هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلن النظام المصري توجه البلاد إلى تحلية مياه البحر لاستخدامها في الأغراض المختلفة، عبر تشييد الجيش لأكبر مشروع لتحلية مياه البحر في العالم، في محاولة لسد العجز المائي الذي تعاني منه مصر حاليا والمتوقع تفاقمه مع بدء تشغيل سد النهضة الإثيوبي.
وتزامن الإعلان عن هذا المشروع العملاق مع إعلان الحكومة رسميا، ولأول مرة، فشل المفاوضات مع إثيوبيا حول سد النهضة الذي يهدد بحرمان مصر من نسبة كبيرة من حصتها التاريخية في مياه النيل.
وأعلنت الحكومة المصرية يوم 13 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري فشل الاتفاق على التقرير المبدئي للمكتب الاستشاري المكلف بدراسة آثار سد النهضة بعد خلافات مع إثيوبيا والسودان، مشيرة إلى أن الدولة ستتبع استراتيجية لإنشاء مزيد من محطات تحلية مياه البحر وإعادة تدوير ومعالجة مياه الصرف الصحي.
ورأى مراقبون أن الإعلان عن هذا المشروع العملاق يعد اعترافا صريحا من نظام السيسي والجيش بالعجز التام عن تغيير الأمر الواقع وإقناع إثيوبيا بالتوقف عن استكمال سد النهضة أو عدم الإضرار بأمن مصر القومي.
اقرأ أيضا: كيف خدعت إثيوبيا مصر بمفاوضات السد؟ (إنفوغرافيك)
كما أثارت هذه الخطوة من جانب نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، مخاوف لدى كثيرين في مصر من استغلال الجيش لهذا الأزمة عبر بيع المياه المعالجة للمواطنين، لتحقيق أرباح مادية على غرار ما فعله من قبل في أزمات سابقة مثل نقص ألبان الأطفال والأدوية والأغذية الأساسية التي أصبح الجيش يتحكم فيها عبر مجموعة من المصانع الحديثة التي أنشأها في غمرة احتياج المصريين لهذه السلع الحيوية!
أربع محطات
وقال رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة اللواء كامل الوزير إن مصر تعاني عجزا مائيا كبيرا جدا، مشيرا إلى أن الدولة متيقظة لهذه المشكلة وأعدت ملفا لتعظيم موارد مصر من المياه وتعمل على تنفيذه منذ عامين تقريبا.
وأوضح الوزير، في تصريحات صحفية يوم الأحد الماضي، أن الجيش سينشئ أكبر مشروع لتحلية مياه البحر في العالم بالاستعانة بشركتين فرنسية وألمانية، لافتا إلى إنشاء محطات تحلية في المدن الجديدة التي يتم إنشاؤها بالمناطق الساحلية.
وأكد أن المشروع يتضمن 4 محطات لتحلية المياه بمدن بورسعيد والعلمين والجلالة والعين السخنة، موضحا أن العمل بتلك المحطات الأربع سينتهي عام 2018.
"ليس كافيا"
وتعليقا على هذا المشروع قال أستاذ العلوم السياسية أحمد رشدي إن تحلية مياه البحر يعد مشروعا قوميا، سواء اتفقنا أو اختلفنا على تفاصيله وجدواه، كان متفق عليها وكان النظام يدرسها منذ فترة زمنية وليست وليدة اللحظة، رافضا التفسيرات التي تقول إن هذا المشروع يكشف عجز الدولة عن حل مشكلة سد النهضة.
اقرأ أيضا: مصر ترعى اتفاقية سلام بجنوب السودان وعينها على سد النهضة
وأضاف رشدي، في تصريحات لـ"عربي21" أن النظام ربما يستغل هذه المشروعات ليقدمها للشعب كبديل مؤقت لسد جزء من العجز المائي الذي من المتوقع أن يسببه سد النهضة الإثيوبي، مؤكدا أن تحلية مياه البحر بالطبع لن تكون كافية، ولا يمكنها توفير حجم المياه الذي كان يوفره نهر النيل.
وتابع: "لو كان النظام يعتقد أن مشروع تحلية مياه البحر سيعوض البلاد عن نقص مياه النهر فهذه كارثة لأنه لن يستطيع أن يقدم ما يقدمه نهر النيل، هذا إذا نجح المشروع من الأساس واكتمل بناؤه ولم يكن مجرد إعلان سياسي لطمأنة الناس بأن هناك بديلا وأن مصر لن تتعرض للعطش جراء نقص إمدادات نهر النيل".
اعتراف بالعجز
لكن خبير الموارد المائية، نادر نور الدين، رأى أن نظام السيسي يحاول لفت الأنظار بعيدا عن الكارثة الحقيقية التي تنتظر البلاد بسبب أزمة سد النهضة عن طريق الإعلان عن هذه المشروعات العملاقة لتحلية مياه البحر.
وأكد نور الدين، في تصريحات لـ"عربي21"، أن مشروع تحلية المياه يعد اعترافا صريحا من النظام بالعجز عن حل الأزمة مع إثيوبيا وأنه يحاول البحث عن بدائل أخرى بعيدا عن إقناع "أديس أبابا" باحترام حصة مصر التاريخية من مياه النيل، خاصة مع اعترافه مؤخرا بفشل المفاوضات مع إثيوبيا.
وشدد على أن هذا المشروع مثله مثل مشاريع قومية كثيرة تم الإعلان عنها وتم تكليف القوات المسلحة مباشرة بتنفيذها دون دراسة جدوى، متوقعا فشله قبل أن يبدأ مثلما فشلت مشاريع أخرى.
وحول التوقعات بأن يستغل الجيش هذا المشروع لتحقيق مكاسب اقتصادية، قال نادر نور الدين إن فكرة بيع المياه للشعب أصبحت أمرا طبيعيا ومتوقعا من النظام، لأنه لا يهتم بالعدالة الاجتماعية وأفكاره كلها أفكار رأسمالية، وإذا نجح المشروع فإنه بالقطع سيستغله في تحقيق أرباح مادية من ورائه، مؤكدا أن مصر أمام كارثة كبرى تهدد نهر النيل، ولو لم يتمكن النظام من حلها سريعا فإن ألف مشروع من مشاريع تحلية المياه التي يتبناها النظام حاليا لن تكون كافية لتعويض نقص المياه.