أبدى ملايين الجزائريين في مسيرات الجمعة التاسعة رفضا قاطعا للمشاورات التي أعلن عنها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح مع 100 شخصية وطنية وحزبية بشأن “توفير شروط النزاهة لرئاسيات 4 جويلية القادم”، باعتبارها هروبا إلى الأمام والتفافا على مطلبهم بالتغيير الجذري للنظام ورحيلِ رموزه جميعا.
الحلّ الأمثل هو التحلّي بالتعقّل والحكمة والاستجابة لمطالب الشعب من دون مزيدٍ من التأخير وربح الوقت، وترحيل بن صالح وبلعيز وبدوي، وشروع الجيش– وقد قلنا ذلك في مناسباتٍ سابقة ونعيدها- في التفاوض مع شخصياتٍ مستقلّة ومعارِضة تحظى باحترام الشعب.
إنه يومٌ عظيم آخر في تاريخ الجزائر والجزائريين؛ ففيه خطا الشعبُ خطوة كبيرة نحو استعادة حريته وفكِّ قيودِ الاستبداد التي كبّلته 57 سنة كاملة، كان يمكن أن تتحوّل إلى قرن كامل أو أكثر كما قال جمال ولد عباس، لو لم يثُر منذ 40 يوماً ويعصف بالظلم والظالمين.
دخل أمس الحراك الشعبي شهره الثاني دون أن تلوح في الأفق أيُّ مؤشراتٍ حقيقية تنبّئ بقرب استجابة السلطة لمطالب الشعب، وفي مقدِّمتها تراجع الرئيس عن تمديد عهدته الرابعة بعد انقضائها في 28 نيسان/أفريل المقبل، ورحيل رموز النظام التي يتّهمها بالفساد وتفقير البلاد.
جيلُ التسعينيات، قرّر أن يأخذ زمامه بيده ويتجاوز الأجيال التي سبقته ويقودها في مظاهرات مليونية في 48 ولاية ويعبّر عن مطالبه وعما يريده بوضوح، ولن يثنيه شيءٌ عن تحقيقها..
قدّم أكثر من 5 ملايين متظاهر في 48 ولاية جزائرية في مسيرات الجمعة أوّل آذار/مارس درسا تاريخيا للوزير الأول أحمد أويحيى وكل مسؤول لم يتورّع في الأيام الأخيرة عن إطلاق تصريحات خطيرة، تتحدّث عن العودة إلى العشرية الحمراء والدّم والدمار وإمكانية تكرار السيناريو السوري في الجزائر.
كسرت مظاهرات الجمعة بمختلف ولايات الوطن الجمود السياسي الخانق الذي جثم على البلد منذ أزيد من ربع قرن، ودفع أغلبَ المواطنين إلى الزهد في الحياة السياسية من خلال العزوف المتصاعد عن ممارسة حقهم في الانتخاب خلال شتى الاستحقاقات الانتخابية التي عرفتها البلاد.
يحقّ لرئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أن يطير فرحا ويصرّح بأن "تاريخا جديدا يُصنَع في المنطقة" وهو يرى وزراء خارجية بعض البلدان العربية يتهافتون على لقائه في العاصمة البولندية وارسو ويطلقون تصريحات مدوِّية أحسنت مراسلةُ موقع "والا" العبري.
يبدو أنَّ هناك مساعي لإحداث اختراقٍ في موقف الجزائر المؤيّد للقضية الفلسطينية، واستدراجها إلى التطبيع التدريجي مع الكيان الصهيوني، وهذا في إطار "صفقة القرن" الأمريكية الرامية إلى تحقيق تطبيع عربي شامل ومجّاني مع الاحتلال؛ لعزل الفلسطينيين عن محيطهم العربي.
حتى الذباب الإلكتروني الخليجي الذي أصبح يروّج للتطبيع بكل حقارة وبلا أيّ خجل، تساوُقا مع الهرْوَلة الجديدة لأنظمتهم باتجاه الاحتلال استعدادا لإقامة علاقات دبلوماسية معه، واتخاذه “صديقا” و”حليفا” جديدا ضد إيران.. هذا الذباب لن ينجح في تزييف وعي الشعوب الخليجية.
صدّقوا أو لا تصدّقوا..! البرلمانُ العربي التابع لجامعة العار العربية، الذي يمثل الأنظمة الاستبدادية القمعية العربية أكثر مما يمثل شعوبها، يجتمع في القاهرة ويُصدِر بيانا ينتقد فيه لجوء الشرطة الفرنسية إلى “القمع غير المبرَّر” للمتظاهرين.
يؤشِّر الرفضُ الواسع الذي أبدته بعض النخب السياسية والثقافية العربية لزيارة ولي العهد السعودي بن سلمان لبلدانها، على مدى الدمار الكبير الذي لحق بصورة السعودية في نظر الشعوب العربية والإسلامية في السنوات الأخيرة.
في أمريكا، يضحّي الشرفاء بمناصبهم من أجل كلمة الحق ويعرّضون أنفسهم لحملات حاقدة قد تقضي على مستقبلهم، وفي الخليج يدخل المهرولون في “منافسة” مخزية شعارها: أيُّهم يكون أسبقَ إلى بيع فلسطين والتطبيع مع الاحتلال والإلقاءِ بالمودّة إلى اليهود حتى يُرضي أمريكا ويحافظ على عرشه وريوعه.
كان يمكن أن يكون قتلُ خاشقجي بداية عهدٍ جديد في السعودية تسقط فيه رؤوسٌ كبيرة وتتوقف فيه المملكة عن قمع المعارضين، من دعاةٍ وحقوقيين ومثقفين، وسجنِهم بلا محاكمات، لكن تصرّف ترامب يمنح ضمنيا الضوءَ الأخضر لبن سلمان لمواصلة التنكيل بمعارضيه بلا حسيب أو رقيب.
اليوم، يبدو جليا أن حماس وباقي فصائل المقاومة قد بدأت تفرض معادلة “الدم بالدم والقصف بالقصف”، وبدأت تردع العدوّ وتكسر عجرفته بعد أن نجحت في تطوير قُدراتها الصاروخية برغم حرب صيف 2014 والاستمرار في ضرب مواقع المقاومة واشتداد الحصار، وهذا بكلّ المقاييس انتصارٌ جديد يدعو إلى الفخر .
يبدو أن سنة 2019 ستكون سنةً درامية لا سابق لها في تاريخ العرب الحديث؛ فإزاء التسابق الهستيري على الهرولة والتطبيع واستقبال الوفود السياسية والرياضية للاحتلال في العواصم الخليجية، لم يبقَ إلا الإعلان رسميا عن إقامة علاقات ديبلوماسية بين الاحتلال ودول الخليج وتبادل السفراء.