تطفو قضية اللاجئين السوريين في
لبنان إلى واجهة الاهتمام الرسمي اللبناني، في ظل تواتر المعلومات عن مخططات تمّ التوافق عليها بين التيار الوطني الحر وهو تيار رئيس الجمهورية
ميشال عون، وحزب الله، وحلفائهم، لتفكيك العديد من مخيمات اللجوء السوري وترحيل الفارين من العنف في
سوريا إلى بلادهم بالتوافق مع النظام.
وتتضارب المعطيات عن أعداد اللاجئين السوريين، فيما تشير مصادر إلى أن عددهم تجاوز المليون ونصف المليون وفق إحصاءات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وجمعيات عاملة في المجال الإغاثي.
هاجس الترحيل
وتبدو التخوفات كبيرة بالنسبة لكثير من السوريين في لبنان لجهة احتمال ترحيلهم، وهو ما يعني وقوع أعداد كبيرة منهم في قبضة النظام، كما قال السوري ن- س بأن "عودته وعائلته إلى حلب تعني السجن أو القتل، كوني من الذين عبّروا عن تأييدهم للثورة السورية منذ نشوبها".
وأضاف في تصريحات لـ"
عربي21": "الضمانات لن تفيدنا، وحتى وإن تحققت فلا مكان نأوي إليه، فمنزلي مهدم، لا بل الحي بأكمله".
ومن جهتها عبرت اللاجئة ع-ب عن المخاوف نفسها، وقالت لـ"
عربي21": "عائلتي تفتقد ثلاثة شبان أحدهم شقيقي إثر اعتقالهم من قبل النظام بسبب تقارير أمنية"، مضيفة: "هربنا من القهر والظلم ولإنقاذ أفراد العائلة".
ويتوزع اللاجئون السوريون على نحو ألفي مخيم، أغلبها عشوائي وصغير، وكان الجيش اللبناني شن عملية عسكرية قبل أيام على أحد مخيمات اللجوء في عرسال في البقاع، بالتزامن مع التهام النيران لمخيمين آخرين بالقرب من البلدة.
المفاوضات مع النظام
وحول الدعوات لإجراء مفاوضات رسمية من قبل لبنان مع النظام السوري بهدف إعادة اللاجئين إلى ديارهم، أعرب عضو هيئة علماء المسلمين في لبنان نبيل رحيم عن أسفه لذلك، وقال: "لا نؤيد هذه المفاوضات ولا الحديث مع النظام السوري، وندعو لإبقاء النازحين السوريين في لبنان لأنهم لم يتركوا بلادهم برغبة منهم، وإنّما بفعل المعارك التي دارت عندهم"، مشيرا إلى أن أغلبهم "افتقدوا لمنازلهم وممتلكاتهم وأعمالهم، فهم بالتالي منكوبون في وطنهم وأرزاقهم".
وحذر عبد الرحيم في تصريحات لـ"
عربي21" من إجبار اللاجئين السوريين على العودة تحت مظلة النظام، قائلا: "هناك خطورة كبيرة في أن يُقدم النظام السوري على اعتقالهم"، مطالبا: "بإبقائهم في لبنان حتى انقضاء الأزمة السورية"، بحسب تعبيره.
وعمّا إذا كان لبنان لا يحتمل ثقل الوجود السوري بهذا الحجم من الناحية الاقتصادية، قال: "السوريون يُنشطون الحركة الاقتصادية من خلال إنفاقهم لمبالغ المساعدات التي يتقاضونها من الأمم المتحدة والمؤسسات الإغاثية الدولية في لبنان، كما أنّهم يعززون أرباح شركات الهواتف والعديد من المؤسسات التابعة للدولة"، مشيرا إلى أن "وجودهم مفيد على عكس ما يشاع لغايات وأهداف سياسية لا علاقة لها بالمصلحة اللبنانية"، بحسب تعبيره.
وعن مخاوف توطينهم في لبنان، شدد رحيم على أن رغبة "النازحين من سوريا تكمن في العودة إلى ديارهم، ولكن بشكل سليم وآمن"، مؤكدا بأن "إثارة هذه الهواجس تستخدم لاستغلالها بهدف إجراء مفاوضات ترحيل اللاجئين عن لبنان وإعادة الخطاب الرسمي بين الدولة اللبنانية والنظام السوري"، على حد قوله.
واعتبر أن رئيس الحكومة سعد الحريري "يعرقل هذا المسعى لغاية الآن، ويرفض مبدأ التفاوض الرسمي مع نظام بشار الأسد".
منطق "المؤامرة"
وبالمقابل، يخالف الدكتور هاني سليمان عضو المنتدى القومي العربي هذا التوجه، داعيا إلى عودة اللاجئين إلى سوريا، وقال في تصريحات لـ"
عربي21": "العودة إلى سوريا الموطن الأصلي أفضل بكثير لهم من واقع اللجوء في لبنان"، مشيرا إلى أن "أوضاع اللاجئين السوريين مأساوية في لبنان"، محملا المسؤولية لما أسماهم "المتآمرين على سوريا والذين أسهموا في تخريبها وتهجير أهلها".
وأضاف: "السوريون في لبنان يكابدون معاناة تتسم بالقلق والإرهاق والعبث بأمنهم من قبل التنظيمات الإرهابية، يضاف إلى ذلك تورط أفراد منهم بتفجيرات على الأراضي اللبنانية".
ورأى أن تورط بعض اللاجئين السوريين في أعمال تفجيرية، "أثار تحفظات كثيرة على وجودهم، وبدلا من أن يكونوا محط ترحيب باتوا إشكالية في المشهد اللبناني"، بحسب تعبيره.
وعن صعوبة عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم المدمّرة، قال سليمان: "هناك أماكن كثيرة في سوريا تنعم بالأمان، ولا ضير من ذهاب اللاجئين السوريين ممن دمرت منازلهم إلى تلك الأماكن بشكل مؤقت بدلا من بقائهم خارج بلدهم".
وانتقد سليمان عدم مضي "الدولة اللبنانية في التفاوض مع النظام حول إعادة اللاجئين، على الرغم من أن سوريا دولة معترف بها وعضو في الجامعة العربية ولها وزنها في المنطقة"، على حد تعبيره.
ودعا إلى مفاوضات بين لبنان والنظام السوري برعاية الأمم المتحدة، قائلا: "إذا كنّا لا نريد التفاوض بشكل مباشر بسبب بعض المواقف المنحازة للمؤامرة على سوريا (في إشارة إلى الحريري)، بإمكانهم انتداب شخصية أمنية رفيعة إلى دمشق والتفاهم على آليات عودة النازحين".