نشرت مجلة " فورين أفيرز" تقريرا، طرحت فيها نقاط الاختلاف والعوائق المتوقعة بين أمريكا والسعودية، رغم تفاؤل الأخيرة بقدوم دونالد
ترامب لرئاسة الولايات المتحدة.
وقالت المجلة، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه في أواخر نيسان/ أبريل الماضي، عين العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، ابنه الأمير خالد سفيرا جديدا للمملكة في الولايات المتحدة.
وكشفت المجلة أن "صعود خالد يعد علامة على القوة المتنامية لشقيقه الأكبر، ولي ولي العهد الأمير محمد
بن سلمان، وزير الدفاع السعودي".
ورأى مراقبون أن تعيين خالد يعد محاولة من الملك سلمان لتعزيز العلاقات بين العائلة المالكة في
السعودية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قام بمنح صهره ومستشاره جاريد كوشنير مسؤوليات كبيرة في السياسة الخارجية".
وقالت المجلة إنه "بعد سنوات من العلاقة المتوترة مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، يبدو أن السعوديين متفائلون بشأن ترامب، فلديه سجل طويل من العداء تجاه المنافس الرئيس للمملكة في المنطقة، إيران، وعلى وجه الخصوص نحو الاتفاق النووي الذي عقده أوباما وتقبلته السعودية على مضض".
ويتضح هذا التفاؤل في تغطية وسائل الإعلام السعودية؛ فقد أشادت باجتماع ترامب وولي ولي العهد في آذار/ مارس الماضي، ووصفته بأنه "نقطة تحول تاريخية" في التحالف الأمريكي السعودي. "وبعد أول مكالمة هاتفية بين ترامب والملك سلمان، في كانون الثاني/ يناير الماضي، أشاد الملك سلمان بترامب؛ لقراره "الشجاع" في نيسان/ أبريل بإطلاق صواريخ ضد قواعد عسكرية للنظام السوري".
وتشير المجلة إلى أن " هذا الخطاب الإيجابي، إلى جانب تعيين خالد، أتى بنتيجة؛ فقد أعلن ترامب مؤخرا أن أول رحلة له إلى الخارج ستكون للسعودية، ثم إلى إسرائيل والفاتيكان، في ما يبدو أنه جهد رمزي لتعزيز العلاقات بين الديانات التوحيدية الثلاث في العالم".
وعلى الرغم من التفاؤل السعودي الواضح، إلا أنه لا تزال السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بعيدة عن المراد السعودي. "فلم يتم وضع عقيدة أمنية وطنية متماسكة تجاه المنطقة، كما أن أهداف واشنطن الرئيسية في الشرق الأوسط غير واضحة".
"ورغم أن ترامب يريد أن يميز نفسه عن سلفه، فإنه من غير المتوقع أن يغير خط سياسة الولايات المتحدة في الاتجاه المؤيد للرياض، سواء عن طريق الجهود للإطاحة بالأسد، أو من خلال مواجهة كبيرة مع إيران"، بحسب المجلة.
كما أن هناك قضايا أخرى يمكن أن تعرقل التوافق بين الطرفين، مثل الانفراج الأمريكي-الروسي، الذي من الممكن أن يعزز نفوذ بشار الأسد، وبالتالي إيران. كما أن محاولة ترامب لاستئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية قد تتطلب الضغط على الرياض؛ لجلب رام الله إلى طاولة المفاوضات.
يشار إلى أن الاتفاق النووي مع إيران كان مصدرا رئيسيا للتوتر الأمريكي السعودي خلال السنوات القليلة الماضية. وقد كان ترامب يقف ضده أيام حملته الانتخابية للرئاسة، كما أن نائبه مايك بينس وعد "بتمزيق صفقة إيران" بمجرد تولي منصبه.
ولكن على الأقل حتى الآن، يبدو، بحسب المجلة، أن واشنطن لا تعتزم إعادة التفاوض، ناهيك عن إلغاء الاتفاق بالطبع. "ويرجع ذلك جزئيا إلى أن هزيمة تنظيم الدولة (المعروف أيضا باسم داعش) هي الأولوية الإقليمية العليا لترامب، كما أنه لا تزال جهود الولايات المتحدة المناهضة للتنظيم تعتمد على دعم المليشيات الشيعية المختلفة في العراق، التي يرتبط عدد منها ارتباطا وثيقا بإيران".
وبدلا من التخلي عن الصفقة بشكل كامل، يبدو أن "ترامب سوف يسعى إلى فرضها وتطبيقها بدقة، مع الاستمرار في معارضة الأنشطة الإيرانية في المنطقة الأوسع، حيث تعهد ترامب مؤخرا بإظهار "الصرامة" في تطبيقه".
