نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلتها آمي كازمين، تقول فيه إن شارع رام غاره لبيع المواشي في نواحي جيبور، يعد أهم مركز إقليمي لتجارة الأبقار، والشريان الاقتصادي للكثيرين في قرى شمال
الهند.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن تاجر الألبان المسلم بيهلو خان أنفق في هذا المكان 76 ألف روبية "1180 دولارا أمريكيا" في الأول من نيسان/ أبريل، لشراء ثلاث بقرات وعجولهن؛ من أجل زيادة إنتاج الحليب في مزرعته.
وتقول كازمين إن قرار خان (55 عاما) كان قرارا قاتلا، حيث تم وقفه والمرافقين له على الطريق السريع من جماعة نصبت نفسها للدفاع عن الأبقار "
حماة الأبقار"، وأمروا سائق الشاحنة
الهندوسي بالمضي في طريقه، أما الركاب
المسلمون فتعرضوا للضرب المبرح، وبعد ثلاثة أيام مات خان متأثرا بجراحه.
وتبين الصحيفة أن المبيعات انهارت في سوق المواشي بعد أسبوع من مقتل هذا المزارع المسلم، حيث يشعر التجار بالكآبة، خاصة أن الحزب القومي الحاكم في الهند بارهاتيا جاناتا وأنصاره جعلوا من حماية الأبقار، المقدسة في الديانة الهندوسية، أولوية قومية.
ويلفت التقرير إلى أن إدارة الحزب في ولاية أوتار براديش قامت بإغلاق العديد من المسالخ، التي كان تذبح فيها الجواميس غير المنتجة، التي لا تغطي كلفة الإنفاق العالية عليها، مشيرا إلى أن حماة الأبقار المتحمسين، الذين تجرأوا بسبب سياسات الحزب الحاكم، يقومون بإرهاب تجار المواشي على الطرق السريعة.
وتنقل الكاتبة عن تاجر المواشي كمال قريشي، قوله: "الناس خائفون من القدوم إلى هنا، ولا يوجد مشترون"، ويضيف أنه كان يبيع 10 جواميس في اليوم، وبأنه سيكون محظوظا هذه الأيام لو باع 3 جواميس.
وتورد الصحيفة نقلا عن نورسي فيرما، الذي يقوم بتربية الجواميس، قوله إن أسعار المواشي انخفضت، حيث كان يحاول بيع جاموسة حامل ليتجنب نفقاتها العالية في الصيف، ويضيف: "في العادة كنت أبيع الجاموسة بمبلغ 50 ألف روبية، أما الآن فلا يوجد مشتر حتى بسعر 30 ألف روبية"، حيث باعها في النهاية مترددا بسعر 28 ألف روبية.
ويفيد التقرير بأن تجار المواشي ليسوا وحدهم القلقين من تصاعد طبول حركة حماية الأبقار الهندية، لكن المنع الوطني لذبحها، حيث يحكم على من يقترف الجريمة بالسجن مدى الحياة.
وتذكر كازمين أن المحللين السياسيين يرون أن رفض الحزب الحاكم شجب العنف الذي يرتكب باسمه، وتركيزه على الأبقار، يعبران عن استراتيجية مدروسة لتوحيد الصوت الهندوسي وراء الحزب قبل الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في عام 2019.، مشيرة إلى أن هناك من عبر عن مخاوفه من أن نشر حالة الاستقطاب في داخل المجتمع، وتهميش الأقليات، سيقودان إلى نتائج خطيرة من العنف.
وتنقل الصحيفة عن الباحث في المجتمعات المتطورة في نيودلهي البروفيسور رونالد ديسوزا، قوله: "هذا شكل من أشكال (استعادة بلدنا)، وهو محاولة لبناء غالبية انتخابية من خلال سياسة التعريف بـ(الآخر)، لكنها قد تقود إلى قلق كبير وعنف، وتسبب الأذى للأبرياء".
