باشرت السلطات القضائية بالجزائر، الثلاثاء، تحقيقات معمقة، حول ظهور طريقة دينية، فجأة، غرب البلاد.
والطريقة المشار إليها هي "الطريقة الكركرية"، وهي نمط تصوفي يسود ببعض البلدان العربية الإسلامية، على غرار المغرب ومصر.
وظهر مرتادو الطريقة الكركرية، بصفة مفاجأة، الاثنين، بريف محافظة مستغانم، غرب
الجزائر، وهم يجوبون بعض الأحياء. وكان الرجال ملتحين ويرتدون لباسا موحدا وغريبا عن الجزائريين، ويتمثل بجلابيب مزركشة ومتعددة الألوان.
وأحدث ظهور مجموعة من الأشخاص، وأغلبهم من فئة الشباب، فزعا لدى سكان ريف محافظة مستغانم، وسرعان ما انتشرت فيديوهات خاصة بهم؛ بين الجزائريين وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. ومن بين تلك التسجيلات تم رصد ممارسة طقوس تعبد غريبة لدى مريدي هذه الطريقة داخل بعض المساجد.
وقال القاضي إلياس كرعي: "إن مجلس قضاء محافظة مستغانم، ومصالح أمن المحافظة، باشرا، الثلاثاء، تحقيقات معمقة حول هوية الأشخاص الذين ظهروا بريف المنطقة، يمشون لمسافات طويلة، ويرددون ابتهالات بصفة متكررة، غامضة وغير مفهومة".
وأفاد كرعي في حديث لـ"
عربي21"؛ أن "النائب العام لدى مجلس قضاء محافظة مستغانم؛ أحال ملف هؤلاء الأشخاص للتحقيق، لمعرفة ما إذا كانوا يمثلون طائفة دينية، وهو ما يتنافى مع الدستور الجزائري وقانون تنظيم الشعائر الدينية المصادق عليه بالبرلمان العام 2006، أم أنها مجرد طريقة صوفية، من بين طرق التصوف المنتهجة في الجزائر"، كما قال.
وينص الدستور الجزائري على أن "الإسلام دين الدولة"، وأن "الشعب الجزائري شعب سني"، ويتبع نهج الإمام مالك.
وظهرت تسجيلات الفيديو في الجزائر في وقت تواصل فيه السلطات الأمنية والقضائية تحقيقاتها بخصوص ظهور أتباع "الطائفة الأحمدية"، بعد القبض على العشرات من الأشخاص، خلال مداهمات طالت منازل وأماكن تعبد سرية؛ في عدد من محافظات البلاد، منذ شهر آب/ أغسطس 2016.
وأصدرت المحاكم بالجزائر، في الفترة ما بين أيلول/ سبتمبر 2016 وحزيران/ يونيو 2017، أحكاما تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات، بحق 23 شخصا من أتباع الطائفة الأحمدية، بتهمة التجمع دون رخصة والإخلال بالمرجعية الدينية. كما ألقت مصالح الأمن الجزائري القبض على الأمير الوطني للطائفة الأحمدية، أحمد فالي، بمحافظة تيبازة، غرب العاصمة الجزائر، في أيار/ مايو الماضي، وهو قيد الاحتجاز المؤقت بانتظار المحاكمة.
ولم يصدر عن وزارة الشؤون الدينية أي موقف من ظهور أتباع الطريقة الكركرية. وسبق للوزير محمد عيسى؛ أن أكد في مؤتمر صحفي، في آذار/ مارس الماضي، أن "الجزائر محصنة من الفكر الديني المتطرف الذي عانت منه في تسعينيات القرن الماضي، وهذا بفضل العودة إلى مرجعيتنا الدينية التي كان يعمل بها أسلافنا في بلادنا"، وفق قوله.
وحذر الوزير الجزائري مما أسماه "الغزو الطائفي الذي تعرفه بلادنا"، وكشف أنه أصدر تعليمات لمفتشي الوزارة بتكثيف نشاطهم بالمساجد والمصليات، في إطار محاربة الطوائف، وخصوصا التشيع.
واتخذت الجزائر العديد من الإجراءات بغرض "حماية المرجعية الدينية" بالبلاد، منها تشديد الرقابة على المساجد، وإطلاق أعمال "توعية" في أوساط الشباب الجزائري.
وأفاد عدة فلاحي، الباحث في الشؤون الإسلامية، في حديث لـ"
عربي21"، أن "الكركرية والأحمدية يختلفان، من حيث أن الأولى مجرد طريقة صوفية، أما الثانية فتمثل طائفة بحد ذاتها، لكن خطرهما واحد على المجتمع الجزائري السني المالكي المتماسك"، على حد تعبيره.
ويعتقد فلاحي أن "الطريقة الكركرية معروفة أكثر بالمغرب ومصر، وظهورها بالجزائر نتاج رحلات الجزائريين إلى المغرب، بدليل ظهروها بمناطق متاخمة للحدود المغربية"، مضيفا: "أعرف بعض الباحثين الجامعيين بالجزائر، زاروا المغرب قبل أسابيع قليلة من أجل زيارة الشيخ الكركري الذي كان يعاني من المرض".
وبحسب فلاحي، فإن "الطريقة الكركرية هي نسبة لشيخها المغربي محمد فوزي كركري، وهي منتشرة بالمغرب بصفة عادية، وقد وجدت لها حضنا دافئا بسبب اهتمام السلطات المغربية بالطرق
الصوفية"، وفق قوله.
لكن البروفيسور محمد بن بريكة، الخبير بشؤون التصوف وأستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الجزائري، يعتقد أن "الطريقة الكركرية؛ جزائرية الأصل ثم انتقلت إلى المغرب وتوسعت هناك".
ويقول بن بريكة لـ"
عربي21": "الكركرية طريقة صوفية جزائرية بحتة، وتتميز فقط عن الطرق الصوفية الأخرى باللباس المزركش الذي يحتوي على 12 لونا".
ويفصل بن بريكة في قضية الألوان، ويشير إلى أنها "تسمى الألوان المرقعة، وعدد تلك الألوان بعدد حروف لا إله إلا الله، كما أن اللباس الذي يرتدونه ليس طائفيا"، كما قال.