صنع لنفسه صورة البديل الليبرالي في وسائل الإعلام الغربية، لكنه فقد كل شيء عندما توعد في خطاب تلفزيوني الثوار بالقتل إثر اندلاع ثورة فبراير/شباط عام 2011.
أثارت شخصيته الكثير من الجدل، خاصة بعد خطاباته ولقاءته الصحفية مع وسائل إعلام غربية.
الإفراج عنه أو تهريبه من السجن من قبل كتيبة عسكرية موالية للجنرال خليفة
حفتر يتوقع أن يصب المزيد من الزيت على نار الحريق الليبي.
وبالرغم من عدم شغله أي منصب رسمي، فقد مثّل الرئيس الليبي معمر القذافي مرارا في مفاوضات دولية، بخاصة تلك المتعلقة باتفاقات التعويض على عائلات ضحايا اعتداء لوكربي، وضحايا اعتداء استهدف رحلة "يو تي ايه" رقم 772، وتوسط أيضا في قضية الممرضات البلغاريات اللواتي أفرج عنهن في عام 2007 بعد اعتقالهن في
ليبيا لأكثر من ثماني سنوات.
سيف الإسلام معمر القذافي، المولود في عام 1972 في باب العزيزية بطرابلس، خريج كلية الهندسة من "جامعة الفاتح" بطرابلس عام 1994، وحاصل على الماجستير من كلية الاقتصاد ب"جامعة إمادك" بالنمسا عام 1998.
وتثير شهادة الدكتوراه التي حصل عليها من كلية لندن للاقتصاد جدلا أكاديميا وقانونيا.
فقد كشفت أدلة جديدة أن سيف الإسلام سرق أطروحته التي نال بها شهادة الدكتوراه في كلية "لندن للاقتصاد"، وتبين من خلال تلك الأدلة، التي أوردتها صحيفة " إندبندنت" البريطانية أن أكاديميا ليبيا ساعد سيف الإسلام في صياغة رسالته وتمت مكافأته لاحقا بأن عين سفيرا بإحدى الدول الأوروبية.
وتقول "أون صنداي" إن مجلس إدارة هذه الكلية واجه مزاعم بإذعانها لضغوط مورست عليها وقبول تسجيل قريب لأحد مساعدي الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون للدراسة بها.
وذكرت الصحيفة أن "كلية لندن" حققت في الاتهامات الموجهة لها بالانتحال وبقبول تمويلات ليبية مشبوهة، وتنقل الصحيفة عن الأستاذ بـ"جامعة قاريونس" ببنغازي أبو بكر بعيرة قوله إن نجل القذافي جند الأكاديميين الليبيين لكتابة أطروحته المنتحلة.
وخلال اندلاع الثورة في ليبيا، نشط سيف الإسلام بشكل كبير في شباط/فبراير عام 2011 في محاولة لإنقاذ نظام والده، وظهر على شاشات التلفزيون الليبي أكثر من مرة، حيث دافع عن والده وانتقد الثوار الذين وصفهم بـ"العملاء" و"الخونة".
مما دفع المحكمة الدولية لإصدار مذكرات اعتقال بحق معمر القذافي وسيف الإسلام ورئيس المخابرات الليبية عبد الله السنوسي، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وقضت محكمة الاستئناف في طرابلس في تموز/ يوليو عام 2015 بإعدام رئيس المخابرات السنوسي ورئيس الوزراء السابق البغدادي المحمودي وسيف الإسلام القذافي رميا بالرصاص.
وكانت التهم التي وجهت إليهم تتضمن التحريض على إثارة الحرب الأهلية، الإبادة الجماعية، إساءة استخدام السلطة، إصدار أوامر بقتل المتظاهرين، الإضرار بالمال العام، وجلب مرتزقة لقمع الثورة.
وعاد
سيف الإسلام القذافي ليظهر من جديد عقب إعلان "كتيبة أبوبكر الصديق" المكلفة بحراسة سيف الإسلام المعتقل بمقرها منذ عام 2011، الإفراج عنه ومغادرته الزنتان نحو وجهة غير معلومة.
وأكد قائد الكتيبة العجمي العتيري في حسابه على "فيسبوك" خبر إطلاق سراح سيف الإسلام: "تطبيقا لقانون العفو العام"، معلنا أنه " يتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا الإجراء أمام القانون".
الأمر الذي دفع المحكمة الجنائية الدولية إلى الطلب لاعتقال سيف الإسلام أو تسليم نفسه، وطالبت مدعية محكمة جرائم الحرب فاتو بنسودا، في بيان، ليبيا ودول أخرى لاعتقال سيف الإسلام.
وكان محامي سيف الإسلام قد قال إن موكله أفرج عنه من السجن بموجب قانون عفو صدق عليه البرلمان في بلدة الزنتان الشرقية، حيث كان معتقلا.
وكان قد صدر عفوا عام من قبل الحكومة في شرق البلاد، غير المعترف بها دوليا، لكن حكومة الوفاق الوطني الليبية سارعت في وقتها إلى التشديد على أن "هذا العفو لا يمكن تطبيقه على أشخاص متهمين بجرائم ضد الإنسانية مثل سيف الإسلام القذافي، الذي كانت صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية وحكمت محكمة في طرابلس عليه بالإعدام".
