تتوالى فضائح النظام السوري المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان والتي كشفت آخرها واشنطن وأطلقت عليها "محرقة صيدنايا"، فيما تبقى التساؤلات الملحة تكمن في أسباب وقوف المجتمع الدولي عاجزا عن محاسبة بشار الأسد على تلك الجرائم.
واتهمت واشنطن النظام بإنشاء محرقة للتغطية على الجرائم التي كان يقوم بها في سجن صديانا قرب دمشق، حيث نشرت وزارة الخارجية، الاثنين الماضي، صورا صادمة التقطت من الجو، لبناية يبدو أنها خصصت لحرق الأجساد بالسجن.
ونقلت صحيفة "الغارديان" عن مسؤول الشرق الأوسط بالوزارة ستيوارت جونز، قوله: "مع أن النظام ارتكب الكثير من الجرائم الموثقة، فإننا نعتقد أن هذه المحرقة هي محاولة للتستر على عمليات القتل الجماعي التي حدثت في صديانا".
وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تعتقد أن 50 سجينا كانوا يعلقون على المشانق يوميا، فيما أحرقت أجساد آخرين في هذه المحرقة، وفقا للصحيفة الغربية.
لماذا فشل النظام دولي؟
من جهته، قال يحيى مكتبي عضو الائتلاف الوطني السوري المعارض في حديث لـ"عربي21" إن "حراكنا لم يتوقف في شقه القانوني والإعلامي والسياسي بهذا الخصوص على الإطلاق".
وأضاف أن "هذه الحادثة هي غيض من فيض لنظام الأسد الإجرامي الذي يتبنى سياسية ممنهجة لقتل المعتقلين تحت التعذيب ومن ثم التخلص من جثثهم عن طريق المحارق الكبيرة والأفران التي ربما يكون للنظام الإيراني يد فيها".
وعن تحركات "الائتلاف" لوقف الانتهاكات ومحاكمة نظام الأسد، قال مكتبي إن "هناك تعاونا بين اللجنة القانونية في الائتلاف وبين المحامين والمكاتب القانونية، للتوثيق والعمل على هذا الملف، لكن العدالة الدولية متوقفة بموانع وحواجز التفاهمات السياسية بين الدول".
وأضاف أن "الأريحية التي يشعر بها نظام الأسد تبرر جرائمه السابقة واللاحقة التي تشمل تعذيب المعتقلين، والقتل، والإخفاء القسري، ورمي البراميل على المدنيين وقصفهم بالكيماوي، كلها نتاج لصمت المجتمع الدولي وغياب العقاب".
وأعرب مكتبي عن أسفه الشديد لـ"فشل النظام الدولي حتى اللحظة في محاسبة الأسد، على العكس من داعمي النظام وخاصة روسيا التي استخدمت حق النقض الفيتو ثماني مرات، وآخرها منع فرض عقوبات ضد الأسد نتيجة استخدامه الكيماوي بخان شيخون".
إقرأ أيضا: لهذا السبب أقام نظام الأسد محرقة للجثث قرب سجن صيدنايا
الأسد حولها لقضية سياسية
وقالت ياسمين بنشي الناشطة السورية في حقوق الإنسان، إن "نظام الأسد حول ملف المعتقلين من قضية إنسانية إلى سياسية، وبالتالي فقد ارتبط شأنه بملفات يطالب بها النظام السوري ومنها مصير رئيسه بشار الأسد والحصول على مكاسب أخرى".
وأضافت بنشي لـ"عربي21" أن "نظام الأسد يرتكب الانتهاكات والجرائم الهائلة أمام العالم كله دون أي رادع، حيث أن الصور الفظيعة لما بات يعرف بـ(سيزر) لم تؤثر في العالم للتحرك ضد الأسد".
وعن تجربتها الشخصية، قالت المعتقلة السابقة في سجون الأسد، إن "مشاهد التعذيب داخل السجون بقيت عاقلة في ذهني ولا يمكن أن تنسى، كما أن أخي المعتقل منذ خمس سنوات لا نعرف عن مصيره شيء، لكننا نعتقد أنه في سجن صيدنايا".
وشددت على أن "المناشدات والتواصل مع منظمات حقوقية دولية وأخرى من منظمات المجتمع المدني التي تعنى بالشأن الإنساني، كلها من دون جدوى".
وكان النظام السوري قد نفى صحة اتهامات واشنطن له بوجود ما أسمته "محرقة" في سجن صيدنايا إضافة إلى الاتهامات القديمة باستخدام البراميل المتفجرة والسلاح الكيميائي.
وكانت فرنسا قد طالبت بإجراء تحقيق دولي في الاتهامات الأميركية للنظام السوري بإنشاء محرقة جثث محتجزين في سجن صيدنايا، في حين دعت الأمم المتحدة إلى محاسبة كل من يرتكب الجرائم بسوريا.
وأكدت الخارجية الفرنسية في بيان أن هذه الاتهامات في غاية الخطورة، داعية إلى إجراء تحقيق دولي في هذا الصدد، ودعت باريس في الوقت ذاته روسيا إلى استخدام نفوذها لدى دمشق من أجل السماح للجنة تحقيق دولية والصليب الأحمر بزيارة السجن.
وعلى الصعيد ذاته، قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إنه على الرغم من أن المنظمة ليس بإمكانها التحقق بشكل مستقل من وجود محرقة في سجن صيدنايا في سوريا، فإن العديد من كيانات الأمم المتحدة وثقت انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
وأضاف أن منظمة الأمم المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء وضع آلاف المدنيين الذين لا يزالون محتجزين في المراكز الحكومية ويتعرضون لتعذيب وعنف جنسي.