نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لأستاذة الأنثروبولوجيا؛ سعودية الأصل، والمعروفة بمعارضتها للنظام، مضاوي الرشيد، تقول فيه إنه ومنذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب للرئاسة، فإنه لم يضع إطارا لسياسة خارجية واضحة للعلاقات الأمريكية
السعودية.
وتقول الكاتبة: "وبدلا من ذلك، فإن على المراقبين التفتيش في مستنقع من التعليقات الارتجالية، لكن هذا الشهر جعل ترامب موقفه واضحا من أنه يجب على واشنطن ألا تقدم حمايتها لدول الخليج بالمجان، بالإضافة إلى أنه قال إن دول الخليج (ليس لديها شيء سوى المال)، وإنه ينوي أن يجعلها تدفع تكلفة (المناطق الآمنة) في
سوريا، وفي الوقت ذاته عبر ترامب عن رغبته في تحسين العلاقات مع دول الخليج لمعالجة (الأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار)، التي تقوم بها إيران".
وتضيف الرشيد في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21": "من ناحيتهم، وبغض النظر عن تصريحات ترامب، فإن السعوديين يرون في الرئيس الجديد فرصة لتحسين علاقتهم مع أمريكا بعد الصدع الذي تسبب به دعم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما للصفقة النووية مع إيران، فإن قوض ترامب الاتفاقية، واستمر في فرض عقوبات على إيران، فإن السعوديين سيرحبون بذلك، ومثل هذه التحركات ستطمئن الرياض بأن السعودية تبقى مركز السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط".
وتتابع الكاتبة قائلة: "بغض النظر عن السياسة التي ستتبعها واشنطن تجاه إيران، فإن على ترامب إعادة التفكير في العوامل المهمة فيما يسمى بالغلاقة الخاصة مع السعودية، وبالذات على أمريكا أن تتوقف عن دعم النظام دعما غير مشروط؛ لأن مثل هذا الدعم يعطي شرعية لتجاوزات النظام، ويجعل واشنطن عرضة للاتهام بدعم الدكتاتورية، وبالتأكيد يجب ألا تقطع واشنطن علاقتها بالرياض، لكن هناك أسبابا مهمة لإعادة رسم العلاقة بطريقة تحمي أمريكا".
وتشير الرشيد إلى أنه "منذ مقابلة الرئيس فرانكلين روزفلت مؤسس المملكة الملك عبد العزيز بن سعود على سفينة (يو أس أس كوينسي) في شباط/ فبراير 1945، كان النفط والأمن والموقع الاستراتيجي للسعودية أسبابا كافية لواشنطن لأن تدعم البلد ضد التهديدات كلها، ولأكثر من سبعة عقود بقي الإطار الأساسي للعلاقة كما هو".
وتستدرك الكاتبة بأن "ما كان يعد منطقا استراتيجيا خلال الحرب الباردة هو ليس كذلك اليوم، فمثلا في مجال الطاقة، لم تعد الولايات المتحدة اليوم تعتمد بالدرجة ذاتها على النفط السعودي، كما كانت في العقود الماضية، وما هو أسوأ، أن السعودية حاولت في السنوات الأخيرة أن تخرج شركات النفط المستخرج من الصخر الزيتي من السوق بغمره بالنفط الرخيص، ما يجعل مصادر الطاقة الأخرى أكثر تكلفة وأقل جاذبية".
وتلفت الرشيد إلى أنه "بطريقة مشابهة، كانت السعودية حليفا أمنيا مفيدا لأمريكا خلال الحرب الباردة، فبالإضافة إلى نفطها وموقعها الاستراتيجي، فإن الإسلام الوهابي السائد فيها خدمها بأن يبقيها بعيدة عن القومية المتطرفة والشيوعية، لكن هذه السياسة قصيرة الأمد ساعدت في خلق الأزمة الجهادية العالمية، التي كانت تتخمر في كهوف أفغانستان في الثمانينيات، وما نتج عنها من تداعيات غير مقصودة لا يزال الغرب يتعامل معها اليوم".
