نشرت صحيفة الكونفيدينسيال الإسبانية تقريرا؛ تحدثت فيه عن الحملة التي تقوم بها
السعودية بهدف تلميع صورتها في الغرب.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن عودة الصراع في اليمن وحصار قطر، فضلا عن تنامي وتيرة الهجمات الإرهابية في أوروبا، كل هذا رفع من التكلفة السياسية للأعمال التجارية السعودية مع الدول الغربية. فمن الواضح أن ثقة شعوب مختلف القوى الغربية في المملكة السنية تكاد تكون منعدمة.
ووفقا لاستطلاعات الرأي التي شملت مواطني الولايات المتحدة الأمريكية، فإن 37 بالمئة فقط منهم يتبنون وجهة نظر إيجابية تجاه السعودية. وفي فرنسا وألمانيا، بلغت نسبة التأييد للمملكة 25 بالمئة تقريبا، في حين أن 39 في المئة من البريطانيين يعتبرون السعودية بمثابة عدو وليس حليفا للدولة.
وبينت الصحيفة أن نسبة الأمريكيين الذين يتبنون نظرة سلبية تجاه السعودية قد ارتفعت من 55 في المئة إلى 65 في المئة في غضون سنة واحدة، وذلك وفقا لمؤسسة "غالوب" الأمريكية لاستطلاعات الرأي. وفي هذا السياق، صرح الخبير الاقتصادي في مركز الخليج للأبحاث، إيكارت ورتز، أن "الرأي العام الغربي أصبح مناهضا للمملكة على نحو متزايد، ما من شأنه أن يعقّد العلاقات السياسية التي تجمع الرياض بحلفائها ويعرقل مبيعات الأسلحة".
وأشارت الصحيفة إلى أن صادرات إسبانيا من المواد الدفاعية والمواد ذات الاستخدام المزدوج إلى السعودية؛ قد شهدت تراجعا ملحوظا خلال سنة 2016، وذلك وفقا للأرقام الصادرة عن وزارة الاقتصاد. فقد ارتفعت قيمة الصادرات الإسبانية من 293 مليون يورو خلال سنة 2014، لتصل إلى حوالي 546 مليون يورو في سنة 2015. لكن سرعان ما تراجعت من جديد إلى 116 مليون يورو خلال سنة 2016.
وأوردت الصحيفة أن بوادر فقدان هذا النظام السني لشعبيته قد بثت مشاعر القلق في صفوف المسؤولين في المملكة. ومن هذا المنطلق، قررت الرياض القيام بحملة دولية طموحة للعلاقات العامة بهدف تحسين صورتها في الغرب. كما تسعى السعودية إلى التصدي للدعاية السلبية التي قامت دولة قطر ضدها، بعد إعلان الرياض مقاطعة الدوحة دبلوماسيا وتجاريا في شهر حزيران/ يونيو.
وفي هذا الإطار، تعتزم الرياض إنشاء مراكز للعلاقات العامة، خلال هذا الشهر، في كل من لندن وباريس وبرلين وموسكو، فيما تأمل المملكة أن تتمكن من فتح مراكز جديدة خلال السنة المقبلة، فى كل من مومباي وبكين وطوكيو.
وأضافت الصحيفة أن السعودية لا يمكن أن تجازف بخسارة دعم حلفائها لها بأي شكل من الأشكال في هذا الوقت. ومن هذا المنطلق، يسعى ولي العهد محمد بن سلمان؛ إلى تعزيز نفوذه والسيطرة على كل مقاليد الحكم. وفي هذا الصدد، أشار الأستاذ والخبير في جامعة مدريد المستقلة، إغناسيو غوتييريز دي تيران، إلى أن "هناك انقساما قويا داخل النظام بين التقليديين من جهة والإصلاحيين المعتدلين الذين يقودهم ولي العهد الجديد، والذين يعتقدون أن البلاد يجب أن تصبح شبيهة بالنموذج الإماراتي، من جهة أخرى".
ويهدف من يوصفون بـ"الإصلاحيين" من حيث المبدأ؛ إلى تنويع اقتصاد البلاد الذي يعتمد بشكل كامل على النفط، إلى جانب إصلاح نظام الدعم، والحد من سلطة الإدارة، فضلا عن إفساح المجال أمام القطاع الخاص، والمضي قدما في إدماج المرأة في سوق العمل. وتجسد هذه الأهداف برنامج التحول الوطنية الذي أقره فريق
ابن سلمان خلال السنة الماضية، بالإضافة إلى 70 مليار دولار لاستثمارها خلال تنفيذ هذا البرنامج إلى غاية سنة 2020.
وأوردت الصحيفة على لسان المدير المشارك في مركز دراسات النزاع والعمل الإنساني في إسبانيا، خيسوس نونيز فيلافيردي، أن "ولي العهد الجديد قد عرض برنامجا يدرك تماما أنه من الصعب جدا تحقيقه". وأضاف فيلافيردي: "مما لا شك فيه أن البلاد في حاجة إلى إصلاح الاقتصاد للتخفيف من عواقب انهيار أسعار النفط، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن ابن سلمان سيقوم بتحديث المؤسسات وتجاوز القواعد الصارمة للحفاظ على النظام".
ويتعين على ابن سلمان أن يواجه المؤسسة الدينية القوية وجزءا من الأسرة الحاكمة، لتنفيذ خطته. ولكن ذلك من شأنه أن يعرض المملكة إلى العديد من المخاطر. فقد أثار قرار السماح للمرأة بقيادة السيارة موجة من الانتقادات التي أكدت أن المجتمع أكثر تحفظا من حكومته. فهذه الإصلاحات لا تعد مرتبطة فقط بإرادة البيروقراطيين، وإنما أيضا بأسرهم، وبالنساء أنفسهن.
وأكدت الصحيفة، وفقا للباحث فيلافيردي، أن "ولي العهد الجديد ليس مجرد مصلح معتدل في عالم متحفظ. ففي الواقع، يعد ابن سلمان، في الآن نفسه، أحد الصقور الذين ساهموا في دفع الحرب في اليمن، إلى جانب الحظر التجاري والديبلوماسي الذي فرض على قطر، فضلا عن أنه يسعى جاهدا للتقرب من دونالد ترامب لعزل إيران".
وأشارت الصحيفة إلى أن حملة المملكة لتلميع صورتها، ليست سوى وسيلة لإلهاء الرأي العام عن الوضع الاقتصادي في البلاد، في ظل أرقام البطالة المرتفعة وتفشي الفقر، إلى جانب تراجع أسعار النفط، المصدر الرئيسي للدخل في البلاد. في المقابل، يبدو أن هذا الوقت غير مناسب للمملكة حتى تفقد الدعم وصفقات الأسلحة من حلفائها التقليديين، مما يدفعها إلى السعي إلى تغيير صورتها السلبية الراسخة في أوساط الرأي العام الغربي.