(1)
لدي صرخة مكتومة لا أستطيع أن أصرخها، ولا أدري إن كان ذلك خوفا أو حكمة، فالوضع لا يطاق، ومع ذلك لما اقتربت لحظة الاختيار والانعتاق، تراجع الرفاق عن الوفاق، فبدا "طريق الصبر" ممتدا بلا آخر، لا ساعة الثورة تدق معلنة قرب الوصول، ولا الميادين استقبلت العشاق، فالانتخابات التي يتعلل الجميع بنتائجها ويقدسون صناديقها، لم تعد (الآن) فرصة للساعين إلى التغيير، ولا حتى "قشة" يحلم الغارق أن "يتشعبط" بها فتنجيه من الظلم الحقير، الانتخابات التي يرابط كل طرف عند محطة محددة، يرى فيها مكسبه فلا يريد أن يغادرها إلى غيرها، لم تعد محطة في طريق التحول الديموقراطي، بل صارت أطلالا نحج إليها، ونبكي عندها، وكأنها نهاية العالم.. صارت موسما لتعميق الجراح بين الأشقاء الفرقاء، لتوسيع المسافات، وتعلية الأسوار بين الثوار، ليبقى الظالم في أمان بعيدا عن المنافسة وعن المشاكسة، وهذا ما يمنعني من كتابة المقال المباشر الذي ظللت أفكر فيه طيلة الأسبوع، ربما لأنني لا أحب اللغة المباشرة، ولا أثق في خطاب الوصايا والنصائح الخارجية التي لا تنبع من الداخل.. لذلك أتمهل قليلا، وأنتظر أسبوعا آخر، ربما يصبح لحديث الأمل قيمة.. ربما نتفق على المواجهة، بدلا من هذا الذل المقيم...
(2)
ليس لدي وصف محدد للحالة التي أعيشها منذ أسبوع، لكنها تشبه صرخة للداخل، أو محاولة للسباحة في الرمل... الهواء لزج، والسماء حجرية، والأرض سجادة من الصمغ الساخن، وصورة المستقبل شاحبة بلا ملامح، والغد معلق في الفراغ بين احتمالين.. كلاهما غامض.
هذه الحالة السائلة المنسكبة بين النوم واليقظة يسميها انجمار برجمان "ساعة الذئب"، حيث تختلط الأحلام بالكوابيس، واليأس بالرجاء، ويتحول الزمن إلى قنفذ خائف، يشهر أشواكه في دائرة سوداء، تقلد جثة شمس منتحرة.
(3)
* هل هذا يأس؟
* لا أعرف، فأنا لم أشاهد من قبل صورا فوتوغرافية لليأس
* هل هذا كابوس؟
- ربما، فقد أخبرني فرانز كافكا عن أشياء مثل هذه في مستعمرة العقاب، وقال إنها كوابيس لعينة.
* من هو كافكا هذا؟
- هو أنت، وهو أنا أيضا، هو شخص عادي، كان يحلم مثلي ومثلك ببرتقالة، فحاكموه على الحلم، ولم يعرف من هم؟، ولا لماذا سرقوا حلمه قبل أن يضعوا القيود في رأسه، وجثة الشمس المنتحرة في عينيه!
(4)
* ماهذه اللغة التي تتحدث بها؟ هل هي هلوسة أم نوع من الشعر؟
- صدقني لا فرق، فالعالم كله يتحدث بشفرة معدنية جوفاء، وأنا مثل بقية المجانين في هذا العالم، أتحدث لغة ما، ولا أعرف إن كانت لغتي مفهومة، أم أنها مجرد أنين وحشرجات، كالتي أسمعها من الآخرين!
* هل تعرف من أنت؟
- أنا "آخر"، أنا "غيري"، أنا لست أحدا ما، لذلك أبحث عني، وعن أناس تشبهني.
(5)
مثل تنين خرافي لا يموت، تبدو الأنظمة العربية قدرا يحاصرنا، وسقفا منخفضا يجبرنا على حني الرؤوس والزحف على البطون الناحلة، وتبدو المعارضة العربية كما لو أنها ولدت لتبقى "معارضة"، وليس غير ذلك، تكتفي بالصراخ والعويل، والسب والتعطيل، ولا تسعى أبدا للتوحد والمشاركة، والطامح فيها يريد أن يكسب من دون أن يلعب.
(6)
لقد حذرنا "هوبز" من وحش الدولة، لكن المسكين لم يعرف حينها أن الفيروس الذي يقيم داخلنا أشد خطراً علينا من "ليفياثان".. ومن كل الوحوش خارجنا.. إن مصيبتنا في أنفسنا يا هوبز... فنم طويلا، حتى نهتدي (أو نُجْبَر) على إصلاح ذوات بيننا، وبعدها يمكننا أن نبدأ بسهولة خطوتنا الأولى على طريق التغيير، حيث يمكننا بعدها أن نقدر على إخضاع تنين الدولة المتوحش
(7)
صدقني أيها الإمبراطور، إن أبشع مسخ يمكن للمرء أن يخشاه.. هو نفسه!
على قدر فهمى حضرتك قلت اللى فى نفسي واعتقد فى نفس الكثيرين
ماجدة رفاعة
الخميس، 18-05-201711:18 ص
مقال رائع..تمنيت ألا ينتهي.. يصور وجع ارواحنا.. وسط هذا الواقع الكابوسي ..بين أنظمة فاشية ومعارضة مشغولة باختلافاتها، اكثر من انشغالها بكيفية تغير هذا الواقع