وتنوه الكاتبة إلى أن "هجمات 11 أيلول/ سبتمبر كسرت العلاقة القريبة بين السعودية وأمريكا بشكل مؤقت، ولكون 15 من الـ19 شخصا الذين قاموا باختطاف الطائرات كانوا سعوديين، فإن الأمريكيين بدأوا يتساءلون عما إذا كانت المملكة صديقا أم عدوا، وللأسف فإن الإدارات الأمريكية المختلفة لم تتعامل مع السؤال بالطريقة التي تسمح بإعادة النظر أو إعادة تشكيل الوعد بالدعم غير المشروط للمملكة؛ لأنها لا تزال تعتقد بأن السعوديين هم الحلفاء الأفضل في الحرب على الإرهاب، وليسوا الحاضنة له".
وتورد الرشيد أنه "بحسب منظمة العفو الدولية و(هيومان رايتس ووتش) والمؤسسات الحقوقية العربية، فإن النظام السعودي قام بسجن مئات الناشطين السلميين والمدونين والمحامين والقضاة والصحافيين وعلماء الدين منذ بداية الربيع العربي في 2011، وإن انتقد أحد سياسات الملك في الصحافة أو على (تويتر)، مثلا، فإن ذلك يعد جريمة تودي بصاحبها إلى السجن، بالإضافة إلى أن إنشاء حزب سياسي، أو توقيع عريضة، أو الدعوة إلى
إصلاحات سياسية، أو الكتابة، أو حتى قراءة شيء يعد تخريبيا، كلها تعد أعمالا إجرامية".
وتقول الكاتبة إن "قوات الأمن السعودية أطلقت النار على ناشطين سعوديين مسالمين (منذ عام 2011 قتل أكثر من 25 ناشطا شيعيا سعوديا في المحافظة الشرقية) أو واجهوا حكم الإعدام في السجن، وفي ليلة عيد الميلاد في 2016 قامت السعودية بإعدام 49 سجينا في ليلة واحدة، ولأن الحكومة لا تسمح بأي نوع من التظاهر السلمي، ولا بالاعتصامات والعرائض، فإن الشباب السعوديين يميلون نحو التطرف الديني والإرهاب، حيث وصل عدد السعوديين في العراق وسوريا فقط مع حلول عام 2013 إلى 2500 سعودي انضموا إلى الثوار الراديكاليين، وهم بذلك يشكلون ثاني أكبر مجموعة بعد التونسيين".
وتضيف الرشيد أن "حقوق النساء لا تزال محدودة جدا في السعودية، ويأتي ترتيب السعودية في الفوارق الجنسية الدولة رقم 134 من 145 دولة، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، ويتجاوز التمييز مجرد منع النساء من قيادة السيارة، فبغض النظر عن السن، فإن الأنثى السعودية تحتاج إلى إذن من أوصياء ذكور للدراسة والسفر والعمل والزواج وفتح حساب بنكي، ولا يمكنهن تلقي العلاج دون إذن من الوصي، ولا تتجاوز مشاركة النساء في القوة العاملة أكثر من 20%، بالرغم من أنهن حققن مستويات عالية في التعليم".
وتذهب الكاتبة إلى أن "المرأة السعودية محرومة تماما، فأخر النظام مشاركة النساء في انتخابات البلديات حتى عام 2015، بالرغم من أن هناك خللا في وظائف البلديات، حيث تبقى خاضعة لسيطرة الحكومة، ولا تعد البلديات مجالس حكم محلي، وتأخذ ميزانيتها من الحكومة، وسلطاتها محدودة، ولم تستطع أن تؤثر في خطط تطوير المدن لمنع وقوع الفيضانات في المدن الكبيرة بعد أن وقعت فيضانات مباشرة، ولا في تحسين مرافق الترفيه مثل الحدائق، وقد يكون الملك عبدالله عين 30 امرأة للمجلس الاستشاري (وهي سياسة استمر بها الملك سلمان)، لكن التحرك رمزي إلى حد كبير، ولا يترجم إلى سياسة تمكين حقيقي للمرأة".
