هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يشهد يوم الجمعة، تصويت مجلس الشيوخ الإسباني على المادة 155 التي تعد خيارا خطيرا من المتوقع أن تلجأ إليه الحكومة الإسبانية لمواجهة الانفصال الكتالوني.
وتهدد الموافقة على تطبيق المادة 155 بتولي إدارة أي منطقة من المملكة إذا أعلنت الاستقلال، وهي التدابير الأكثر قساوة المتاحة للحكومة الإسبانية.
ويعد استخدام هذه المادة وتطبيقها من إسبانيا سابقة، فهذا الأمر لم تشهده إسبانيا في تاريخها من قبل. كما أنه لم يتم تطبيق أحكام مماثلة لهذه المادة في أي بلد أوروبي آخر.
وتسمح هذه المادة التي يعاديها مطالبو الانفصال "بجميع التدابير اللازمة لإجبار المجتمع على الوفاء بالتزاماته، أو لحماية المصلحة العامة".
ويخشى الإسبانيون من استخدام هذه المادة، ويعكس هذا الأمر ما قاله مسؤول كتالوني لصحيفة "لا فانغارديا"، إن تفعيل المادة 155 يمكن أن يفتح "تابوت العهد" كما في فيلم إنديانا جونز، مؤكد أنه أمر "لا يمكن التنبؤ به بشكل خطير".
ويأتي ذلك بعد دخول أزمة انفصال كتالونيا عن إسبانيا طريقا مسدودا، بعد فشل أساليب الحوار والمفاوضات بين حكومة مدريد والإقليم لحل المشكلة.
ورفض رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي يوم أمس الأربعاء إجراء أي حوار مع سلطات إقليم كتالونيا، وأكد أن تطبيق المادة 155 من الدستور الإسباني هو الخيار الوحيد لحل أزمة الإقليم.
اقرأ أيضا: راخوي لا يستبعد تعليق العمل بالحكم الذاتي في كتالونيا
وقال رئيس الحكومة الإسبانية إن تعليق الحكم الذاتي في إقليم كتالونيا هو "الحل الوحيد الممكن" لمواجهة المخطط الانفصالي لرئيس الإقليم.
ورفض رئيس حكومة كتالونيا، كارلس بوغديمونت عرض مجلس الشيوخ الإسباني للتحدث أمامه بشأن خطط حكومته للانفصال عن إسبانيا.
"الخيار النووي"
ويطلق السياسيون في إسبانيا مصطلح "الخيار النووي" على استعمال مادة 155 في الدستور الإسباني.
ومن المتوقع أن يتم تطبيق هذه المادة يوم السبت المقبل، بعد تصويت مجلس الشيوخ الإسباني.
ولخطورة هذه المادة، وصف وزير الخارجية الإسباني الأسبق خوسيه مانويل غارسيا، بأنها "قنبلة ذرية" في الحياة الدستورية، في حين يصف المجلس التشريعي الوطني هذه المادة بأنها إجراء "استثنائي أو متطرف".
وما يزيد من فرص تطبيق هذه المادة ما ألمح إليه الملك فيليب مشيرا إلى أنه قد يفعل المادة 155ويأمر بتطبيقها، إذ قال إن "الهدف من السلطات الشرعية للدولة هو التأكد من الالتزام بالنظام الدستوري".
اقرأ أيضا: الملك الإسباني: كتالونيا جزء لا يتجزأ من المملكة
كيف يتم تطبيقها؟
يتم تطبيق المادة 155 من خلال إخطار تقدمه الحكومة المركزية إلى زعيم الإقليم بأنه يجب أن يمتثل لأي قوانين أو واجبات إن وجد أي قصور في عمله.
وتقوم الحكومة المركزية بعدها بوضع الإجراءات التي تراها مناسبة للتطبيق، واقتراحها على مجلس الشيوخ الإسباني للحصول على موافقة الأغلبية.
وما يسهل من الأمر، أن الحزب الشعبي برئاسة رئيس الوزرء راخوي لديه أغلبية كبيرة في مجلس الشيوخ،بالإضافة إلى دعم نواب الحزب الاشتراكي المعارض.
