يرى مراقبون أن خطوات الحكومات
الإسرائيلية تجاه المسجد
الأقصى، والتي كان آخرها وضع بوابات الكترونية لفحص الداخلين إلى الحرم، مشابه للإجراءات الإسرائيلية في
الحرم الإبراهيمي في
الخليل، والتي أدت في النهاية إلى تقسيمه.
ويعد الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل من أقدم الأماكن الدينية، واكتسب هذه المكانة لأنه أقيم فوق مغارة يقال إن الأنبياء إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف عليهم السلام؛ دفنوا فيها.
وأقدم الاحتلال على تقسيم المسجد بين اليهود والمسلمين بعد المجزرة التي ارتكبها يهودي متطرف بحق المصلين المسلمين عام 1994، فرض على المسلمين قيودا عدة، من بينها منع الأذان أكثر من خمسين يوما في السنة مثل أيام السبت وأيام الأعياد اليهودية، كما يمنع أذان المغرب يوميا بدعوى تزامنه مع صلوات للمستوطنين في القسم المخصص لليهود.
واستولى اليهود على أكثر من 60 في المئة من مساحة الحرم الإبراهيمي منذ أن قسمته سلطات الاحتلال.
سياسة الأمر الواقع
وتوقع مدير السياحة والآثار في الخليل، أحمد الرجوب، أن يطبق الاحتلال سياسة الأمر الواقع التي فرضها على الحرم الإبراهيمي على المسجد الأقصى.
وأوضح في حديث لـ"عربي21" أن البوابات الموضوعة على أبواب الحرم الإبراهيمي وداخل مدينة الخليل؛ هي نفسها التي يحاول الاحتلال تطبيقها في المسجد الأقصى.
وأضاف الرجوب أن الاحتلال يسعى لـ"فرض أمر واقع على الأرض، كما تم له ذلك في الحرم الإبراهيمي الذي لم تسلط عليه الأضواء، عكس المسجد الأقصى الذي حظي باهتمام واسع، مما سمح بتوغل الاحتلال على المكان، وأقام غرفا أمنية على مداخل الحرم" الإبراهيمي.
وقال إن "الاحتلال من اللحظة الأولى يحاول أن يفرض واقعا مختلفا في الحرم الإبراهيمي، فبدأ مباشرة عام 1967 بأعمال تجريف حول الحرم، خاصة الدرج الرئيس الذي كان في فترة من الفترات لليهود، وعمل على عزله بشكل كامل، وتم تقسيم الحرم، وفرض وقائع مختلف، مستغلا الأحداث والظروف".
وفي وقت سابق، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) إدراج المدينة القديمة والمسجد الإبراهيمي في الخليل ضمن قائمة مواقع التراث العالمي، رغم الاعتراض على القرار من قبل الحكومة الإسرائيلية. كما وضع القرار الصادر عن إحدى لجان المنظمة؛ المدينة والمسجد على قائمة المواقع "المهددة".
ويضع تسجيل المدينة في هذه القائمة الخليل بين مدن التراث العالمي الخاضعة لمعايير الحماية الدولية، ما يلزم اليونيسكو بمراجعة الموقف هناك سنويا.
وقُسمت الخليل بين الفلسطينيين والإسرائيليين بموجب اتفاقية عقدت عام 1997؛ قضت بانسحاب إسرائيل من 80 في المئة من الأراضي في المدينة. وتقع المدينة القديمة والحرم الإبراهيمي في الجزء الذي لا يزال خاضعا للسيطرة الإسرائيلية.
وسبق ذلك، قرار آخر لليونيسكو مررته لجنة التراث العالمي بالمنظمة، أشار إلى إسرائيل باعتبارها "قوة احتلال" في المدينة القديمة بالقدس. وأدرج القرار المدينة القديمة وأسوارها في قائمة مواقع التراث العالمي المهددة، مطالبا السلطات الإسرائيلية بـ"التوقف عن "أنشطة دؤوبة تشمل التنقيب وحفر الأنفاق وغيرها من المشروعات"، ووصفها بأنها "غير قانونية وفقا للقانون الدولي".
بوابات الكترونية
بدوره، قال مدير الأوقاف في الخليل، إسماعيل أبو حلاوة، إن "قوات الاحتلال بدأت في عام 1994 بتركيب البوابات الالكترونية ووضع كاميرات في الحرم الإبراهيمي، ومن ثم تقسيمه لتسهيل السيطرة عليه، وهذا ما يفعله الاحتلال ويسعى إليه في المسجد الأقصى المبارك، متخذا من الحرم الإبراهيمي نموذجا".
إلا أنه نوه في حديث لـ"عربي21"؛ إلى أن الظروف الحالية اختلفت، من ناحية الفترة الزمنية والوعي لدى الناس، فقد حصل تغيرا كبيرا عن ما حصل عام 1994 (...) ما يقوم به الاحتلال هي خطوة ممنهجة يتبعها خطوات، وهذا ما خبرنا به الاحتلال سابقا، فهو يفرض الإجراءات بالحرم الإبراهيمي ثم يطبقها على المسجد الأقصى".
وبيّن أن الهدف مما تقوم به الحكومة الإسرائيلية، هو "إخضاع أجزاء من المسجد الأقصى واستباحة دخول المستوطنين، وذلك من خلال تشديد الخناق على المسجد الأقصى، وتحديد الدخول إليه، ومنع الوصول"، مستدركا بأن مثل هذه الإجراءات التي طبقت في الحرم الإبراهيمي أبطأت على نسبة المصلين في الحرم.
وقال: "أقول وبكل ألم إن الحرم الإبراهيمي بالصلوات الليلية يكون شبه خاوٍ، وذلك نتيجة الإجراءات الاحتلالية".
وحذر أبو حلاوة من أنه "إن نجح الاحتلال في تمرير موضوع الخليل، فباعتقادي أن المسجد الأقصى هو الحاضنة الأساسية لنا في فلسطين فهو قبلة المسلمين الأولى، وسيفشل مخططهم"، معتبرا أن "قرار علماء
القدس وفعالياتها كان صائبا بعدم الدخول عبر البوابات الالكترونية" للأقصى.
وفي سياق ذي صله، نوه أبو حلاوة إلى أن هناك "مخططا للاحتلال، سواء بالخليل أو بالقدس، لتهجير أهالي المدينتين وإحلال المستوطنين مكانهم، وهي خطوات متقدمة للاحتلال من اجل السيطرة على هذين المكانين المقدسين".
أما الباحث في شؤون القدس والاستيطان، عبد السلام عواد، فقال إن "تجربة الحرم الإبراهيمي تعتبر التجربة الأولى لتطبيقها على المسجد الأقصى، وسبق أن كان هنالك محاولة في البداية لتطبيقها على المسجد الأقصى وما زال السعي مستمرا".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"؛ أن "الاحتلال يسعى إلى تهويد المسجد الأقصى بشكل كامل لجعله لليهود والمستوطنين من خلال فرض الطابع اليهودي من خلال المباني والشوارع، والهدف الأساسي بناء الهيكل المزعوم مكان المسجد الأقصى".