من المؤكد أن عملية القتل التي وقعت مساء الاثنين في محيط السفارة الإسرائيلية بالعاصمة عمّان عقدّت العلاقات الأردنية الإسرائيلية أكثر، ليس لأن الضحايا أردنيون والقاتل إسرائيلي فحسب، بل لأن العقيدة الإسرائيلية تعتبر أي إسرائيلي له الحق في قتل أي إنسان بذريعة الدفاع عن النفس، أكان على أبواب الأقصى أو على شاطئ يافا أو في حي الرابية حيث السفارة الإسرائيلية بعمان.
وحتى اللحظة، صباح الثلاثاء، فإن السلطات الأمنية الأردنية ترفض السماح لطاقم السفارة بمغادرة الأردن، ووجوب إخضاع القاتل للتحقيق، وهو مساعد رئيس حرس السفارة، حيث لجأ للسفارة، ثم المشفى، بعد أن أطلق النار على الشاب محمد الجواوودة وكذلك الطبيب بشار حمارنة وهو صاحب العمارة، فيما تصرّ السلطات الإسرائيلية على ترحيله بذريعة حصانته الدبلوماسية.
تعتمد الحكومة الإسرائيلية على قرارها بعدم تسليم القاتل الدبلوماسي على معاهدة فيينا التي تعتبر أن حراس السفارات محصنون بالحصانة الدبلوماسية حتى ولو كانوا قتلة ولصوص، ولكنها لا تعتمد هذه المعايير مع العرب حينما تقرر اغتيال أو قتل أي منهم جماعات أو فرادى، بل لا تضع أي اعتبار للمعاهدات الدولية ولا الاتفاقيات الثنائية حينما تكون مصلحتها في خرق كل القواعد والأعراف والمواثيق القانونية والدبلوماسية وكلام الشرف الذي لا يعترف به أي من حكام إسرائيل على مرّ الزمن، فهم يصافحون باليد اليمنى ويطعنون باليد اليسرى، ليس مع من يصنفونهم أعداء، بل حتى مع حلفائهم وأصدقائهم في الغرب الذي يغدق عليهم من الأموال والدعم العسكري والسياسي.
حادثة عمّان، رغم تفاصيلها المشوشة واعتماد الرواية الأولية، هي دليل جديد على أن الحكومة الإسرائيلية بقيادة الليكود ورئيسها بنيامين نتنياهو لا يمكن الوثوق بهم، وهم غير مؤتمنين على السلم العالمي، فالجنود الإسرائيليون استمرأوا قتل الفتيات والأطفال الصغار في باحات القدس ومجرد رؤيتهم بتلك الهيئة الحربية تكفي لإثبات روحهم القتالية وكأنهم في حرب الأدغال، حيث لا قانون ولا أخلاق، فقط الرصاص الحي يعرف طريقه إلى الرؤوس والصدور العارية.
حادثة السفارة الإسرائيلية بالرابية في عمان تعيد الأذهان إلى عملية اغتيال خالد مشعل بعمان، يومها تم رشه بمادة سامة قاتلة تدريجيا، وما هي إلا دقائق حتى تم إلقاء القبض على العميل الإسرائيلي وآخر معه كانا يهمان بالهرب إلى مبنى السفارة أيضا، ولكن التصعيد في القضية وصل إلى أوجه، وهدد الملك الراحل الحسين بن طلال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو الجديد في السلطة آنذاك، بأن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية معلقة بحياة مشعل، حيث أُجبر نتنياهو بمساعدة الرئيس الأمريكي بيل كلنتون للخضوع للطلب الأردني، فوصل الترياق المضاد لعمان على وجه السرعة.
الأردن لم يكتف بإنقاذ حياة خالد مشعل فحسب، بل عزز من شروط تفاوضه مع الحكومة الإسرائيلية حدا لم يقبله نتنياهو إلا بالإجبار، فالأردن وبطلب مباشر من الملك الحسين أجبر الإسرائيليين على الإفراج عن قائد حركة حماس ومؤسسها الشيخ الشهيد أحمد ياسين الذي كان في اعتقال مفتوح، وجاءت به مروحية عسكرية أردنية، حيث استقبله الملك الحسين وطاقم الحكومة على مهبط مستشفى المدينة الطبية، وأدخل للعلاج المكثف، وبعدها فهم الإسرائيليون أنهم لا يمكن أن يعبثوا مع الأردن كما يشاءون.
للأسف بعد السنوات العجاف في العالم العربي، أصبح نتنياهو اليوم هو شرطي العالم العربي، ويعطي الأوامر بالمنع والمنح لمن يريده ومن لا يريده عبر سلطته في واشنطن والعواصم الكبرى، وهو لا يزال متعنتا بما يخص إغلاق المسجد الأقصى بسبب وضع البوابات الإلكترونية التي يعتبرها الفلسطينيين والعرب اعترافا غير مباشر بسلطة إسرائيل على المسجد الأقصى، فيما الحكومات العربية لا تستطيع اتخاذ قرار بعقد اجتماع لوزراء الخارجية، ولتفعل إسرائيل ما تشاء.