لم نكن بحاجة إلى كل هذه السنوات التي مرت منذ الانقلاب في 3يوليو2013 وحتى اليوم لكي ندرك أن هذا الانقلاب المشئوم لم يكن انقلابا على رئيس منتخب وحسب ، أو أنه انقلاب على ثورة عظيمة وفقط ، ولكنه كان انقلابا ضد الدين بما تعني الكلمة من معنى أو معاني . أي أنه انقلاب ثلاثي الأبعاد فأحد أبعاده الظاهرة أنه كان من أجل إبعاد الإخوان عن المشهد وتعطيل إقامة الخلافة الإسلامية كما صرح السيسي للصحف الأمريكية وللوفود اليهودية العابرة للقارات والتي توافدت على مصر عقب الانقلاب لتباركه، وفي بعده الثاني كان النيل من الثورة المباركة 25 يناير 2011 والتي اسست لمفهوم إرادة الشعب ، أما بعده الثالث وهو البعد الذي كان خفيا ومستورا حتى تم فضحه تباعا هو النيل من هذا الدين.
أدار الانقلاب معاركه في المحاور الثلاثة ببراعة فائقة فقد بدأ بالخصم الذي أعتقد أنه الأسهل وهو الإخوان المسلمون مستثمرا أضخم حملة تشويه لرئيس منتخب ولجماعة أثبتت أنها المحرك الرئيس لمصانع الغضب في الشارع المصري منذ عقود ، ثم ما لبث السيسي قائد الانقلاب أن قام بتوجيه عملائه في الأجهزة المختلفة لمحو سيرة ثورة يناير 2011 ، وبدأت الحملة ولا تزال مستمرة . هنا أعتقد الكثيرون أن السيسي قد وصل إلى مراده وحقق أهدافه وبالتالي توقع هؤلاء من السيسي إنجازا على أرض الواقع ولكنهم وبعد مرور أربع سنوات على الإنقلاب لم يجدوا ما يسدوا به رمقهم ، ولا يروي ظمأهم فالسيسي الذي من المفترض أنه قضى على كافة العقبات ، وأطاح-افتراضا- بأقوى الخصوم لم يقدم شيئا يثبت به شرعيته المفقودة في الحكم ، بل على العكس خسر السيسي كل معاركه التي قال إنه جاء من أجل الانتصار فيها وعلى رأس كل تلك المعارك معركته ما ما يسمى بالإرهاب.
دخل السيسي في نفق مظلم حين أنفق مليارات الدولارات على مشاريعه الوهمية ، وحين أدار دولة كبيرة بحجم مصر بطريقة هزلية لم يتفوق عليها فيها سوى معمر القذافي الحاكم الليبي الذي تم سحله بعد عقود من الفشل أيضا.
انتشر ما يسمى بالإرهاب رغم أن السيسي خصص ميزانية قدرها عشرة مليار جنيها مصريا وتم ترقية أحد رجاله المخلصين إلى رتبة فريق " أسامة عسكر " ليدير الحرب في سيناء وكلفه أمام الرأي العام بأن تكون حادث "كرم القواديس" آخر الأحزان ولكن هذا الفريق فشل فشلا ذريعا وتعمقت الأحزان وقام السيسي بعزل الفريق أسامة عسكر بطريقة ناعمة وبدون ضجيج حتى لا يشمت فيه الأعداء.
انتقل "الإرهاب" من سيناء شمالي شرق مصر إلى قلب الدلتا في مدينة طنطا وإلى شمال غرب البلاد في الأسكندرية ، وفوجئ الجميع بتفجيرات الأحد الدامي الذي راح ضحيته عشرات الأبرياء من شركاء الوطن من المسيحيين الذين ذهبوا للصلاة فجاءهم الموت ولم يسعفهم رجال السيسي الذين لطالموا تغنوا بأنهم قادرون على حمايتهم ليل نهار.
ما كشفت عنه أحداث الأحد الأسود أن المستهدف كان رأس الكنيسة الأرثوذكسية البابا تواضروس وهو أمر لوحدث وأغتيل أو اصيب لفجر فضيحة أمنية هي الأكبر في تاريخ مصر الحديث.
