أثار قرار وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) القاضي بإنهاء برنامجها الداعم لجماعات من المعارضة السورية تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء ذلك القرار.
ووفقا لما ذكرته صحيفة "واشنطن بوست" الأربعاء الماضي، فإن الوكالة قررت إنهاء برنامج دعمها لمجموعات من المعارضة السورية، الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق أوباما في عام 2013.
وأضافت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب اتخذ هذا القرار منذ نحو شهر بعد لقائه مدير السي أي إيه مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي الجنرال ريموند ماكماستر.
وفي قراءته للأسباب الكامنة خلف هذا القرار رأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية الأردنية جمال الشلبي أنه يأتي في إطار الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في عهد الرئيس ترامب، والتي أعلن عنها حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض.
وقال الشلبي لـ"
عربي21": "إن هذا القرار يدشن صفحة جديدة من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بالتعاون مع روسيا لإيجاد حل للأزمة السورية".
وأضاف: "أمريكا وروسيا متفقتان على مواجهة الإرهاب، خاصة تنظيم الدولة، حتى فرنسا غيرت سياساتها في عهد الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون، إذ لم تعد ترى أي مشكلة في بقاء الرئيس السوري بشار الأسد".
وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى وجود تحولات في السياسات الأمريكية المتعلقة بالشأن السوري، إضافة إلى تفكك المحور العربي المؤيد للمعارضة السورية المسلحة، كذلك فإن الموقف التركي بات أكثر قربا من الموقف الروسي.
وذكر الشلبي أن التخوفات الأمريكية من التوسع في تسليح المعارضة السورية كانت في محلها، لأن سلوك تلك الجماعات يشير إلى أن الاستمرار بمدها بالأسلحة، والتوسع في ذلك ليس مأمون العواقب.
ولفت الشلبي إلى أن الإدارة الأمريكية بعدما رأت التدخل الروسي المباشر، وتدخل حلفاء النظام السوري (إيران وحزب الله) اقتنعت بعدم جدوى المواجهة الطويلة، وهو ما أدّى إلى تراجع دور الدول الداعمة للمعارضة السورية، وبالتالي تفكك حلف الداعمين.
وردا على سؤال: هل اقتنعت أمريكا بفشل تعويلها على تلك المجموعات التي دعمتها؟ أجاب الشلبي: "نعم، أمريكا اقتنعت بأن تلك المجموعات لن تتمكن من تحقيق شيء يذكر على أرض الواقع".
من جهته أوضح الكاتب والباحث السوري، أحمد أبازيد أن المقصود ببرنامج
الدعم، برنامج السي أي إيه للدعم، والذي كان جزءا من غرفة الموم والموك التي تتكون من دول مجموعة أصدقاء
سوريا، ومن بينها قطر وتركيا والسعودية والأردن.
ووفقا للباحث السوري أبازيد فإن "دافع الرئيس الأمريكي في قراره هو تقديم هدية للروس، وإعطاؤهم مجالا أكبر للتحكم في المعادلة السورية".
وذكر أبازيد في حديثه لـ"
عربي21" أن "برنامج البنتاغون للتدريب ما زال فاعلا، وهو البرنامج الذي يقتصر على قتال تنظيم الدولة، ويحظر على المجموعات المشاركة فيه قتال النظام، وهي مجموعات قليلة من الجيش الحر، وغالب دعمه يذهب لحزب الاتحاد الديمقراطي (PDY).
وأضاف قائلا: "القرار يشكل ضغطا على الدول الأخرى الداعمة للفصائل السورية، لأنه يرفع الغطاء الأمريكي عن برنامج الدعم، ويعطي روسيا هيمنة أكبر في المعادلة السورية".
بدوره رأى الكاتب والباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد أبو فرحة أن برنامج الدعم الذي كلف أمريكا مبالغ ضخمة، لم يكن ليحقق لها مكاسب كبيرة، لأن الفصائل التي تعاملت معها لا تملك قوة على الأرض، في ظل وجود الفصائل الثورية والشريفة والإسلامية على حد وصفه.
وأضاف لـ"
عربي21": "كثير من الأفراد الذين دربتهم أمريكا، وتعبت عليهم، وخسرت على تدريبهم أموالا طائلة، التحقوا فيما بعد بفصائل المعارضة الثورية، وبعضهم التحق بتنظيم الدولة، وجبهة النصرة سابقا".
وأشار أبو فرحة إلى أن للقرار بعدا سياسيا آخر، وهو أن قوة الرئيس السوري وحلفائه على الأرض أصبحت أمرا واقعا، وهو ما يدفع إلى البحث عن حلول سياسية، والتي تتجه إلى تشكيل مناطق وأقاليم مستقلة، مع ضرورة وقف الحرب في سوريا.
وتابع الباحث في شؤون الحركات الإسلامية: "إضافة إلى أن هذا القرار يعد إشارة إيجابية لروسيا لتحسين العلاقات وتطويرها، وكأن أمريكا تنتظر من الروس خطوة مماثلة".
وفي السياق ذاته لم يجد الباحث في العلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، طارق دياب في القرار ما "يعبر عن تموضع جديد للموقف الأمريكي في الأزمة السورية، بل تعميق للتموضع القديم والثابت منذ انطلاق الأزمة السورية، وظهور تنظيم الدولة".
وتابع الباحث المصري قوله: "وهو موافقة أمريكا على بقاء بشار الأسد في السلطة، وإعطاء الأولوية لمحاربة تنظيم الدولة، ومن ثم هناك ملحوظتان هامتان، الأولى إن كان القرار أمريكيا منفردا، وليس في إطار صفقة مع الجانب الروسي، فسيكون خطأً استراتيجيا كبيرا، تفقد به أمريكا ورقة ضغط كبيرة في مواجهة الروس والإيرانيين".
أما الملاحظة الثانية طبقا لدياب، فهي "أن هذا القرار يأتي مع قرب تحرير الرقة آخر معاقل تنظيم الدولة الرئيسية في سوريا، وهو ما يعطي دلالة بأن الموقف الأمريكي من مصير بشار الأسد حتى بعد تحرير سوريا من التنظيم، وهو الموافقة على بقائه، ولن يكون لأمريكا أي جهود عسكرية لإسقاطه".
وردا على سؤال "
عربي21" حول تداعيات هذا القرار، قال دياب: "إن تداعيات هذا القرار ودلالته السياسية تفوق نظيرتها العسكرية الميدانية، خاصة وأن الدعم العسكري الذي كانت تقدمه أمريكا لتلك الجماعات لم يكن دعما نوعيا كبيرا من أجل إسقاط النظام، وإنما كان دعما تكتيكيا خفيفا، بقصد إحداث التوازن في الداخل السوري، بما يضمن استمرار الأزمة وإنهاك جميع الأطراف".
وأوضح دياب أن قرار وقف الدعم لن يمثل تحولا نوعيا في موازين القوى على الأرض، بل سيكون له تداعيات سياسية، أهمها: تصميم أمريكا على موقفها القاضي ببقاء نظام الأسد، حتى في مرحلة ما بعد تحرير سوريا من تنظيم الدولة، على حد قوله.
وبحسب دياب فإن موافقة أمريكا على بقاء بشار الأسد في السلطة، تعد في حد ذاتها ضربة سياسية للمعارضة السورية المعتدلة، التي انتعشت آمالها بعد الضربة العسكرية الأمريكية لمطار الشعيرات.