تعيش
تونس من جديد على وقع جدل "قانون
المصالحة الاقتصادية"؛ الذي تقدّم به مُجددا الرئيس التونسي، الباجي قائد
السبسي، للبرلمان بعد أن فشل في تمريره على مُناسبتين.
وكانت لجنة التشريع العام بمجلس نواب الشعب قد بدأت، الأربعاء، في مناقشة نسخة مُعدّلة من المشروع وسط تجاذب حادّ بين داعميه ورافضيه.
تحرير الإدارة وإنعاش الإقتصاد
ويستهدف القانون نحو 400 رجل أعمال متهم بالفساد أو ممن استفادوا من النظام السابق؛ سيستفيدون من قانون المصالحة الاقتصادية، وهو ما يعود بالنفع على الاقتصاد التونسي من خلال التشجيع على الاستثمار وتوفير فرص العمل، وفق تعبير داعميه.
وقال مدير الديوان الرئاسي سليم العزابي، خلال جلسة مُناقشة القانون في اجتماع لجنة التشريع العام في البرلمان، الأربعاء الماضي، إن قانون المصالحة الاقتصادية والمالية من شأنه أن يحرر الإدارة التونسية من الخوف الذي تعيشه بسبب خشية المسؤولين من التوقيع على الوثائق خوفا من المحاسبة، معتبرا أن مردودية الإدارة التونسية تراجعت بحوالي 50 في المئة منذ سنة 2010 حسب مجمع الوظيفة العمومية.
الرئاسة تنزل بثقلها
وكشف تسريب لخطة عمل مصالح رئاسة الجمهورية؛ درجة حرص الرئيس التونسي على النجاح في تمرير القانون وكسب التأييد له في البرلمان.
وتشير الوثيقة المُسربة، التي نشرها موقع محلي، إلى أنه تم الاتفاق خلال اجتماع سابق للديوان الرئاسي بتاريخ 29 آذار/ مارس 2017؛ على وضع خطة متكاملة للدفع مجددا بقانون المصالحة، وقد تكفل بهذا البرنامج عشرة من أعضاء الديوان الرئاسي، تتوزع مهامهم بين عقد لقاءات مع شخصيات حزبية وأخرى ناشطة في المجتمع المدني، إضافة إلى الاتصال بعدد من خبراء القانون والاقتصاد.
وأشارت الوثيقة أيضا إلى وجود خطة إعلامية للترويج لقانون المصالحة في صيغته الجديدة، يجري خلالها عقد لقاءات مع عدد من مالكي وسائل الإعلام وبعض "الشخصيات الإعلامية المؤثرة في الرأي العام".
شورى النّهضة يرفض
وفي إطار التّفاعل الرّسمي للأحزاب مع مشروع القانون الذي كان أحد الوعود الانتخابية للرّئيس السبسي، أعلن مجلس شورى حركة النّهضة، الشريكة في الائتلاف الحكومي، الإثنين، رفضه للقانون بصيغته الحالية.
وأكّد بيان الشورى الذي حصلت "
عربي21" على نسخة منه، "عدم قبول مشروع القانون الأساسي المتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي" في صيغته الحالية، داعيا إلى "إدخال تعديلات جوهرية عليه؛ ليكون منسجما مع أحكام الدستور ومنظومة العدالة الانتقالية".
"مانيش مسامح"
وبعيدا عن قبة البرلمان، يُواصل أعضاء حملة "مانيش مسامح" التحرك للتّصدي لهذا القانون الذي يعتبره القائمون على الحملة "قانون تبيض للفساد وتشريع لعودة الفاسدين".
ونظّمت الحملة، التي تضم عددا من الجمعيات والأحزاب التقت على رفض مبادرة الرّئيس، مسيرات احتجاجية في عدد من محافظات البلاد، كان أبرزها مسيرة العاصمة التي شارك فيها الآلاف من الرافضين للقانون.
ووجهت الحملة، عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك" دعوة إلى كل التونسيين والتونسيات "للتجند والالتزام بحالة التأهب القصوى، لإسقاط مشروع هذا القانون"، مبينة أن "التعنت في محاولة تمرير مشروع هذا القانون اللادستوري، يجعل نزول المحتجّين إلى الشارع ضرورة وفاء لتضحيات أجيال من التونسيّين والتونسيّات ولأرواح الشهداء"، وفق نص الدعوة.
وطالبت الحملة "جميع الأحرار ومناهضي
الفساد إلى تفعيل حالة الطوارئ الشعبيّة عبر المشاركة بكثافة في كل التحركات التي سيتم الإعلان عنها تباعا"، ودعت إلى "التسريع بتفعيل منظومة العدالة الانتقالية بما تعنيه من كشف الحقيقة والمساءلة والمحاسبة وجبر الأضرار، ثم المصالحة كحلقة لتتويج مسار بأكمله".
وفي السياق ذاته، قال أيمن عبد الرحمان، أحد الناشطين في "مانيش مسامح"، لـ"
عربي21"، إن الحملة تدعم مسار العدالة الانتقالية وليست ضد مصالحة يسبقها كشف الحقيقة وتتبع لكل من أجرم في حق البلاد. وأضاف: "هذا المسار فقط هيئة الحقيقة والكرامة مخولة لتحقيقه والإشراف عليه".
لن يمُر إلا في هذه الحالة
ويرى المُحلّل السياسي، محمد الهمامي، أن "هذا القانون صيغ بفلسفة تريد تجاوز الهيكل المُكلّف دستوريا بمسار العدالة الانتقالية، وهو هيئة الحقيقة والكرامة، وبالتالي فإن كل التّعديلات التي قُدّمت والتي سيتم تقديمها مستقبلا في ظل عدم دعم الشريك الأبرز وهو حركة النّهضة، ستكون بلا قيمة"، وفق تعبيره.
وأكّد الهمامي، في حديث لـ"
عربي21"، أن الرّئيس التونسي "يجب عليه أن يطرح مُبادرة مُكمّلة لمسار العدالة الانتقالية لا مُتجاوزة لها، إذا ما أراد أن ينجح في تمريرها شعبيا وبرلمانيا"، كما قال.
وتابع: "على رئاسة الجمهورية أن تُنسّق مع هيئة الحقيقة والكرامة حتى لا تقع في تجاوز صلاحيات الأخيرة".