نشرت صحيفة "لوبوان" الفرنسية تقريرا، سلطت من خلاله الضوء على تحركات بوتين العسكرية الذي أضحى منذ تدخله في المعمعة السورية سيد اللعبة بلا منازع، مثبتا بذلك أن مستقبل
سوريا قد أصبح بيد الروس وحدهم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن مئات من الجنود الروس اقتحموا مقاطعة عفرين الكردية الواقعة شمال سوريا واضعين بذلك حدا لتقدم الجيش التركي وحليفه الجيش السوري الحر. والجدير بالذكر أن هذا التدخل العسكري الروسي قد شلّ العملية العسكرية، التي تعرف "بدرع الفرات"، والتي تخوضها تركيا وحلفاؤها ضد كل من تنظيم الدولة والوحدات الكردية في سوريا.
وذكرت الصحيفة أن القوات الكردية صرحت، لأول مرة، أن وحداتها ستتلقى تدريبا على يد خبراء روس في معسكر عفرين، في حين أنكر وزير الدفاع الروسي هذه الادعاءات. من جهة أخرى، أكدت موسكو، يوم الاثنين الماضي، استقبالها للسفير الإسرائيلي في
روسيا بعد الضربات الإسرائيلية التي طالت، في اليوم نفسه، رتلا من الأسلحة التابع لحزب الله الشيعي على مقربة من مدينة تدمر الأثرية.
وأشارت الصحيفة إلى أن بوتين استغل تدخل بلاده العسكري في سوريا ليستعرض عضلاته في
الشرق الأوسط، إلا أن ذلك كلف العديد من الجنود الروس حياتهم. فقد قتل أرتيوم غوربونوف، المكلف بضمان أمن المستشارين العسكريين الروس، يوم 2 آذار/ مارس الجاري خلال إحدى العمليات لاسترجاع مدينة تدمر. ومع نهاية شهر شباط/ فبراير، فقد أربعة جنود روس حياتهم جراء انفجار قنبلة مزروعة على الطريق خلال مرور موكبهم العسكري نحو مدينة حمص.
وتجدر الإشارة إلى أنه، وبصفة عامة، لقي قرابة 27 جنديا روسيا مصرعهم منذ تدخل موسكو في سوريا، وذلك استجابة لدعوة بشار الأسد، خلال شهر أيلول/ سبتمبر من سنة 2015.
وأكدت الصحيفة أن بوتين أعلن، خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر، عن قرار تخفيض عدد الجنود الروس الموجودين في سوريا. ويعزى ذلك لمخاوف موسكو من أن يتكرر السيناريو الأفغاني في سوريا، حيث علق الجيش السوفيتي في مستنقع الحرب في أفغانستان بين سنتي 1979 و1989.
وبينت الصحيفة أن الحضور العسكري الروسي بارز وبقوة في سوريا، حيث تتركز طائرات مقاتلة من الجيل الأخير لسوخوي سو-35، إضافة إلى قاذفات قنابل من نوع "توبوليف تي يو-22 إم"، ومنظومة الدفاع الجوي "أس - 400 ترايمف". بالإضافة إلى ذلك، انتشرت عدة سفن بحرية على السواحل السورية أين تتمركز حاملة الطائرات "الأميرال كوزنستوف"، دون أن ننسى الغواصات الحربية.
وأشارت الصحيفة إلى أنه، وبعد مضي شهر على تصريح بوتين، انسحبت حاملة الطائرات، "الأميرال كوزنستوف"، صحبة طاقمها من القاعدة العسكرية البحرية في ميناء طرطوس. وفي الوقت نفسه، أعلن الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، الموالي لموسكو، عن إرسال قوات من بلاده بغية حفظ الأمن في مدينة حلب، مع العلم أن الشيشان تعد إحدى جمهوريات روسيا الاتحادية.
ونقلت الصحيفة تصريحات الأخصائي والباحث في علم الجغرافيا، فابريس بالانش، حيث أورد: "ليست هذه المرة الأولى التي يعد فيها بوتين بتقليص الحضور العسكري لبلاده في سوريا". كما أشار بالانش إلى أن "بوتين تعهد بمثل هذا الأمر ثلاث مرات خلال ستة أشهر. الإجراء الذي اتخذه بوتين، هو في الحقيقة مجرد "عملية تناوب لتجديد المعدات العسكرية". وفي هذا الصدد، أوضح بالانش أمرا مهما: "على أرض الواقع، لم تنسحب سوى حاملة الطائرات "الأميرال كوزنستوف"، في حين أن القوات البحرية والجوية لم يطبق عليها قرار التخفيض العسكري بعد".
وأوردت الصحيفة على لسان الخبير الروسي في العلوم السياسية والمختص في قضايا الشرق، اليكساي مالاتشنكو، أن "أغلب الروس الموجودين في سوريا مختصين في الدعم اللوجستي وليسوا عسكريين". وأضاف مالاتشنكو، أن "مهامهم تتمثل أساسا في صيانة الطائرات الحربية وسلاح المدفعية".
من جهته، ذكر الأخصائي العسكري، أنتون لافروف، أنه "لا يشارك في المواجهات المسلحة على أرض الواقع سوى بضع مئات من
الجيش الروسي، حيث ينتمي أغلبهم لكل من قوات النخبة وقوات التدخل الخاصة. في المقابل، يشغل البقية مناصب مستشارين وجنود تابعين لسلاح المدفعية".
وأعادت الصحيفة للأذهان أهداف التدخل العسكري الروسي في سوريا، حيث نقلت ما صرح به سابقا وزير الدفاع، سيرغي لافروف، الذي أكد أن "الهدف الرئيسي من تدخلنا في سوريا يتمثل في القضاء على الإرهاب". وفي الأثناء، يرى الكرملين أنه وبغية تحرير البلاد من "الجهاديين" لا بد أن يحافظ بشار الأسد على مكانته في الدولة ويستمر في تولي مسؤوليات الحكم في سوريا.
وأفادت الصحيفة أن الكرملين قد استفادت من تدخلها في سوريا، حتى تتمكن من تأكيد وجودها في المنطقة والتقدم على حساب الأراضي السورية. ويظهر ذلك جليا من خلال تركيز موسكو لقاعدة عسكرية بحرية في مرفأ طرطوس المطل على البحر الأبيض المتوسط. وعلى بعد 30 كلم فقط، أعادت موسكو إحياء قاعدة لإيواء الغواصات في جنوب اللاذقية يعود تاريخها لأيام السوفييت. أما في الجنوب الغربي للمدينة، فقد أنشأ الروس قاعدة حميميم الجوية.
وفي الختام، أقرت الصحيفة على لسان فابريس بالانش، أنه "بالنسبة للروس، لا تتعلق مخططاتهم فقط ببعث قاعدة أو اثنتين في المنطقة للظفر بموقع مطل على البحر الأبيض المتوسط، بل إن مبتغاهم الرئيسي يتمحور حول تركيز الثقل الروسي على الخارطة الجيوسياسية الدولية".