خطورتها
من جهته، رأى المحلل السياسي المختص بالشأن الأوروبي، حسام شاكر، أن مجرد التلويح بتفعيل المادة 155 من الدستور الإسباني التي تسحب صلاحيات الحكم الذاتي من إقليم كتالونيا، هو بحد ذاته تطور غير مسبوق.
أوضح لـ"عربي21"، أن التلويح باستخدامه "يعني أن الأمور دخلت مرحلة الشد والحسم النهائي، أنه بات من الصعب تصور أي إجراءات أخرى".
ورأى أن الخطوة الحالية بالنسبة للحكومة الإسبانية، أن يتم بالفعل تسويغ استخدام هذه الخطوة، وتوفير غطاء التشريع اللازم لها من مجلس الشيوخ.
ولفت إلى أن اللجوء إلى هذا الخيار، "يشير إلى أن الأزمة خرجت من مربع الحوار، وأن الدولة الإسبانية تفرض خيارتها بالقوة، وأنه لم يكن في وسعها مجرد التفكير بانفصال إقليم كتالونيا".
وبرر مخاوف الدولة الإسبانية من إعلان كتالونيا الانفصال رسميا، بأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى خسارة الإقليم، و"يرسم هالة من الشك بشأن قدرة إسبانيا ذاتها على البقاء مستقبلا".
وأشار إلى أن أسبانيا أمام تحديثات بالفعل تتمثل بوجود أقاليم عدة داخل المملكة، ونزعات جهوية قائمة أساسا على أراضيها.
وقال إن "التجرية الكتالونية لا بد من أن لها ارتدادات على النسيج الداخلي"، مشيرا إلى أن الأمر يصل أيضا إلى المستوى الأوروبي، فالانفصال يمثل تطورا فائق الخطورة أوروبيا، لذلك فالاتحاد الأوربي لا يبدو سعيدا بأي حركة انفصالية داخل إسبانيا، أو أي دولة أخرى في أوروبا".
وأكد أن المياه تتحرك تحت السطح في بلدن عدة أوروبية، إذ إن هناك حركات انفصالية تطالب بالاستفتاء، ما يعني أن نجاح انفصال كتالونيا يهدد بسقوط أحجار الدومينو في أوروبا.
وأضاف أن إسبانيا إزاء منعطف لا تملك فيه خيارات متعددة، فهناك استفتاء مع نبرة واثقة فرض على الدولة، ما يجعلها أمام خيارات صعبة لن تكون ميسرة.
ورأى أن أحد السيناريوهات، الإبقاء على الأزمة إلى مدى طويل، على أمل تحويل المزاج العام داخل كتالونيا ليكون ضد فكرة الانفصال، خاصة مع تكثيف الشعور بأن هناك خسائر ستلحق بالإقليم، وأن كتالونيا ستخسر مع الوقت اقتصاديا، وامتيازات كثيرة كانت لديها، في حال استمرت نحو الانفصال.
واعتبر شاكر أن "حكومة راخوي في مدريد لم تكن حكيمة في إدارة هذا الملف، إذ بدت متصلبة وعاجزة عن استخدام القوة الناعمة، والتأثير في التوازنات داخل إقليم كتالونيا، في حين أن الأقليم وجد أن هناك فرصة له لكي ينجز تحولا في هذا الملف".
ومقابل هذا التصعيد الإسباني، والتهديد باستخدام المادة 155، فإن من المتوقع بالتزامن مع ذلك أن يعلن برلمان كتالونيا الانفصال عن المملكة بشكل رسمي.
وسبق أن قررت الحكومة المركزية الإسبانية، إقالة حاكم إقليم كتالونيا كارلس بودجمون، وتنظيم انتخابات محلية مبكرة خلال ستة أشهر، وحل حكومة الإقليم.
اقرأ أيضا: الحكومة الإسبانية تقرر إقالة حاكم إقليم كاتالونيا وتنظيم انتخابات مبكرة
وبعد اجتماع استثنائي للحكومة الاسبانية، قال راخوي إن "حكومة كتالونيا لم تترك لمدريد خيارا آخر".
وستكون هذه المرة الأولى في تاريخ الديمقراطية الإسبانية القائمة منذ أربعة عقود، التي تفعل فيها الحكومة الإسبانية المركزية حقها الدستوري للسيطرة على إقليم متمتع بحكم ذاتي، وحكمه بشكل مباشر.