المعلومات التي يريدون مشاركتها مع العامة، وهذا يعني لرئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو أن يختار إخفاء حقيقة أنه يعرف الموقف الحقيقي لرئيس السلطة
الفلسطينية محمود عباس فيما يتعلق بـ"الدولة اليهودية".
ويقول ميلير: "عندما وقف نتنياهو مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحافي في واشنطن، فإنه وضع شرطين مسبقين لتحقيق السلام مع الفلسطينيين: أن يكون الأمن غرب نهر الأردن في يد إسرائيل بشكل كامل، وأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل دولة يهودية، لكن عباس اعترف بالطبيعة اليهودية لإسرائيل قبل أكثر من 20 عاما".
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن عباس قال في مقابلة عام 1994، مع صحيفة الشرق الأوسط، التي تصدر في لندن، إن الوجود اليهودي في فلسطين يختلف جذريا عن الاستعمار الغربي، مناقضا بذلك النظرة العربية لليهود على أنهم مجموعة دينية فقط، بدلا من كونهم مجموعة وطنية، في الوقت الذي أقر فيه عباس بأن ما حث اليهود على الهجرة إلى إسرائيل كان خليطا من الدين والطموحات القومية، وقال عباس: "لأسباب مختلفة استطاعوا إقامة دولة يهودية في فلسطين، ومعظم سكان هذه الدولة ولدوا فيها، هذه حقيقة مؤلمة يرفض الكثير فهمها".
ويستدرك ميلير بأن "خطاب عباس المليء بلغة (النضال الوطني) يخبئ حقيقة مدهشه، وهي أن عباس هو الزعيم العربي الوحيد الذي يقر بيهودية إسرائيل، ويشرعن ضمنيا حقها بوطن في جو سياسي معاد يقارن إسرائيل عادة بالصليبيين".
وتلفت الصحيفة إلى أن عباس يواجه هذه الأيام تحديات سياسية جمة، حيث أظهر استطلاع حديث للرأي بأن ثلثي المستطلعة آراؤهم يريدون أن يستقيل من الرئاسة، بعد أن كانت هذه النسبة 61% قبل ثلاثة أشهر، حيث أن منتقديه العرب يهاجمونه متهمين إياه بالخيانة، مستدركة بأنه رغم ذلك، فإن تلك المقابلة طبعت على شكل كتاب عام 2011، وهي منشورة على الموقع الرئاسي، ولم يتبرأ منها أبدا.
ويورد الكاتب أن "البعض يقولون إن عباس يقبل بيهودية الدولة بصفتها أمرا واقعا، وليس حقا تاريخيا، لكن لأجل التوصل إلى اتفاق سلام، فأي فرق يمكن لذلك أن يحدث؟".
ويؤكد ميلير أن "مخاوف اليمين الإسرائيلي من أن الفلسطينيين سيستخدمون عدم اعترافهم بيهودية إسرائيل ليغرقوا إسرائيل باللاجئين الفلسطينيين لتغيير ديمغرافية إسرائيل، لا أساس لها، وليس ذلك فقط لأن الأمن الإسرائيلي قائم على السيطرة على الحدود، لكن أيضا لأن عباس استبعد بصراحة مثل تلك الاستراتيجية، وفي عام 2012، أعلن عباس على التلفزيون الإسرائيلي تخليه عن العودة الجماعية للاجئين وأحفادهم، بما فيهم هو نفسه إلى إسرائيل".
وتنوه الصحيفة إلى أنه عندما سئل عباس عن بلدته صفد، التي غادرها عندما كان عمره 13 عاما، عما إذا كان يعدها من فلسطين، فإنه قال إن فلسطين بالنسبة له هي الأراضي التي احتلت عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية، وقال عن صفد: "من حقي أن أراها، ولكن ليس من حقي أن أعود إليها.. الآن وإلى الأبد".
ويعلق الكاتب قائلا إن "كان الأمر كذلك، فلماذا يرفض عباس الآن أن يعيد اعترافه بإسرائيل بصفتها دولة يهودية؟".
ويقول ميلير: "أولا، لم يطلب من مصر ولا من الأردن مثل هذا الاعتراف، وقد وقع كلا البلدين اتفاقية سلام مع إسرائيل، وطلب ذلك من عباس الآن، وهو أحد أضعف الزعماء في المنطقة وأقلهم شعبية، ليس عدلا ولا مبررا، وهوية إسرائيل هي مسألة تخص إسرائيل، ولا تحتاج إلى مصادقة من الفلسطينيين".
ويجد الكاتب أن "هناك سببا أهم عادة ما يذكره عباس، وهو أن الاعتراف بيهودية إسرائيل قد يؤثر في وضع الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يرون أنفسهم فلسطينيين، وقد حاول أعضاء الكنيست فصل عضو عربي بتهمة التحريض أو الإرهاب، حيث يخشى اتحاد الحقوق المدنية أن يستخدم القانون لإسكات النواب العرب واستثنائهم".
ويفيد ميلير بأن وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان اقترح في حملة انتخابات عام 2015، أن يعاد رسم الحدود الإسرائيلية، بحيث تستثنى البلدات العربية وتضاف إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية، وقال منذ فترة قريبة للصحافة الإسرائيلية: "أريد أن أفك الارتباط مع الفلسطينيين الذين يعيشون هنا في حدود 1967 كلهم.. إن كنتم فلسطينيين اذهبوا إلى أبي مازن وكونوا مواطنين للسلطة الفلسطينية.. ودعوه يدفع لكم مقابل البطالة، ويوفر لكم الخدمات الصحية المجانية والعطل المدفوعة للحوامل".
ويبين الكاتب أنه "في هذه الأجواء العدائية تصبح مخاوف العرب الإسرائيليين، الذين لا يختارون الرحيل إلى (فلسطين) مشروعة، وفي المقابل، فإنه يجب القول بأن عباس لا يؤيد دولة فلسطينية، حيث لا يمكن لليهود العيش -خلافا لمزاعم نتنياهو- ففي مقترح السلام عام 1995، الذي تعاون فيه مع يوسي بيلين، (ونشر قبل اغتيال رابين بأيام، فلم يتم تطويره)، وضع عباس تصوره للمواطنين اليهود في الدولة الفلسطينية، حيث قال: (يجب السماح لليهود بالبقاء في مجتمعات مفتوحة للفلسطينيين، ليس كما هي المستوطنات الآن، مواطنين فلسطينيين، أو إن أرادوا البقاء مواطنين أجانب يحملون الجنسية الإسرائيلية)".
ويخلص ميلير إلى القول إن "قبول اليهود مواطنين لم يكن جديدا، فإن دول العالم العربي انتقدت بشدة لمعاداتها لمواطنيها اليهود عندما قامت الدولة الإسرائيلية عام 1948، ما اضطرهم للهجرة إلى إسرائيل".