هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا للكاتب روبرت فيسك، يتحدث فيه عن مصير مقاتلي تنظيم الدولة البريطانيين، مشيرا إلى أنه بالدعوة إلى قتلهم، فـ"إننا نصبح مذنبين مثل أعدائنا".
ويقول فيسك إن "قرارا مهما وخطيرا وغير مسبوق اتخذه القادة الأوروبيون في الأيام القليلة الماضية، ولم يعلن عنه بشكل واضح، فدائما ما يلجأ قادتنا إلى حماية أنفسهم بالكلام المنمق والكذب، في حالة لم تسر الأمور على ما يرام، لكن من الواضح أنهم يريدون أن يقتل أي مقاتلين أجانب مع تنظيم الدولة، والمسألة ليست مسألة إن كانوا يستحقون الموت أم لا، لقد قتلوا زملائي الصحافيين، واغتصبوا النساء، واستعبدوا الأطفال، نحن نعلم ذلك، ونعلم أيضا أن هذه الطائفة المتوحشة لم تنته بعد، فتنظيم الدولة لا يزال على قيد الحياة".
ويتساءل الكاتب في مقاله، الذي ترجمه "عربي21"، قائلا: "لكن ماذا عن العدالة، الأساس الذي تقوم عليه البلدان كلها، التي تؤمن بالحرية والديمقراطية؟".
ويضيف فيسك: "دعونا نستعرض بعض الأقوال، قالت وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي: (إن مات الجهاديون في هذه المعركة فأقول إن هذا للأفضل)، أما المبعوث الأمريكي للتحالف ضد تنظيم الدولة بريت ماكغيرك فقال: (مهمتنا هي التأكد من أن أي مقاتل أجنبي موجود هنا، انضم إلى تنظيم الدولة من بلد أجنبي وجاء إلى سوريا سيموت هنا في سوريا، فإن كان في الرقة سيموت في الرقة)".
ويتابع الكاتب ساخرا بالقول: "وهذا دبلوماسينا الفيلسوف الوزير المحافظ روي ستيوارت يقول: (هؤلاء أناس ابتعدوا تماما عن أي ولاء للحكومة البريطانية.. ويحملون عقيدة بغيضة، تنطوي على قتل أنفسهم وقتل غيرهم، ومحاولة استخدام العنف والوحشية؛ لخلق دولة تعود للقرن الثامن أو السابع، ولذلك علينا أن نكون جادين حول حقيقة أن هؤلاء الناس يشكلون خطرا كبيرا لنا، ولسوء الحظ، فإن الطريقة الوحيدة للتعامل، وفي كل حالة، هي أن نقتلهم)".
ويعلق فيسك قائلا إن "هذا التصريح من ستيوارت -وهو في العادة شخص عاقل وشخصية تلفزيونية يستطيع شرح تاريخ الشرق الأوسط- مفهوم تماما، وواضح جدا، وبائس للغاية، فستيوارت وبارلي وماكغيرك يدعون في الواقع إلى إعدام مواطنيهم الذين انضموا إلى تنظيم الدولة، هم لا يقولون ذلك بالطبع، أما الألمان فقالوا إنه سيتم تعيين محامين للمواطنين الألمان إن لزم ذلك، وهم طبعا يريدون تجنب أي سمعة تذكر بوحدات الـ(أس أس) النازية، لكننا نقول للجنود والمليشيات العراقية والأكراد وأي شخص آخر، إن بإمكانهم قتل المواطنين البريطانيين والفرنسيين والأمريكيين إن كانوا انضموا لقوى الظلام في تنظيم الدولة".
ويتساءل الكاتب: "حسنا، من يستطيع قبولهم؟ ولو سمحنا للبريطانيين من تنظيم الدولة العودة إلى بريطانيا، من يعرف كم حالة اختطاف وكم مذبحة ستتم في محاولة لإخراجهم من السجون، لكن ماذا حصل للعدالة الدولية؟".