وفي الوقت ذاته الذي شدد فيه ترامب العقوبات على إيران، زاد المساعدات اللوجستية والمخابراتية لقوات التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن. ومن غير المرجح أن تكون إيران نقطة خلاف بين واشنطن والرياض، على الرغم من احتجاجاتها السابقة.
ويبدو أن الرياض متفائلة بشأن موقف إدارة ترامب حول قضايا حقوق الإنسان والإصلاح السياسي، خلافا للرئيس أوباما الذي انتقد المملكة لسجلها في مجال حقوق الإنسان، "فضلا عن دعمه الحركات الإسلامية في مواجهة حلفاء الولايات المتحدة التقليديين المستبدين".
ومن المسارات التي يتفق فيها الطرفان "قتال تنظيم الدولة، وكبح جماح تمدد إيران في المنطقة".
وقالت المجلة إنه "من المرجح أن يفضل ترامب ومستشاروه ضمان الاستقرار السياسي السعودي على المدى الطويل على الضغط عليها للإصلاح. هذا النهج سيكون موضع ترحيب كبير في الرياض".
وتتابع المجلة: "ترامب مثل أوباما، أكد مرارا على ضرورة تحمل السعودية حصتها العادلة من التكلفة في مكافحة الإرهاب. وفي نيسان/ أبريل، قال الرئيس الأمريكي إن المملكة "لم تعاملنا على نحو عادل؛ لأننا نفقد قدرا هائلا من المال في الدفاع عن السعودية".
في المقابل، "أعلن السعوديون باستمرار دعمهم لتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب ضد المنظمات الإسلامية الراديكالية، لكنهم فشلوا عموما في التحرك أبعد من الخطابة. وعلى سبيل المثال، أعلنت السعودية عن استعدادها لإرسال قوات إلى سوريا، لكنها لم تفعل ذلك".
"ومن أجل تخفيف حدة التوترات مع ترامب والرد على دعواته المتكررة لتقاسم الأعباء، تتفاوض الرياض حاليا على شراء أسلحة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات من واشنطن، بما في ذلك نظام الدفاع الصاروخي "ثاد".
ولكن بالنسبة للرياض، فإن الاختبار الحقيقي لنوايا ترامب سيكون سياسة الولايات المتحدة تجاه اليمن".
ومنذ آذار/ مارس 2015، "شن التحالف الذي تقوده السعودية حربا في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وقد فشلت السعودية في تحقيق أي نتائج إيجابية، على الرغم من إنفاقها ما يقدر بنحو 200 مليار دولار".
وبدلا من ذلك، "أدت الحرب إلى كارثة إنسانية، وجلبت انتقادات للمملكة، ودفعت إيران إلى الاقتراب من الحوثيين، الأمر الذي يعرّض الأراضي السعودية لخطر صواريخ أرض - أرض، التي يعتقد أن المتمردين حصلوا عليها من إيران"، بحسب الصحيفة.
وقالت: "حتى الآن، لم يشر ترامب إلى أي تغييرات كبيرة في سياسة واشنطن في اليمن".
وأضافت: "لا يزال البيت الأبيض يدعم رسميا محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة، واستمر في سياسة أوباما أيضا لضربات الطائرات دون طيار ضد الملاذات الإرهابية في البلاد".
كما "تدعم إدارة ترامب هدفا طويل الأمد، يتمثل في ضمان حرية التنقل في مضيق باب المندب من خلال وجود بحري قوي في الخليج الفارسي وخارج سواحل شرق أفريقيا".
وتريد الولايات المتحدة أن ترى الرياض بجانبها في معركة تنظيم القاعدة في اليمن، "وتشير إلى أنها مستعدة لإزالة بعض القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية".
وأخيرا، هناك عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. وقد ذكر ترامب مرارا رغبته في استئناف المفاوضات المتوقفة، وحصل ذلك مؤخرا خلال مؤتمره الصحفي المشترك الأخير مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في البيت الأبيض.
ولكن على الرغم من أن الضغط على الفلسطينيين ليتنازلوا عن شروطهم أمام الإسرائيليين قد يثقل العلاقات الأمريكية مع السعوديين، إلا أنه من غير المرجح أن يخرجهم عن مسارهم.
وختمت المجلة بقولها إن "المعارضة المشتركة لإيران جعلت الإسرائيليين والسعوديين أقرب إلى بعضهما البعض، وكشفت البلدين يتعاونان سرا في مسائل الأمن والاستخبارات".