مسلسل إذاعي واحد بدون إعلانات صنع ضجة في أمريكا. صوت أورسون ويلز القلق وبعض الصرخات المتصاعدة حوله نجحت في استدراج مليون إنسان إلى الشوارع في عام 1938.
تسجيل الحلقة مازال متاحا، ويمكنك سماع صوت أورسون ويلز القلق وهو يصف نيزكا يهبط من السماء ثم يقول بتردد أنه ليس نيزكا، بل هو أشبه بالإسطوانة، ثم يبدأ في وصف المخلوقات المريخية التي تهبط من الجسم الإسطواني، وأشعة الضوء التي تحول كل ما تلمسه إلى لهب وصرخات متقنة حوله.
في اليوم التالي، اعتذر أورسون ويلز، وفيما بعد، اتضح أن الأمر كله كان تجربة لتأثير وسائل الإعلام. كانت تجربة للسلاح الجديد، القوة الغاشمة المسماة الإعلام.
فيما بعد، نقل الأمريكيون تجربتهم للعسكر بعد انقلاب تموز/ يوليو 1952، وكانت تجربة صوت العرب التي رصدت الدراسات الأمريكية التحولات المذهلة التي تطرأ على مستمعيها كما ذكر المؤرخ الأمريكي هيو ويلفورد في كتابه (لعبة أمريكا الكبرى).
وللعسكر سجل حافل بالنجاحات في حربهم الإعلامية ضد الشعب، فقد تمرسوا وأجادوا قواعد اللعبة، وصاروا يلعبون وحدهم في ميدان لا يجاريهم فيه أحد، لولا ظهور وسائل الإعلام البديلة مثل مواقع التواصل الاجتماعي، التي خصمت كثيرا من رصيدهم، وأصابت بضاعتهم الإعلامية بالكساد.
ويمكننا القول دون مبالغة، إن أجهزة
العسكر في مباراة محمومة منذ سنوات الثورة (ازدادت أحداثها التهابا بعد الانقلاب) في مواجهة ذلك التطور الجديد، وأن مواقع التواصل سجلت أهدافا كثيرة في مرمى العسكر وأضرت كثيرا بسمعتهم، وأحدثت تصدعات في الصورة الذهنية التي بنوها منذ انقلاب تموز/ يوليو 1952.
غير أن أجهزة العسكر التي ظلت تتلقى الهزائم الإعلامية، بدأت تفيق شيئا فشيئا، واستطاعت أن تحرز هي الأخرى أهدافا في مرمى معسكر التغيير.
فالحملة الإعلانية التي دشنها الانقلاب في رمضان الماضي (المقللاتي والمطبلاتي) كانت احترافية إلى حد كبير، رغم أنني حين شاهدتها بعد أن لفتت نظري إليها إحدى صديقاتي، قدرت أنها لن تحدث الأثر الذي يرجوه العسكر.
ومع أن معظم انتصارات إعلام الانقلاب في الفترة الماضية، تمت عن طريق استدراج جزء من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي إلى الشاشة، إلا أنهم نجحوا في إطلاق حملات عدة ناجحة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كان آخرها موضوع (
الجرين برجر).
فجأة ومن لا مكان، ظهرت عشرات التغريدات والتدوينات عما يسمى بالـ"جرين برجر"، الذي يطلقه البعض على "الطعمية" أو الفلافل، وهي أحد أشهر الأطعمة في
مصر.
والحقيقة، أن فكرة "الجرين برجر" تبدو لي حملة الهاء ناجحة للغاية (والإلهاء بالمناسبة قد يكون إلهاء عن حدث بعينه، أو قد يكون موجة من التغييب لامتصاص آثار الإحباط العام).
ولا أحد يعرف من أطلق على الطعمية ذلك الاسم المستفز. لا أحد يعرف، وهو ما يرجح فكرة الحملة التي أطلقها جهاز ما من أجهزة العسكر، التي يبدو أنها بدأت تتعافى بعد أربعة سنوات، وبدأت تضبط نفسها على الموجة الذهنية والنفسية للجمهور المستهدف، وتنجح في مخاطبته والتأثير فيه.
وإذا تتبعت مصادر الحملة، لوجدت أن أول صحف الانقلاب هي أول من روج للـ"جرين برجر"، ورغم وضوح هذا، ستجد ربما الكثير من التغريدات التي انبرى أصحابها للدفاع عن وجبتهم الأثيرة في وجه تلك التسمية السخيفة.
لا يبدو لي أن أحدا يسمي الطعمية (جرين برجر) حتى ولو على سبيل التفرنج الممجوج. كل ما في الأمر أن هناك عددا من الملفات التي يجب إلهاء الناس عنها كزيادة الأسعار، وتصفيات الشباب التي تقوم بها داخلية الانقلاب، وصفقة القرن، فكان لابد من إحداث فقاعة لتمتص ردود الأفعال.