انتشرت جرائم
العنف والقتل وحوادث العنف الأسري بشكل كبير في
مصر في السنوات الأخيرة بشكل بات يهدد المجتمع، وأصاب الرأي العام بالصدمة، بحسب مراقبين.
ولا يكاد يمر يوم دون أن يسقط عشرات القتلى والمصابين في مشاجرات ومعارك تندلع لأسباب بسيطة، مثل الخلافات العائلية أو مشاكل الجيرة أو لعب الأطفال، ويطالع المصريون تفاصيلها البشعة على وسائل الإعلام، أو يشاهدون مقاطع فيديو وصورا لها على مواقع التواصل الاجتماعي.
واللافت للنظر أن الغالبية العظمى من حوادث العنف والقتل هذه يرتكبها أشخاص عاديون لم يسبق لهم ارتكاب جرائم من قبل، وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول الأسباب التي تشكل ضغطا على المصريين، وتجعلهم يرتكبون جرائم بشعة عندما يتعرضون لأي استفزاز بسيط أو مشكلة عادية.
النظام يخفي الحقيقة
وترفض المؤسسات الرسمية في مصر نشر بيانات وإحصائيات دقيقة عن معدل انتشار الجريمة والعنف، وتعتبره من أسرار الأمن القومي، مبررة ذلك بأن نشر هذه الإحصائيات يمكن أن يهدد الاستقرار أو يضر بقطاعات السياحة والاستثمار.
وفي نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، صدر التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي، الذي يتضمن
جرائم القتل والسطو والسرقة والاغتصاب وغيرها من أشكال الجريمة، وضم التصنيف 117 دولة حول العالم، واحتلت مصر المرتبة 28 على مستوى العالم، والثالثة عربيا في انتشار الجريمة والعنف.
وأعلنت أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية، إنشاد عز الدين، أن مصر تشهد جريمة عنف كل 5 ثوان تقريبا، مؤكدة أن المجتمع يشهد تشوهات طبقية اجتماعية أسهمت في شحن الأجواء العامة وزيادة الميل نحو العنف.
وأضاف عز الدين، في تصريحات لصحيفة "فيتو" الأسبوع الماضي، أن التراجع الاقتصادي وتفاقم الفقر والبطالة يوفر بيئة خصبة لانتشار الجريمة، لافتة إلى أن عدم تحقيق العدالة الاجتماعية يعدّ من أسباب العنف في المجتمع.
العنف والعنف المضاد
ويقول خبراء إن الدافع الأكبر لارتفاع معدلات الجريمة هو الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فيما ذهب آخرون إلى أن انشغال السلطة الحاكمة -خاصة أجهزة الأمن- بملاحقة النشطاء والسياسيين، وإهمال الأمن الجنائي، أدى إلى تزايد جرائم القتل والعنف.
وفي هذا الإطار، أكد أستاذ علم الاجتماع سعيد صادق أن أهم أسباب تزايد جرائم العنف المجتمعي خلال السنوات الأخيرة هو العنف والعنف المضاد بين الجهات الأمنية والجماعات المسلحة، مشيرا إلى أن غياب الاستراتيجية المتكاملة لمكافحة العنف والإرهاب يعني الاستمرار في دائرة مغلقة من انتشار جرائم العنف والقتل.
وتابع صادق، في تصريحات لصحيفة البديل يوم الأربعاء الماضي، أن الدولة إذا كانت جادة في الحد من تفاقم ظاهرة العنف فعليها تحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية في المجتمع، ومواجهة المخدرات وانتشار السلاح بين المواطنين، خاصة الشباب.
انعكاس لسياسيات النظام
أستاذ علم الاجتماع، ثريا عبد الجواد، قالت إن المجتمع المصري يعيش في السنوات الست الأخيرة أسوأ حالاته الاجتماعية التي لم يشهد لها مثيلا من قبل، وهي ما أثرت على المصريين وجعلتهم أكثر عنفا.
وأضافت عبد الجواد، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن هذه الحالة الاجتماعية المتردية هي نتاج الانفلات الأخلاقي والتفكك الأسري وتزايد معدلات الطلاق بصورة كبيرة، مشيرة إلى أن هذه الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها البلاد تؤثر على الوضع الاجتماعي من خلال القرارات التي يتخذها النظام وتنعكس على المجتمع.
وأوضحت أن الأوضاع الاقتصادية السيئة لكثير من الأسر تتسبب في تفككها؛ نظرا لارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وهو ما يجعل الأبناء عرضة للانحراف، لافتة إلى أن هناك العديد من الحالات التي رصدها "مركز البحوث الاجتماعية" كشفت أن السبب الرئيسي لكثير من جرائم القتل هو الوضع الاقتصادي المتدهور للمتهمين.
وتابعت ثريا عبد الجواد: "كذلك فإن جرائم القتل والعنف زادت بسبب الانفلات الأمني، خاصة بعد عام 2011، حيث أصبح سلوك البلطجة هو السائد عند الكثيرين، بعدما ظهر البلطجي كبطل يحمي منطقته السكنية بعد انسحاب الشرطة من الشوارع إبان الثورة.
الأزمة الاقتصادية
من جانبها، قالت أستاذ علم النفس، هبة عيسوي، إن إساءة استخدام المصريين للتكنولوجيا خلال السنوات العشر الماضية جعلهم أكثر عنفا، مؤكدة أن انتشار أفلام العنف والجريمة والعشوائيات جعل لدى الأجيال الجديدة ميلا للعنف من تجاه من يخالفهم الرأي، ورغبة أكبر في تحدي السلطات، واقتناعا بأن القوي هو من يأخذ حقه بيده.
وأضافت أن هذه الحالة وضحت أكثر حينما قامت ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 ونجح الشعب في كسر الشرطة وإجبارها على الانسحاب من الشوارع، وعندئذ اقتنع كثير من المصريين بأن استخدام القوة هو الطريقة الصحيحة في كل الحالات، مشيرة إلى أن الأوضاع الاقتصادية، خاصة البطالة وارتفاع الأسعار، أثرت أيضا بالسلب على ملايين المواطنين الذين أصبحوا لا يستطيعون تلبية متطلبات المعيشة الأساسية، وهو ما أدى إلى ازدياد العنف بين أفراد المجتمع.