فورين أفيرز: هل ستمنع روسيا المواجهة بين إيران وإسرائيل؟

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للمتخصص في الشؤون الإيرانية في مركز "إنترديسبلينري بهرتسيليا" مائير جافيندفار، يقول فيه إن إسرائيل وجهت رسالة في الشهر الماضي إلى سوريا عندما ضربت موقعا قرب دمشق فيه قوات إيرانية.

ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن هذه الرسالة تفيد بأن إسرائيل لن تتسامح مع وجود عسكري أو "مليشياوي" إيراني في سوريا. 

ويشير جافيندفار إلى أن هذا الأمر كان بمثابة خط أحمر رسم للقيادة الإيرانية، وظهر في تسجيل فيديو لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد الغارة، يقول فيه: "لن نسمح لإيران بتحصين نفسها عسكريا في سوريا، حيث تحاول عمل هذا من أجل محو دولتنا". 

ويعلق الكاتب قائلا إن "الأسباب الإسرائيلية وراء الرسالة الموجهة لإيران واضحة: لا تريد تحول سوريا إلى قاعدة جديدة للنظام الإيراني وحلفائه، خاصة أن المليشيات المؤيدة لإيران تهدد إسرائيل من لبنان، ويعتقد أن لدى حزب الله أكثر من 100 ألف صاروخ، بالإضافة إلى أن إيران أقامت علاقات قوية مع الجماعات الفلسطينية في غزة، مثل حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وفي عام 2015، عندما وقعت إيران الاتفاقية النووية، قال المرشد الأعلى للثورة الإسلامية إن إسرائيل لن ترى نهاية الـ 25 عاما المقبلة، وإن طهران ستدعم (من يضرب إسرائيل)". 

ويستدرك جافيندفار بأن "إيران ليست الهدف الوحيد لرسالة نتنياهو، فمنذ تدخل روسيا في الحرب الأهلية السورية عام 2015، لم تعد إيران القوة الوحيدة هناك بل روسيا أيضا، وحتى هذا الوقت فإن المصالح الروسية والإيرانية متوافقة، لكنها ستتغير مع قرب نهاية الحرب ودخولها مرحلة أخرى، ومع أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يتردد في التحرك ضد إسرائيل، إلا أن المصالح المشتركة بينهما كثيرة، ويمكن في هذه الحالة أن يساعد إسرائيل على فرض خطها الأحمر في سوريا". 

ويلفت الكاتب إلى أن إيران تعد من أهم داعمي النظام السوري منذ عام 2011؛ باعتباره جزءا مما تطلق عليه "محور المقاومة" ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، مشيرا إلى أن لدى البلدين تاريخا من العلاقات والتعاون المشترك، يعود إلى الحرب العراقية الإيرانية، بالإضافة إلى أن إيران استخدمت سوريا ممرا لنقل الأسلحة والمعدات لحزب الله في لبنان. 

ويقول جافيندفار: "الآن وقد استقر وضع الأسد فإن إيران تتطلع إلى أبعد من نجاة النظام، ففي عام 2016 تحدث قائد القوات الإيرانية محمد باقري عن نية طهران بناء قاعدة بحرية في سوريا، وأشار تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) إلى أن إيران تقوم ببناء قاعدة عسكرية جنوب العاصمة دمشق، وفسرت إسرائيل هذه التطورات باعتبارها تهديدا مباشرا لها، وردت عليها بما هو مناسب، ويعتقد أن غارة الأول من كانون الأول/ ديسمبر ضربت الموقع قرب دمشق، وقتلت 12 جنديا إيرانيا، وأدت إلى جرح آخرين، ودمرت مخزن سلاح". 

وينوه الكاتب إلى أن "التمسك بالخط الأحمر ضد إيران والإيرانيين يحظى بدعم عام من الأحزاب السياسية، ولم يقف حتى منافسي نتنياهو أمامه، وإسرائيل ليست المتضررة الوحيدة من الوجود الإيراني، بل روسيا أيضا، فرغم عمل موسكو القريب مع إيران، حيث دعمتا نظام الأسد ضد (الإرهابيين الإسلاميين)، لكن عندما يتعلق الأمر بمستقبل سوريا فإن مصالح روسيا وإيران تتباين، ويأمل الكرملين أن تؤدي مشاركته في الحرب السورية إلى تعزيز موقعه بصفته قوة جيوسياسية مهمة".

ويبين جافيندفار أن "بوتين بقيامه بضم شبه جزيرة القرم والتدخل في سوريا فإنه عمل على تعزيز موقع روسيا كونها قوة لا يمكن الاستغناء عنها، وبعد الانتصارات المتعددة ضد تنظيم الدولة والمعارضة السورية، فإن موسكو تقوم بالدفع باتجاه حل سياسي يشكل مستقبل سوريا تتعاون فيه المعارضة ونظام الأسد، ومن هنا فإن وجودا إيرانيا دائما في سوريا قد يعرقل أي صفقة ويهدد الأمن الإقليمي".

