هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ينتظر العالم -بكل أطيافه- أصحاب القلوب الرحيمة وأصحاب القلوب اللئيمة،
حتى تقع المصيبة الكبرى لأي شعب أو فئة أو طائفة من الشعوب، خصوصا المسلمين، ثم تبدأ
تتصاعد أصوات العطف وقوافل المساعدات وحملات التبرعات، وتفيض الدموع، التي تساعد أصحابها
للتنفيس عن مشاكلهم النفسية، تعبيرا عن أحاسيسهم الرقيقة تجاه مشاهد البلاء والجلّاء
الذي يتعرض له المضطهدين واللاجئين العرب والمسلمين حول العالم، لتتبعهم منظمات الإغاثة
التي تعلن عن كميات المساعدات الغذائية والطبية لضحايا الحروب أو الانتهاكات، ثم بعد
أشهر يبدأ الاهتمام يفقد زخمه حتى يتلاشى تماما، فينسى العالم كل ضحايا الأمة العربية
والإسلامية كما نسي التاريخ شعوب إفريقيا المستعبدين.
كان الشعب الفلسطيني -ولا يزال- أكبر مثال حي لتلك المصيبة، ثم تلاحقت
النكبات والمصائب إلى اليوم، حيث شعب الروهينجا في آراكان المسلمة التي استطاع البوذيون
من اقتلاع شجرتهم وتدمير قراهم وإحراق منازلهم وقذفهم إلى مخيمات اللجوء في إندونيسيا
وجوارها، ويشمل ذلك الشعب السوري المشرد خارج وداخل الوطن الأم سوريا التي كانت حتى
الأمس إحدى جنات الأرض العربية، ثم ها هو زخم الأزمة يتلاشى، والنظام يتعاظم دوره،
فيما الشعب البائس ما زال يعاني، وتقطعت قوافل المساعدات عن مخيمات اللاجئين في دول
الجوار وداخل سوريا.
قبل عشرين عاما كان العالم شاهدا على أكبر مجازر للقيادات البربرية الأوروبية،
بتواطؤ دول على رأسها فرنسا، ضد شعب البوسنه والهرسك وقبلهم ألبانيا، حين تم دفن ثمانية
آلاف إنسان في يوم واحد في سبرينيتشا، وقتل من مسلمي البلقان ما يزيد على ثلاثمائة
ألف إنسان، في أسوأ تطهير عرقي على أسس دينية شهدته أوروبا في العصر الحديث، ومع هذا
لا يزال العالم العربي والعالمي يصمت على الجرائم الكبرى التي ترتكب ضد المسلمين، إذ
يتركون الكوارث تحلّ بالبشر، وبعد أن يقتلّوا أو يهجروا تبدأ حملات الإغاثة، وكأنهم
يتعاملون مع حيوانات الغابة التي داهمتها حمم البراكين.
إن معالجة الظروف التي تسبق وقوع المآسي والمشاكل التي تنتج عنها عمليات
التهجير واللجوء والقتل هي الأهم؛ ولهذا يجب أن تتوفر القوة الحقيقية لدى دول العالم
الإسلامي لمنع وقوع أي قلاقل أو حروب داخلية يكون فيها المدنيين هدفا سهلا للجيوش والقوى
الأمنية والعصابات الطائفية أو العنصرية السياسية، فأكثر ما شهدناه وعرفناه في التاريخ
من عمليات التهجير والقتل على الهوية السياسية أو الدينية لا يستغرق حدوثها سوى أيام
أو أشهر قليلة، حتى يبدأ آلاف البشر في النزوح أو اللجوء، وبعدها ينتظر أولئك المشردين
سنوات طويلة لمعالجة أوضاعهم، أو انتظار حل سياسي لما يحدث في بلادهم، وهذا هي المؤامرة
بعينها ضد الأبرياء.
إن على العالم العربي ممثلا بما تبقى من دوله وأنظمته أن تفصل فصلا بائنا
ما بين خلافات الأنظمة السياسية والتجاذبات المعاقة ما بين القيادات الحاكمة وما بين
المدنيين الذين لا حول لهم ولا طول، وأي مشكلة سياسية يجب أن تحل بالأدوات السلمية
والمفاوضات المباشرة دون وسطاء من دول ترتع في حقول خلافاتنا لتمتلئ خزائن شركاتها
بأموالنا، لأنهم يعلمون تماما كيف يصنعون الخلافات وكيف يشعلون الحروب ومتى يطفئونها
بعد خراب الديار.
إن ما نشهده من جرائم بربرية ضد المسلمين دون غيرهم من الأديان والأعراق
في أصقاع الأرض، أكان من أبناء جلدتهم أو من الأعراق والإثنيات الأخرى، وما يتبعه من
تشريد ولجوء، لترتفع أصوات المنظمات الحقوقية العالمية متأخرة، وتتبعها منظمات الإغاثة،
دون أي حل لمشكلتهم أو عقاب حقيقي للأنظمة والجيوش التي تذبحهم، تشي بأن هناك تواطؤا
عالميا، وكأنهم يقولون للمجرمين: اقتلوا المسلمين، شردوهم، ونحن نتكفل بالغذاء والدواء
لهم واحتضان أطفالهم في النهاية.
الشرق القطرية