تشهدُ الساحة السُنّية في لبنان، مراهقة سياسية، أقرب ما تكون وفق المعطيات المؤسفة على الأرض إلى "المسخرة" أو أفلام الرسوم المتحركة على أفضل تقدير.
لكن وبخلاف خفة ظل "القط" و"الفأر" وغيرهما من الشخصيات الكرتونية الأخرى، التي تُضحك الكبار قبل الصغار، لا تمت سذاجة وسطحية وغباء من يصفون أنفسهم بزعماء الطائفة السُنّية في لبنان إلى فصول الفُكاهة بصلة.
لا يكترث المسؤولون - غير المسؤولين - بالنار التي تأكل أبناء جلدتهم في سوريا والعراق، ولا يدركون تبعات مآلات التغيير الديمغرافي، والتطهير المذهبي الآخذ بالتمدّد على جنبات الحدود، كما لا يعنيهم "سرطان الداخل" الذي ينخر ويقضم بسراياه "المقاومة" ودولاراته "الطاهرة" النظيفة، بيئتهم الفقيرة المعدمة، وساحاتهم، وشوارعهم، وبيوتهم، وحتى غرف نومهم.
رئيس الحكومة، سعد الحريري، لا يجاريه أحدٌ في فنون التنازل للخصوم، وحتى الأعداء، ولكن ذلك لا يُعقل أن ينسحب تحت أي ظرف من الظروف على إخوانه داخل "البيت الواحد".
رغم انشغالاته التي لا تنتهي في ظل ازدحام جدول مواعيده اليومية بعشرات صور "السيلفي" الطارئة، يجد "ابن الشهيد" مساحة للطبخ والنفخ، والمشاركة في برامج الألعاب والمسابقات التافهة على شاشات التلفزة.
نجيب ميقاتي، لا يشبه سلفه في "الصبيانية" السياسية من حيث الشكل على الأقل، بيد أنه لا يقل شأنا عن الحريري في إجادة واحتراف المناورات مع أبناء الطائفة، قبل أن يصبح "هيّناً" "ليّناً" بين أيدي صبيان "المرشد" وأزلام "فخامة القاتل".
تُفرّق الرجلين قبل أي شيء، الكرسي (رئاسة الحكومة) ومن خلفها الكثير من المصالح السياسية والمالية الضيقة، ويجمعهما التغريد على غصن "تويتر" الأزرق، وبضع مئات الملايين من الدولارات المنسية، كما بيروت والشمال وصيدا والبقاع في فروع البنوك الداخلية والخارجية.
فؤاد السنيورة، لم يُقَصِّر هو الآخر في واجباته، فقد أكل وشرب على "ضهر" الطائفة المكسور. تحدث كثيراً عن دولة القانون والمؤسسات، ورفع الأعلام على الشرفات، قبل أن يتيقّن السُنّة (طبعاً بعد فوات الأوان) أنهم كانوا يشهرون في واقع الأمر راية الاستسلام بألوان الوطن هذه المرة.
أسهب الرجل في مختلف المناسبات واللقاءات بالشرح عن الحسابات العامة، والتضخم، وميزان المدفوعات، والضرائب، والشفافية، والنزاهة، والتضحية، والوفاء، وأخذ "يطمطم" كما فعل "المطمطون" من قبله ومن بعده، روائح الفساد، وفضائح الأرقام التي تبخّرت في عهده بقدرة قادر!
أما "قادة" الطائفة من أولئك الذين لم يتسن لهم استعادة مناصبهم كنواب ووزراء (على غرار عبدالرحيم مراد، وأسامة سعد، وغيرهم الكثير) خلال السنوات العشر الماضية، لسبب أو لآخر، فهم لم يوفروا فرصة لتأكيد بيعتهم وطاعتهم العمياء لكل من يسعى إلى شرذمة الشارع السُنّي، وتفتيته، وسحقه، لا بل إبادته تحت عناوين حفظ الخط الوطني و"المقاومة" و"الممانعة" و"العروبة".
وبين الشريحتين (الأولى والثانية) من "المسؤولين" السُنّة، ثمة حالة فريدة من نوعها، تتمثل في وزير الداخلية، نهاد المشنوق، الذي نجح وحيداً في جمع مزايا الأولين والأخرين ببراعة منقطعة النظير.
الظواهر السُنية "الكرتونية" كثيرة جداً، ولن يكون آخرها وزير العدل السابق، أشرف ريفي، الذي لم يصل حتى الآن إلى الدرك الأسفل الذي بلغه سابقوه من "الزعماء" أو المستزعمين المذكورين، غير أنه لا يبدو أفضل حالاً منهم، خصوصاً إذا استمر خطابه بالاستناد على الشعارات الشعبوية دون سواها من أدوات صالحة للاستخدام في "الزمن الصعب".
رموز الطائفة الغارقة في بحور الفقر، والحرمان، والفتنة، والبطالة، وغياب الخدمات، والإذلال، يختلفون، ويخونون، ويتهمون، ويقاتلون، ويغدرون ببعضهم البعض، غير أنهم في نهاية المطاف يجتمعون على قلب مخرج "شيعي" واحد، يرفعُ ويُسقط من المشهد "الدمية" التي يشاء.. ساعة يشاء!
ليت الفيلم السُنًي الطويل الذي يستحق أبطاله، الذين لم يبلغوا الْحُلْم السياسي بعد، جائزة "أوسكار" لأسوأ أداء، يضحكنا، كما يفعل "توم وجيري"، لكنه للأسف ... يبكينا!
* صحفي لبناني