ويقول فيسك: "عندما تحدث جورج بوش عن جلب الأشخاص السيئين للمحاكمة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، كتبت أني لا أظن أن أي عدالة في طريقها إلى أسامة بن لادن، وكنت محقا، حيث اغتاله الأمريكيون، وكان طبيعيا أنه لم يعترض أحد على ذلك، فمن يعش بالسيف يمت بالسيف، لكن مقتل ابن لادن وما تبعه من عمليات قتل بالطائرات دون طيار أرسل إشارة مظلمة بأنه لا مانع من قتل الأشخاص السيئين، فلننس المحاكم والأدلة والعدالة ولنمزقهم فقط.. فمن سيشكو؟"
ويجد الكاتب أنه "يجب علينا أن نرفع صوتنا ضد هذه السياسة البائسة والمنحطة، فلعقود بقينا نشجب ديكتاتوريي الشرق الأوسط؛ لوحشيتهم ولمحاكمهم الغبية ولإعداماتهم بالجملة، وكنا محقين بذلك، لكن كيف يمكننا شجبهم الآن، في وقت نعلن فيه على رؤوس الأشهاد أننا نريد أن يقتل مواطنونا إن انضموا -أو يعتقد أنهم انضموا، أو قد يكونوا انضموا أو قيل أنهم انضموا- لتنظيم الدولة، فإن كنا ندعو في الواقع لإعدامهم فلم يعد لنا حق في أن نحاضر أي طاغية حول الأذى الذي يتسبب به لشعبه، ويمكن الآن للمصريين والسعوديين والسوريين أن يقطعوا الرؤوس ويشنقوا ويذبحوا أي شخص يريدونه على قاعدة (الطريقة الوحيدة للتعامل) مع هؤلاء هي (للأسف) أن (نقتلهم)".
ويرى فيسك أنه "لو قرر بريطاني أن يحارب ويموت من أجل منظمة مقيتة مثل تنظيم الدولة، فإن تلك مشكلته، لكن إن تم القبض عليه ألا يجب علينا أن (نتعامل) معه بتطبيق العدالة، ونسجنه للأبد إن كان ذلك هو الحكم، ويكون قد أخذ فرصته في المحكمة، ونظهر للعالم كله أننا لسنا قتلة، وأن لدينا أخلاقيات أسمى من أخلاقيات قتلة تنظيم الدولة؟ في الوقت الحاضر يقوم المصريون بـ(تغييب) السجناء، ونهاية الأسبوع الماضي قام متطرفون -يمكن أن نفترض أنهم من تنظيم الدولة- بقتل أكثر من 50 ضابط شرطة مصريين في جنوب غرب القاهرة، وكانت كارثة يتمنى المصريون إخفاءها، وكان من بين القتلى ضابطان برتبة فريق، و11 آخرين برتبة عقيد، وكان الشرطة يحاولون نصب كمين للمتطرفين، لكن انقلب الكمين لغير صالحهم؛ ربما لأن لدى تنظيم الدولة مخبرا داخل الشرطة، إلا أنه عندما يتم قتل أعضاء تنظيم الدولة أو من يظن بانتمائهم لتنظيم الدولة في المدن المصرية، فهل نحن في موقع يمكننا منه انتقاد الرئيس السيسي بخصوص العدالة؟".
ويخلص الكاتب إلى القول: "لكن الأمور تسير بهذا التسلسل المنطقي، أولا نريد قتل مواطنينا إن هم انضموا لتنظيم الدولة، ثم نريد أن يقتل مواطنونا (الإرهابيون)، سواء كانوا مؤيدين لتنظيم الدولة أم لا، ثم يمكن توسيع ذلك ليشمل كل من يؤيد حزب الله أو الفلسطينيين أو الأكراد أو أي أقلية نبغضها وأن نشجع على بعضها، ثم أي شخص (ابتعد تماما عن أي نوع من الولاء للحكومة البريطانية)، مهما كان ذلك يعني، ويجب عليّ أن أشير هنا إلى أن ستيوارت أشار إلى (قضايا أخلاقية صعبة جدا)، فما هي تلك (القضايا الأخلاقية)؟ لكننا نعرف جميعا أننا نعبر الخط بين العدالة وتشجيع الدولة للإعدامات، وإن كان ذلك هو الخط الذي نريد أن نتجاوزه فلنقل ذلك بوضوح، وإن كنا لا نريد عبور ذلك الخط فلنقل ذلك، أما منظمة العفو الدولية و(هيومان رايتس ووتش).. فلم نسمع منهما.. فما هو الذي يحدث؟".