أبرز تصريح قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، الأربعاء، أنه مستعد لتوفير عشرات المليارات من الجنيهات؛ لتمويل كل المشروعات التي تتطلبها المرحلة الأولى من
العاصمة الإدارية الجديدة، تناقضا صارخا مع تصريحه السابق، في كانون الثاني/ يناير الماضي، "إحنا فقراء أوي، ولازم تعرفوا كده كويس"، أثناء حضوره مؤتمر الشباب في أسوان جنوب
مصر.
وقال السيسي، خلال تدشين المرحلة الأولى من العاصمة الإدارية الجديدة، الأربعاء، للمكلفين بالمشروع: "لا تشغلوا بالكم بأي تكلفة خالص"، ثم وجه حديثه لرئيس الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، اللواء كامل الوزير، قائلا: "وأنا قلت قبل كده لا يمكن هنقدم على مشروع مش عارفين هنعمله إزاي، ونجيب له فلوس منين، مش كده يا كامل ولا أيه، معنديش أي مشكلة".
اقرأ أيضا: بالأرقام.. خريطة عاصمة السيسي الإدارية (إنفوجرافيك)
وانفعل السيسي في كانون الثاني/ يناير الماضي، أثناء مداخلة له في مؤتمر الشباب الوطني بمدينة أسوان بأقصى صعيد مصر، وفاجأ الحضور بقوله: "ياريت حد يقولكم إن إحنا فقرا أوي أوي أوي"، ما أثار موجة استنكار واسعة بين المصريين.
واستهجن مراقبون ومحللون تصريحات السيسي المتناقضة، وأن "ما يحُرًم على المصريين، حلال على مشروعات السيسي الشخصية"، واعتبروها تنم عن شخصية شيفونية لا يهمها سوى صنع مجد شخصي على حساب المواطنين.
مصر الفقيرة وأحلام السيسي
وقال الأمين العام المساعد السابق للمجلس الأعلى للصحافة ورئيس المرصد العربي لحرية الإعلام، قطب العربي، لـ"
عربي21": "إن مقولة السيسي نحن فقراء كانت هي الأقرب للواقع بحكم حجم الديون الضخم داخليا وخارجيا على مصر، والعجز المتفاقم في ميزانيتها، حيث تقترب الديون الخارجية من حاجز الثمانين مليار دولار".
وتابع: "أما القول بأنه مستعد لأي تكاليف للعاصمة الجديدة فهو أمنية وليس واقعا؛ فهذه العاصمة ستحتاج أكثر من 300 مليار دولار أي ما بين 5-6 تريليونات جنيه مصري، وبالتأكيد لا يوجد لُدى مصر سيولة داخلية تكفي لذلك سواء في البنوك أو حتى بفرض ضرائب قاسية جديدة"، مشيرا إلى أنه حتى "على المستوى الدولي من الصعب اقتراض هذا المبلغ الضخم إلا وفقا لشروط اقتصادية وسياسية خطيرة".
استخفاف بالشعب
تصريحات السيسي المتضاربة، لم تفاجئ العديد من المراقبين، حيث أكد الكاتب والباحث السياسي، خالد الأصور، أنه "ليست بجديدة هذه
التناقضات على السيسي.. ومشروعاته الكارثية بدءا من تفريعة قناة السويس التي ابتلعت مليارات الدولارات وانخفض عائد القناة من بعدها، ليتحدث بكل استخفاف بالشعب بأنه كان يريد رفع روحه المعنوية، ووصولا إلى مشروع السفه في ما يسمى بالعاصمة الإدارية المثيرة للقلق والشبهات استراتيجيا وجغرافيا".
اقرأ أيضا: هل يبني السيسي جدارا حول عاصمته الجديدة لحمايتها من ثورة؟
ووصف تدشين العاصمة الإدارية الجديدة بالعمل التدميري، قائلا: "هذا الإهدار والتخريب المتعمد لمقدرات الوطن وبهذا الشكل الجامح؛ يعود بشكل أساسي إلى افتقاد أي آلية للرقابة والمحاسبة والمساءلة، في ظل حالة الموات السياسي في مصر والسيطرة الأمنية على المؤسسات التشريعية والرقابية، ولا يبدو في الأفق أن ثمة رادع قوي، مؤسسي أو شعبي، يمكن أن "يفرمل" السرعة الجنونية التي يقود بها السيسي البلاد إلى السقوط في الهاوية.
بين الفقر والوفرة
أما الناشط السياسي والحقوقي، عمرو عبد الهادي، فندد بسياسة
نظام السيسي قائلا: "للأسف حرية تداول المعلومات التي تكفلها كل مواثيق واتفاقات العالم محرمة في مصر في ظل الحكم العسكري الذي يعتبر الدولة حكرا عليه هو فقط؛ لذلك لا يمكن أن تعرف ما يدخل للبلاد وما يخرج منها إلا ما تعلنه وسائل الإعلام الخارجية".
وأضاف في تصريحات لـ"
عربي21": "لذلك فإن تصريح السيسي يدل على أن الدولة لا يوجد بها نظام ولا يوجد بها تخطيط ولا يوجد بها شفافية؛ وهذا يدل على أن الدولة بها كيان مواز يتحرك، بينما الكيان الأساسي لا يعرض الحقائق للشعب".
وفند تناقض تصريحات السيسي بين الوفرة في المال، والفقر والحرمان، والتعامل مع الشعب بلغة الفقر، ومع الجيش بلغة الغناء والعطاء، قائلا: "السيسي لا يرى من الشعب إلا أنه مصدر دخل له ولجيشه وعائلته"، مشيرا إلى أن "العاصمة الإدارية ما هي إلا حزام أخضر سيحتمي بها هو وجيشه ورجال أعماله من الشعب الذي بات تحت خط الفقر حتى يختفي من قبضتهم لذلك يتم العمل بها على قدم و ساق".