وتجد الرشيد أن "هناك سببا آخر لإعادة التفكير في العلاقات بين أمريكا والسعودية، وهو الطموحات الإقليمية للسعودية والحروب، ففي
اليمن استخدم السعوديون القوة العشوائية ضد المدنيين في حملتهم للقضاء على الحوثيين الشيعة، وقتل إلى الآن أكثر من 10 آلاف مدني في الصراع، كثير منهم بأسلحة مصنعة أمريكيا اشترتها الرياض، بالإضافة إلى أن الحرب قوت كلا من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة في اليمن؛ لأن كلاهما يسعى أيضا للقضاء على الحوثيين".
وتذكر الكاتبة أن "السعودية قامت في عام 2011 بإرسال قواتها إلى البحرين؛ لدعم حكامها من آل خليفة في جهودهم لقمع الحركة الديمقراطية، وقامت قوات أمن النظام البحريني بين عامي 2011 و 2013 بإطلاق النار على أكثر من 122 بحرينيا، وحصل هذا على بعد أميال قليلة من الأسطول الأمريكي الخامس الموجود على الجزيرة الصغيرة".
وتبين الرشيد أنه "مع أن السعودية تدعي بأنها تدعم الثوار المعتدلين في سوريا، مثل الجيش السوري الحر، الذي لم يعد فاعلا، فإن الأسلحة التي أعطيت لمثل هذه المجموعات قد تكون وجدت طريقها لمجموعات متطرفة، مثل أحرار الشام وجبهة النصرة، وقوّى تدخل السعودية المتطرفين الإسلاميين على حساب القوات المؤيدة للديمقراطية، وكان هدف السعودية في سوريا هو كسب معركة مع إيران بالوكالة فقط، وليس جلب الديمقراطية للسوريين".
وتقول الكاتبة: "يجب ألا ترى واشنطن داعمة دون شروط لقوة معارضة للثورة مثل النظام الملكي السعودي، وأولئك الذين يقولون بأنه لا خيار أمام أمريكا إلا أن تدعم النظام السعودي، مثل البروفيسور ف. جورجي من جامعة تكساس والسفير السابق لتركيا والعراق جيمس جفري، فإنهم يفتقرون إلى بعد النظر، فالسعودية مثل إيران، ليست قوة استقرار بل هي نظام رجعي ملكي يسعى لإبقاء الأنظمة الاستبدادية الحليفة في العالم العربي على قيد الحياة، وتدخلها في المنطقة ساعد في فشل التوجه الحقيقي نحو الديمقراطية في المنطقة، الذي بدأ عام 2011".
وترى الرشيد أنه "يجب أن يكون الدعم الأمريكي مشروطا بأن يقوم النظام بإصلاحات سياسية حقيقية وليس مجرد مظاهر، ويجب أن تضغط أمريكا على الملك سلمان ومن يخلفه لأن يضعوا البلاد على الطريق نحو حكومة حرة ومنتخبة، فالإصلاحات السياسية وحدها هي التي ستفتح المجال للجماهير وتخنق التطرف، فبإمكان الحكومة الديمقراطية امتصاص اندفاع الجهاديين، وإلهام الشباب الغاضب المهمش، ووضع السعودية على الطريق الصحيح لدخول القرن الحادي والعشرين على أسس قوية وبصفتها دولة وطنية حديثة، بالإضافة إلى أنه يجب على أمريكا أن تجعل مبيعاتها من الأسلحة للسعودية مشروطة بانفتاح النظام على مثل هذه الإصلاحات السياسية".
وتخلص الكاتبة إلى القول إن "إجبار السعودية على الدفع للحصول على الحماية، كما اقترح ترامب، ليس هو الحل، فإن فعل ذلك لن تظهر أمريكا بأنها مرتزقة فقط، لكنها تسمح أيضا للنظام السعودي وأشباهه بالاستمرار في ابتزازهم السياسي، فالقول: (إما نحن وإما الإرهاب) ليس خطابا منطقيا للنظام، وخطاب كهذا يقوض إمكانيات السعوديين من تخيل مستقبل يقودون فيه بلدهم بسلمية، ليكون في مصاف الدول التي تحترم شعوبها والمجتمع الدولي، وبإمكان ترامب القيام بإعادة صياغة العلاقة مع السعودية بطريقة يحمي فيها المصالح الوطنية لأمريكا، وفي هذه المناسبة، فإن الاستمرار في السياسة ذاتها قد يكون الخيار الأكثر خطورة".