منذ الاتفاق على إقامة مناطق تخفيف للتصعيد في
سوريا، التي تم إقرارها خلال محادثات أستانة في أيار/ مايو الماضي، بدأت الدول الضامنة والراعية للاتفاق (
تركيا - روسيا - إيران)، بالكشف عن الخطوط والاتفاقيات الموقع عليها والمتعلقة بالمناطق المشمولة بالاتفاق، وماهية السلطة التي ستكون في هذه المناطق.
ولعل تولي تركيا لمناطق المعارضة في الشمال السوري، وبخاصة في
إدلب وريفي حلب الشمالي والغربي، جعل آثار الاتفاقيات المبرمة تظهر بشكل أسرع، حيث شهدت الآونة الأخيرة حشودا عسكرية غير مسبوقة للجيش التركي على جانب الحدود قرب إدلب، تزامنا مع إطلاق دعوات لتسليم زمام الأمور في المدينة وريفها لهيئة مدنية لا علاقة لها بالعسكرة والسلاح، تكون تركيا الدولة الضامنة لتلك المحافظة مسؤولة عنه، الأمر الذي ردت عليه هيئة
تحرير الشام، التي تسيطر على غالبية كامل المدينة وقسم كبير من الريف، بالتهديد بمواجهة أية قوة أجنبية تدخل إدلب.
ويقول القيادي في حركة أحرار الشام، مصطفى جرجنازي، الذي تتقاسم حركته السيطرة على ريف إدلب: "منذ أن بدأ الحديث عن وجود نوايا تركية بالدخول إلى مدينة إدلب، بدأ العديد من الفعاليات الثقافية الثورية والعسكرية والمدنية؛ بتوجيه دعوات لتسليم إدلب وريفها لحكومة مدنية منتخبة من قبل الشعب أو مختارة من مجلس مشترك يضم الأطياف كافة الموجودة في إدلب".
اقرأ أيضا: استنفار كبير بإدلب.. وتحذيرات من اشتباك "الهيئة" و"الحركة"
وأضاف لـ"عربي21": "لعل أبرز تلك الدعوات وأغربها؛ كانت دعوة عضو مجلس شورى تحرير الشام، حسام أطرش، الشهر الماضي، الذي دعا الفصائل العسكرية العاملة في سوريا لحل نفسها والعمل تحت مظلة الحكومة المؤقتة، ما دفع قضاة الهيئة وشرعييها لطلب محاكمته وسجنه"، علما بأن الهيئة هي من أبرز الرافضين لفكرة إنهاء دور المحاكم الشرعية والقوى العسكرية في إدلب.
ولفت إلى أنه بدأت مؤخرا "بعض الشخصيات المحسوبة على المعارضة في إدلب؛ بالتوجه فعليا لإنشاء محاكم مدنية في المدينة وريفها، وقد تم طرح هذه الفكرة خلال اجتماع لقادة الفصائل في العاصمة التركية أنقرة قبل نحو أسبوعين، حيث طالب القادة الحكومة التركية بتفويض عدد من الشخصيات للمضي بخطوات حقيقية تفضي لتسليم المدينة لإدارة مدنية، مع إنشاء محاكم مدنية وعسكرية ودائرة سجل عقاري ومديرية للصحة وأخرى للتعليم، وإلحاق المؤسسات كافة بالحكومة المؤقتة، ووضع وزرائها أمام خطوات تنفيذية حقيقة للقيام بمهامهم الموكلة إليهم"، وفق قوله.
من جهته، أشار الناشط الإعلامي علي عز الدين، في حديث لـ"عربي 21"، إلى أبرز الصعوبات التي تواجه أو يمكن أن تواجه هذه العملية، لا سيما أن نار الصراع بين الفصائل المحسوبة على تركيا والفصائل الإسلامية الأخرى، كهيئة تحرير الشام وجيش السنة، قد بلغت أوجها مؤخرا.
وقال: "من أبرز العثرات التي ستواجه هذه الخطوة؛ هي هيئة تحرير الشام بحد ذاتها، فهي تعتبر أن تركيا علمانية كافرة، وجميع الفصائل التابعة لها مثلها، وعليه فهي لن تقبل بأي شكل من الأشكال بوجود مثل هذه الإدارة، وبالتالي وإن غامرت المعارضة بتسليم البلدات والمناطق التي تسيطر عليها في إدلب وريفها وريف حلب لإدارة مدنية، فسيكون العاملون في هذه الإدارة عرضة للاغتيالات والقتل أوالاختطاف وإثارة القلاقل في أبسط الأحوال"، على حد قوله.
وذكر أن "بعض قادة المعارضة يعتقدون أنه يمكن إيجاد حل مع تحرير الشام بهذا الخصوص، وهذا سيقع على عاتق تركيا أو على عاتق أحد فصائلها في المنطقة؛ للدخول في مفاوضات مباشرة مع الهيئة".
واوضح أنه "إذا أرادت المعارضة، ومن خلفها تركيا، تطبيق هذه الخطوة على أرض الواقع، فعليهم إيجاد مخرج لهم مع الهيئة وتقديم المقابل"، لافتا إلى أن نسبة كبيرة من السكان رحبت بفكرة إنشاء محاكم معترف بها من قبل الجميع ويخضع لها الجميع، فقد تعرض "سكان المناطق لانتهاكات من قبل الفصائل أو من إحدى الجهات المحسوبة عليها".
اقرأ أيضا: ما انعكاسات رفض "الشام" دخول قوات روسية وتركية إلى إدلب؟
وأوضح أن أهالي مدينة إدلب يعولون على الفصائل والحكومة المؤقتة (المنبثة عن الائتلاف الوطني السوري) لإنشاء المحاكم المستقلة.