وينوه التقرير إلى أن الهندوس بدأوا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وكجزء من استراتيجية التحريض ضد الاستعمار، بتصوير البقرة على أنها رمز الأم للهندوس كلهم والأمة الهندوسية الصاعدة، وهي فكرة لا تزال تحمل قوة عظيمة اليوم، لافتا إلى أنه في داخل هذه الصورة للبقرة سخط على المسلمين، الذين يتعاملون مع البقرة على أنها مصدر للحم والحليب، حيث قامت الحركة المدافعة عن الأبقار في أثناء الاستعمار بحوادث عنف طائفي عدة.
وتبين الكاتبة أن زعيم الحزب القومي الهندوسي ناريدرا مودي استخدم هذه المشاعر القديمة أثناء الحملة الانتخابية، وشجب في خطاباته ما أسماها "الثورة الزهرية"، التي أدت إلى بروز الهند كونها أهم مصدر عالمي للحم الأبقار من 1.1 مليار دولار فيما بين 2009 إلى 2010 إلى 4.7 مليار دولار، حيث معظم اللحوم المصدرة كانت في الحقيقة لحوم جواميس.
وتكشف الصحيفة عن أنه في الوقت الحالي، ومع صعود حزب بهاراتيا جاناتا، فإن هناك زيادة الضغوط على تجارة اللحوم، فالوزير الأول لولاية أوتار براديش يوغي أديتياناث، هو راهب هندوسي بدأ حياته الدينية بملاحقة المسالخ، بشكل أدى إلى تراجع اللحم المتوفر في الأسواق، الذي يعد مصدرا للبروتين يستطيع المسلمون الحصول عليه.
وبحسب التقرير، فإن حزب بهاراتيا في ولاية كوجرات أصدر قرارا بسجن من يذبح الأبقار مدى الحياة، أما من يضبط وهو ينقل الأبقار للمسالخ فإنه يواجه سجن عشر سنوات، ومصادرة شاحنته.
وتقول كازمين إن ما فاقم من الضغوط التي تمارسها السلطات على تجارة المواشي "فرق حماية الأبقار" العداونية، وهي جماعة يمينية متطرفة مرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا، وتقوم الآن بمراقبة الشوارع، وتحديد "المهربين"، الذين يقومون بنقل الأبقار للذبح، وعادة ما يتم تحديدهم بناء على الدين.
وتورد الصحيفة نقلا عن مدير جمعية تجار اللحوم في جيبور، بابو قريشي، قوله: "بعدها يسألون إن كان سائقو الشاحنات مسلمين أم هندوسيين"، لافتة إلى أنه في حال كان السائق هندوسيا فإنهم يكتفون بصفعه، وإن كان مسلما "فيضربونه بعنف شديد".
ويشير التقرير إلى أنه في حالة بيهلو خان فإنه تم ضربه ومرافقيه في وضح النهار، وعلى شارع مزدحم بالمارة والحركة، وأظهرت أشرطة فيديو يظهر كيف قام الناشطون المتحمسون بضربه ومرافقيه بـ"لاثي"، وهي عصا خيزران مطعمة بالحديد.
وتلفت الكاتبة إلى أن الحادث وقع في ولاية راجستان، وقامت الشرطة بعد تعرض خان للضرب بتحرير قضية ضده، متهمة إياه بخرق القانون، مشيرة إلى أنه لم يتم تحرير قضية ضد المهاجمين إلا لاحقا، واتهم الوزراء الضحية ومن هاجموه بارتكاب الخطأ، وفي الوقت ذاته قللت الجماعة الهندوسية المتطرفة من الجريمة، وألقت اللوم على السلطات؛ لأنها فشلت في الحد من تهريب الأبقار.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول ناشطين في جماعة متطرفة اسمها "فيشو هندو باريشاد"، المرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا، إن المشاعر متأججة، وقال ناشط فيها: "الناس غاضبون، ويشعرون أنه لم توفر الحماية الكافية للأبقار".