وبدلا من البحث عن القتلة والفاعلين ، ومحاسبة المقصرين والمسئولين في أجهزة الأمن والاستخبارات التي خصص لها المليارات إذا بالسيسي يقوم بتوظيف الحدث الأليم لصالح مشروعه القديم وهو النيل من هذا الدين العظيم عبر النيل من مؤسسة الأزهر وهي المؤسسة الرسمية المعنية بصيانة الدين في مصر والعالم العربي وهي منارة الإسلام بعلومه عبر قرون.
عاد السيسي إلى عزف النغمة التي يطرب لها غلاة اليمين في اوربا وأمريكا ، وتشنف أسماع المنظمات اليهودية في أمريكا ، والسلطة المغتصبة في فلسطين ، وهي نغمة تجديد الدين الاسلامي دون غيره.
منذ سنوات والسيسي يضبط متلبسا بالنيل من الأزهر ومن شيخه الذي وللأسف ساعده في انقلابه على السلطة الشرعية والرئيس المنتخب ولكنه على ما يبدو لم يسعف السيسي في قضية هدم الدين فالشيخ أحمد الطيب وإن كان هواه السياسي مع العسكر إلا أنه ربما أدرك ولو متأخرا أن السيسي يريد هدم المؤسسة العريقة وإن إدعي أنه يريد تجديد وتحديث الخطاب الديني وهذه تحسب له ولعل وعسى.
نال السيسي من الشيخ الطيب في عدة مناسبات وسخر منه وصفق له المنافقون ، وسارع المطبلون في اعلام السيسي لتبني كلامه الفارغ عن تجديد الخطاب الديني ، لكن معظمهم كان حذرا بدرجة كبيرة في النيل من شيخ الأزهر حتى جاء الأحد الأسود وإذا بكل أنابيب الصرف الصحي التابعة للإنقلاب تنفجر مباشرة في وجه شيخ الأزهر وتتهمه والمؤسسة التي يديرها بأنهما وراء وقوع تفجيرات الكنائس يوم الأحد الأسود، هكذا بلا أدنى جياء.
دخل على الخط اعلاميون من المفترض أن لديهم الحنكة السياسية مثل عمرو أديب ونال من الشيخ كما نال غيره بل وصلت الجرأة ببعضهم أن يعلن عن وفاة الأزهر يوم وقوع التفجيرات. لم يكتفي الانقلاب بكلام رموزه الاعلامية بل استدعى إعلاميين وساسة مسيحيين وقساوسة أيضا لكي ينددوا بالأزهر ويطالبون بحذف نصوص قرآنية وأحاديث نبوية من المناهج التعليمية ، وبلغ الأمر مبلغه حين طالب بعض نواب مجلس الدم التسريعي بتقليص سلطة الأزهر ونقلها إلى مجلس النواب.
قاد الحملة الجنرال السيسي في كلمته التي اعقبت وقوع التفجيرات وبدلا من توجيه اللوم لوزارة الداخلية ، قام باستدعاء وزيرها ليكون على يساره وهو يطالب مرة أخرى بتجيد الخطاب الديني ليس عن طريق الأزهر ولكن عن طريق مجلس نواب الدم وهي نقلة نوعية في حرب السيسي على الأزهر.
استمرت الحملة على شيخ الأزهر الذي طالبناه سابقا بالاستقالة بعد أن وجه له السيسي اللوم والعتاب بل وسخر منه "تعبتني يا فضيلة الإمام"، ولاحظنا بعد أن ارتفع سقف مطالب العلمانيين والمسيحيين ليكون النيل من الأزهر وليس من شيخ الأزهر أن البعض قد أدرك أن الخطة هي الأزهر والدين وبالتالي لا يجب مجاراة السيسي فيما يرمي إليه.
تحركت وسائل إعلام الشرعية ورفض الانقلاب لتنبه وبقوة إلى خطورة الموضوع وبعدها وجدنا بعض التحرك على استحياء من جانب بعض وسائل إعلام الإنقلاب تنبه إلى خطورة الأمر وتنتصر على استحياء أيضا للشيخ والمشيخة، ما أوقف الحملة على الأزهر والدين ولو مؤقتا.
السؤال هل سيتخلى السيسي مكرها عن خطته؟ إما إبعادا عن المشهد على غير إرادته.. بمعنى هل هناك في داخل الدولة من يدرك وأدرك ولو متأخرا أن هذا الرجل خطر على الأمة والملة؟ ربما.