ولا تزال مسألة إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي غير واضحة تماما، ولا توجد خيارات كثيرة أمام نجل القذافي سيف الإسلام يلجأ إليها داخل ليبيا، وربما حتى خارجها بسبب الظروف الأمنية والسياسية المتدهورة للغاية في مختلف أرجاء البلاد، وأيضا بسبب مذكرة الاعتقال الصادرة بحقه من قبل المحكمة الدولية.
ويمكن له، وفقا لمطلعين على الشأن الليبي، أن يلجأ إلى مكان واحد داخل ليبيا قد يوفر له قدرا لا بأس به من الأمان، وهو مدينة البيضاء معقل أخواله من قبيلة البراعصة في الشرق.
كما يمكن لنجل القذافي الذي يحظى نسبيا بشعبية معقولة بين مواطنيه خاصة بعد المآلات المأساوية والأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية المتردية ما بعد الإطاحة بنظام القذافي الأب، أن يلجأ إلى مدينة أوباري التي يتخذها القائد العسكري علي كنه معقلا له، وحيث شكل وحدات من القوات المسلحة السابقة استعدادا للعب دور مستقبلي.
إلا أن الاحتمال الأخير ضعيف وغير مأمون مقارنة باللجوء إلى مدينة البيضاء شرقا، أو بن وليد إلى الشرق من طرابلس، أو إلى سبها جنوب غرب البلاد.
وقد تكون رحلته إلى مدينة البيضاء استراحة قصيرة قبل السفر إلى مصر، حيث يقيم معظم أفراد عائلته بما في ذلك والدته.
يذكر أن عائلة القذافي أعلنت أخيرا دعمها للجنرال خليفة حفتر، مبدية رغبتها في العودة إلى البلاد في حال نجح حفتر في الوصول إلى الحكم، وهو ما دعا بعض المراقبين للحديث عن وجود
صفقة بين الطرفين لتقاسم السلطة في المستقبل.
وحتى الساعة لم يطلب سيف الإسلام اللجوء إلى أي بلد، مشيرا إلى أنه لا يستطيع الخروج من ليبيا كونه ما زال مطلوبا لدى المحكمة الجنائية الدولية.
كما يتوقع على نطاق واسع بين المراقبين حدوث خلاف قريب بين سيف الإسلام والجنرال خليفة حفتر وخاصة في حال استطاع القذافي تجميع عدد من القبائل الليبية حوله، مما يثير سؤالا خطيرا حقيقة عن دوره في حماية البلاد من التقسيم مستقبلا.
وتقول تحليلات صحفية إن الإفراج عن نجل الزعيم الليبي هو "توسيع" لمجال حركته فقط أي أنه يشبه إلى حد كبير الإقامة الجبرية، فهو تم وفق قانون العفو الصادر بحقه داخل ليبيا فقط ولذلك فهو مسموح له التحرك داخل بلاده (ضمن حراسة مشددة لحمايته) وممارسة نشاطه كأي مواطن ليبي، ولكنه لا يمكن حاليا المغادرة إلى أي بلد آخر، وتشير مصادر إلى زيارة سفيرة فرنسا في ليبيا إلى مدينة الزنتان وتحركات داخل الأطراف الليبية قبل قرار الإفراج عنه، في إشارة إلى وجود صفقة ما خلف إطلاقه.
ويقول المحلل السياسي الليبي وليد ارتيمة، إن إطلاق سراح القذافي هو "تتويج لجهود الثورة المضادة التي تقودها مصر والإمارات في ليبيا"، مشيرا إلى أن كتيبة "أبو بكر الصديق" معروفة بولائها لـ"عملية الكرامة"، التي يقودها اللواء خليفة حفتر المدعوم من القاهرة وأبوظبي.
وأضاف ارتيمة أن إطلاق سراح القذافي سيسحب من رصيد حفتر، مبينا أن "كثيرين من أنصار النظام السابق سيفضلون العمل مع نجل العقيد القذافي، حيث إن بعضهم ينظر إلى اللواء المتقاعد على أنه خائن للعقيد الراحل معمر القذافي".
ويُتهم الإسلاميون في طرابلس بالسعي إلى الحصول على سيف الإسلام وإبقائه تحت سيطرتهم، لإسكات صوته، بالنظر إلى أنه كان المشرف على تسوية ملفهم مع نظام والده في العقد الماضي، فيما تربطه شبكة علاقات ومصالح معقدة مع أنظمة في دول كبرى لا تزال تحتفظ بملفات مقفلة محملة بأسرار حادثة لوكيربي، وتمويل حملات انتخابات رؤساء، أبرزهم الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، وحادثة "طائرة يو تي إي".
وتشير كافة المؤشرات إلى أن جميع الأطراف لديها مصلحة مع سيف الإسلام الذي يبدو كما لو كان "خزان إسرار" أو غابة سوداء من الأسرار، وقد يعاد سيناريو اعتقال والده من جديد، أو سيناريو مقتله في ظروف غامضة، أو تهريبه خارج ليبيا إلى مصر لاستثمار ورقة تمويل والده الكثير من الشخصيات والدول والملفات.
لكن المؤكد أن تحالفه مع حفتر ليس أكثر من سحابة صيف فكلاهما طامعان وطامحان بالسلطة.