كتب الأكاديمي والمعلق في مجلة "ذا أتلانتك"شادي حميد عن ذكرى مجزرة
رابعة الرابعة، التي قال إنها أنهت الربيع العربي، مشيرا إلى أن قصة القتل في ميدان رابعة هي في النهاية عن بلد مصمم على تدمير نفسه.
ويقول حميد: "قبل أربعة أعوام انتهى الربيع العربي، أو ما كان قد تبقى منه، بمجزرة، حيث كانت هناك دولتان حققتا التغيير الديمقراطي بطريقة سلمية، إحداهما كانت تونس، والثانية كانت
مصر، التي تعد أكبر دول العالم العربي كثافة من ناحية السكان وبلد الريادة في المنطقة، ففي 14 آب/ أغسطس 2013، وبعد ستة أسابيع من انقلاب الجيش ضد الحكومة التي كان يقودها الإخوان المسلمون، قتل أكثر من 800 شخص قرب مسجد رابعة العدوية في القاهرة، وكانت تلك أكبر عملية قتل جماعي في تاريخ مصر الحديث".
ويضيف الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21": "في ذلك الوقت كانت هناك لحظتان سياسيتان مهمتان في حياتي: هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وحرب العراق، وأضيفت لهما الآن لحظة ثالثة، وأخبرني أصدقائي، الذين كانوا يعرفونني قبل الربيع العربي وبعده، أن كتاباتي أصبحت أكثر قتامة، وهم محقون".
ويتذكر الكاتب قائلا: "أول مرة وطأت فيها قدماي ميدان رابعة كانت قبل أسبوع من المذبحة، ودهشت لحالة ضبط النفس التي بدا فيها كل شيء، فبالإضافة إلى عشرات الآلاف من مؤيدي الرئيس المعزول محمد
مرسي، وجدت مطابخ وصيدليات وأكشاك طعام ومناطق للنوم، و(مركزا إعلاميا)، ولا يمكن التجول في المكان بشكل عشوائي، ففي مدخل الميدان، على بعد 50 مترا من الشارع كان الحراس المتطوعون، الذين يقفون إلى جانب كومة من أكياس الرمل، يفحصون الهوية الشخصية، وعندما دخلت المكان قام الناس برشي بالماء، وربما كانت هذه هي الطريقة للترحيب بي؛ لأن الوقت كان ذروة الصيف المصري عالي الرطوبة، ومثل الكثير من الاحتجاجات المصرية فإنه تراوح بين الفزع والبهجة".
ويتابع حميد قائلا: "لم يبدأ القتل بعد،(رغم حدوث مجزرتين صغيرتين في 8 و28 تموز/ يوليو)، وكانت رابعة، كما قال لي شباب الإخوان المسلمين، الذين كان لا يزال بعضهم في الجامعة، هي مزيج بين الأدرينالين العالي والرهبة التي اعترتهم وهم يودعون عائلاتهم، وفي الوقت الذي انتظر فيه المصريون المذبحة، ناقشوا بين أنفسهم عدد الأشخاص الذين يرغب النظام الجديد بقتلهم، ومتى سيفعل هذا الأمر، فبعيدا عن القصص الشخصية عن الموت والخوف والعائلات التي تمزقت، التي قيلت بطريقة مدهشة، وكانت حزينة بشكل مدهش، فهي قصة عن بلد بدا مصرا على تدمير نفسه، وإلى هذا الحد يؤكد المصريون اعتزازهم ببلدهم وكرامته التي تشوهت بالأحداث التي يشعر الملايين منهم، وبينهم أفراد من عائلتي، أنهم كانوا متواطئين فيها".
ويشير الكاتب إلى أنها "قصة عما يحدث عندما يفقد الناس الإيمان بالإمكانيات التي تمنحها السياسة، فالمرحلة الانتقالية من الحكم المستبد لحسني مبارك كانت قاصرة منذ البداية، وكان انتخاب مرسي في حزيران/ يونيو الشخص الخطأ في الوقت الخطأ، ومهما كان الإخوان المسلمون سيئين في الحكم، ورغم ما بدأت فيه مصر بالشعور بالفوضى، إلا أن البلد لم يكن بالضبط ديكتاتورية دينية، حيث كان بإمكان المصريين في ذلك الوقت معارضة الحكومة، وتجمع الكثيرون، أكثر من مليون شخص في 30 حزيران/ يونيو 2013 للاحتجاج، وكما كتبت مع زميلتي ميرديث ويلر قبل ثلاثة أعوام: (كانت مصر في ظل مرسي تخوض عملية تحول عادية، ولم تكن استبدادية تماما ولا ديمقراطية بشكل كامل، وتقع ضمن المعيار الدولي للعمليات الانتقالية)، لكن العملية الديمقراطية كانت قاصرة، وقدمت للمصريين ملجأ، حيث كانت هناك سياسات وخلافات ونقاشات وصحافة غير مقيدة، وبالطبع كان هناك عدم وضوح حول مصر التي ستخرج من هذا كله، خاصة أن انتصار الإخوان المسلمين في العمليات الانتخابية أخاف الكثير من المصريين".
ويخلص حميد إلى القول: "إن الديمقراطية هي حرب لكن بطرق مختلفة، فعندما يتم إغلاق أبواب الديمقراطية يصبح العنف محتوما، وتختفي الطرق كلها لحل الخلافات الأساسية بين المواطنين بالطرق السلمية، فاستخدام القوة التي يقوم فيها طرف بالسيطرة أو سحق الطرف الآخر هو المسار الوحيد الذي يبقى، وبالنسبة لي، فإن مشاهدة تراجع مصر المتسارع هو في حد ذاته إثبات لقوة الديمقراطية، لكن في الحس الأدنى والأساسي؛ لأن العملية الديمقراطية لم تكن تتعلق بتحسين حياة المواطنين، (مع أنه كان بالإمكان عمل هذا)، ولم تكن تختص بتقديم النتائج الأفضل في أمور تتعلق بالصحة أو التعليم، وكانت بشكل رئيسي حول إدارة الصراع وتحقيق الشرعية عبر طريق غير العنف، ويظل إغراء الإقصاء أو المحو موجودا، خاصة الآن، وأن تفهم الكيفية التي تتحول فيها الديمقراطية، القديمة والحديثة، هي أن تفهم الكيفية تمنح فيها الديمقراطية خط الدفاع الأول والأخير".