ويجد الكاتب أنه "علاوه على هذا فإن روسيا لن تستطيع أن تدفع فاتورة إعادة إعمار سوريا، بحسب تقرير المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، حيث أن إعادة الإعمار تحتاج إلى 250 مليار دولار، ولن يستثمر السعوديون ولا الغرب في مشاريع إعادة الإعمار".

ويستدرك جافيندفار بأنه "رغم التقارب في المصالح بين الروس والإيرانيين، إلا أن الضربات الإسرائيلية تخدم المصالح الروسية، وتفهم موسكو ان الضغط من إسرائيل على إيران يساعد الروس لإقناع الأسد بمنع إقامة قاعدة عسكرية دائمة في سوريا، وفي الحقيقة تتعاون روسيا تكتيكيا مع إسرائيل لمنع حدوث هذا الأمر". 

ويعلق الكاتب قائلا إن "علاقة بوتين مع إسرائيل وتعاونه ينبعان من تعاطفه مع اليهود الروس، الذين تشاركت عائلته معهم في منطقة سكنية عندما كان طفلا، بالإضافة إلى أن مدربه على الجودو كان يهوديا، وتعيش مدرسة بوتين الألمانية في إسرائيل في شقة اشتراها لها بوتين، وأثرت هذه العلاقات الشخصية على درجة التعاون بين البلدين، فقبل التدخل الروسي أنشأت موسكو آلية مع إسرائيل لمنع التصادم في الجو، بالإضافة إلى تخصيص خط ساخن مع القاعدة الروسية في حميميم". 

ويعتقد جافيندفار أن "التوتر يتزايد في الوقت الحالي بين إيران وإسرائيل، وستعمل روسيا على منع تطور القدرات الإيرانية في سوريا، وهي نتيجة ليست سيئة بالنسبة لإسرائيل، وبحسب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق الجنرال غيلعاد عاموس، فإن البلدين اتفقا على تجنب الصدام في الجو؛ من أجل التأكد من سلامة الطيران الروسي، التي قد تخرق بطريقة الخطأ، ونتيجة لهذه الاتفاقيات فإن الطيارين الروس كانوا يحلقون فوق الأجواء السورية دون خوف من إطلاق النار عليهم من الجيش الإسرائيلي، وكان بإمكان الطيران الإسرائيلي التحليق في الأجواء السورية دون خوف من الصدام بطريقة الخطأ مع الطيران الروسي، ويقوم الرئيس الروسي بالتعاون مع الحكومة الإسرائيلية على تأكيد خط أحمر ضد الحشد العسكري الإيراني". 

ويقول الكاتب إن "الوضع متوتر في الوقت الحالي بين إيران وإسرائيل في سوريا، وأصبح الرد الانتقامي الإيراني على إسرائيل مسألة وقت، وقد يأخذ شكل الهجوم الإرهابي على الإسرائيليين في الخارج، مثل الهجوم على السياح الإسرائيليين في بورغاس في بلغاريا، الذي يعتقد أن حزب الله وراءه، وقد تضغط إيران على الأسد ليسمح لها بزيادة حضورها في سوريا، وتنفيذ هجمات مباشرة على إسرائيل من الأرض السورية". 

ويذهب جافيندفار إلى أنه "مهما كان الرد، فإن الهجمات لن تردع إسرائيل عن ضرب الأهداف الإيرانية في سوريا، وستواصل إيران بناء قواتها في سوريا رغم التحذيرات الإسرائيلية، التي قد تستفز ردا عسكريا آخر، ولتبريد هذه الدائرة الخطيرة فإن هناك حاجة لتدخل دبلوماسي، ويملك بوتين القدرة والمصداقية لتحقيق اتفاق بين إيران وإسرائيل، وفي الوقت الحالي فإنه من مصلحته ترك إسرائيل تضرب إيران، ولو زاد التصعيد وتطور إلى مواجهة مباشرة على الأرض السورية فإن الحسابات قد تتغير، وعندما يتم إضعاف الجماعات المؤيدة لإيران فقد يتوصل الطرفان إلى حل دبلوماسي".

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "روسيا استثمرت الكثير للحفاظ على نظام الأسد، وتؤثر خطط إيران في التوسع وبناء وجود دائم على هذه الاستثمارات، وعلى المدى البعيد فلن يسمح بوتين باستمرار هذه النشاطات دون توقف، وقد يؤدي التدخل الدبلوماسي الروسي إلى تخفيف الحضور والقدرات للجماعات الموالية لإيران، وبالنسبة لإيران فإن هذه ليست نتيجة سيئة".