يتبنى التيار اليهودي
الإصلاحي الأكثر شيوعا بين اليهود في العالم توجها متحديا للتيار اليهودي الأرثوذكسي المسيطر في "إسرائيل"، ولا أحد يدرك كيف سينتهي هذا
الصراع الداخلي الحاد.
معارضة كبيرة
"كانت أعمال اليهودي متأثرة دائما ببيئته"، هكذا افتتح ديفيد ولفسون كتابه "الحركة الإصلاحية
اليهودية"، وهذا المدخل للكتاب يمثل السبب الرئيسي للثورة في أوساط التيار الإصلاحي اليهودي، الذي يعتقد أن اليهودية يجب أن تتغير وفق البيئة.
وبحسب موقع "المصدر" الإسرائيلي، فإن "أتباع التيار الإصلاحي اليهودي، يعتقدون أن على اليهود قبول التأثيرات الخارجية، وهي الفكرة التي تثير معارضة كبيرة في أوساط اليهود في إسرائيل"، مشيرا إلى أنه "ليس صدفة أن معظم الأدبيات المكتوبة حول التيار الإصلاحي هي باللغة الإنجليزية وليست بالعبرية".
ووفق استطلاع لمركز "بيو" للأبحاث، فمنذ عام 2013، "يتماهى معظم اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل مع مبادئ التيار الإصلاحي الذي يسيطر بشكل خاص في أمريكا الشمالية، كندا، وسائر الدول الأوروبية".
وفي "إسرائيل"، التي تعرّف نفسها كدولة يهودية، فإن التيار الإصلاحي الذي بدأ يكتسب زخما منذ القرن الماضي ما زال يشكل أقلية فيها، في حين يُدعى التيار اليهودي المركزي في "إسرائيل" بالتيار "الأرثوذكسي" الذي لا يعترف معظم أتباعه بشرعية التفسيرات الإصلاحية لليهودية.
وتشهد على ذلك تصريحات الحاخام الرئيسي في "إسرائيل" سابقا، الحاخام شلومو عامر، حين قال: "من يسعى إلى تغيير الترتيبات المعمول بها يدنس المقدسات، حيث يخالف الإصلاحيون مبدأ وجودنا، وهم مخطئون، ويوقعون آخرين في الخطأ"، وفق "المصدر".
الصلاة والعزف
وحول تفسيرات اليهود الإصلاحيين لليهودية، والتي تثير غضبا عارما في أوساط الأرثوذكسيين، أوضح الموقع، أن "الشريعة اليهودية تشكل مركز الجدل؛ فالتيار الإصلاحي لا ينظر إليها بصفتها منظومة ملزمة تتضمن قواعد وقوانين حظر، بل على الأكثر كمصدر إلهام".
كما أنه في وسع التيار الإصلاحي الفردي أن "يقرر لنفسه أي وصايا يتماهى معها ويرغب في العمل بموجبها أو لا"، والحاخام في التيار الأرثوذكسي، يعتبر "الصلاحية الدينية الوحيدة التي تحدد ما هو مسموح أو غير مسموح، في حال وجود شك وليس في وسع اليهودية توفير إجابات واضحة، وأما إذا كانت الشريعة اليهودية واضحة في تلك الحالات فعلى الأرثوذكسيين العمل بموجبها".
ولفت "المصدر" إلى أن حاخاميين إصلاحيين، "يفصلون بين الإيمان والروحانية الدينية، وبين الطقوس والقوانين الدينية؛ فهم يعتقدون أن الإيمان هو أساس الدين الحقيقي، أما طقوس الشريعة اليهودية وقوانينها فهي أقل أهمية، بحيث لم تعد في وقتنا هذا ملائمة ويجب تحديثها".
فمثلا، في الصلاة في أيام السبت، تشغل الكنس اليهودية التابعة للحركة الإصلاحية معدات كهربائية مثل الميكروفونات ومكبّرات الصوت، ويصل اليهود إلى الكنيس بواسطة سيارتهم، ويسمح عندهم بأن يرافق العزف على القيثارة، البيانو، وغيرها الصلاة، لكن في المقابل، وفق الشريعة اليهودية تعتبر الأنشطة سابقة الذكر "خطيئة وتدنيس يوم السبت".
الزواج المختلط
ويسود جدل حاد بين التيار الإصلاحي والأرثوذكسي، "فلا تسمح الشريعة اليهودية لرجل أو امرأة أن يتزوجا من غير اليهود، وتحظر الزواج المختلط، ويعارض الأرثوذكسيون هذا النوع من الزواج، وفي المقابل، تعتبر "الجاليات اليهودية الإصلاحية أكثر تسامحا حول الزواج المختلط، وتسمح بأن يعيش الزوجان غير اليهوديين في أوساطها".
وفي السياق ذاته، أكد الموقع، أن "هناك عدة مبادئ لدى الإصلاحيين لا يتنازلون عنها أبدا، ومن بينها المساواة بين النساء والرجال"، موضحا أن التيار الإصلاحي اليهودي الذي يعتبر الأرثوذكسي قديما، "يسمح للنساء بتأدية وظائف يؤديها الرجال، ويسمح بأن تكون النساء حاخاميات؛ تدير الصلاة، وتجري مراسم زواج، وغيرها".
وتحظى أفكار التيار الإصلاحي "بتأييد كبير في أوساط يهود الغرب، فهو يسمح بملاءمة نمط الحياة اليهودي مع نمط الحياة الغربي المعاصر"، بحسب "المصدر"، الذي لفت إلى أن "معظم اليهود في إسرائيل، الذين يؤمنون بالتيار الأرثوذكسي، يعتقدون أن التيار الإصلاحي يشكل خطرا وجوديا يهدد باختفاء اليهودية".
ويعتقد التيار اليهودي الأرثوذكسي أن "الانخراط في أوساط البيئة الغريبة قد يؤدي إلى انقراض اليهود".
وتساءل "المصدر" الإسرائيلي، "هل مخاوف التيار الأرثوذكسي صادقة؟ وهل يؤدي التيار الإصلاحي إلى نقص عدد اليهود؟ أم أنهم يسمحون للكثير من اليهود بالتقارب مع اليهودية بطريقتهم الخاصة وينقذونهم من الاختفاء التام في بيئة غريبة؟"، مضيفا: ستخبرنا الأيام".
وفي هذه الأثناء، يبدو أن الجدال المستعر بين اليهود الإصلاحيين والأرثوذكسيين، "سينفجر ثانية بقوة كل بضع سنوات، وليس في وسعنا معرفة هل ستزداد هذه الجدالات، وهل ستؤدي إلى انقسام اليهود في العالم، أو أن كلا التيارين المتناقضين سيجد طريقة للعيش معا" وفق تقرير "المرصد"..