هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في ظل التصاعد المتزايد للعمليات الإرهابية التي يتبناها تنظيم
الدولة في مصر بحق المسلمين والأقباط على حد سواء، يثار التساؤل حول وجوب مواجهة
التنظيم فكريا، ودور التيارات الإسلامية، وبشكل خاص جماعة الإخوان المسلمين في هذا
الشأن.
وكانت آخر العمليات التي تبناها التنظيم استهداف كنيسة في حلوان
بالقاهرة الجمعة، راح ضحيتها 10 أشخاص، وهو الهجوم الذي سبقه عشرات الهجمات التي تكشف تغول التنظيم في عدة مناطق بالبلاد، خاصة شبه جزيرة سيناء.
وتأتي أهمية المراجعات الفكرية في ظل الحالة الأمنية المتدهورة، وعجز
النظام في مواجهة التنظيم، والخسائر المادية والبشرية للمدنيين ولعناصر الجيش
والشرطة.
هذا إلى جانب زيادة المخاوف والاحتمالات من انتشار فكر التنظيم بين
الشباب المتدين، وبشكل خاص داخل السجون والمعتقلات، وهو ما أشارت إليه تقارير
صحفية من داخل السجون بمصر.
وفي ظل ما قامت به جماعة الإخوان المسلمين من مراجعات فكرية مع تيار
الفكر التكفيري بمعتقلات عهد الرئيس جمال عبد الناصر بفترة الستينات، يثار التساؤل
حول إمكانية سماح النظام للإخوان بالقيام بهذا الدور مجددا، أم أنه يعتبر الجماعة
أخطر على وجوده من التنظيم.
الإخوان عدوه الأول
من جهته، أكد الكاتب الصحفي، قطب العربي، أن "النظام
يعيش حالة تخبط ظاهرة في التعامل مع الجرائم الإرهابية؛ فبينما تأتيه الضربات
الموجعة تباعا من تنظيم الدولة، فإنه يعتبر الإخوان عدوه الأول".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار العربي إلى أن
"أحدث مظاهر تلك النظرة جاءت ببيان وزارة الداخلية عن تصفية بعض الشباب (منهم
من كانوا مختفين قسريا)"، موضحا أن "البيان تصدره هجوم قاس على ما وصفه
بالجماعات الإرهابية، وفِي صدارتها جماعة الإخوان"، مؤكدا "أن وزارة
الداخلية تضع جماعة الإخوان في المقدمة قبل تنظيم الدولة أو القاعدة أو غيرهما من
الجماعات المسلحة".
مستفيد خارجيا وداخليا
العربي، قال إنه "رغم أن عمليات تنظيم الدولة تمثل حرجا كبيرا
للنظام محليا ودوليا، إلا أنه يوظف هذه العمليات سياسيا لتقديم نفسه لحكومات الغرب
باعتباره المحارب الأول للإرهاب بالمنطقة، ويطلب بناء على ذلك دعما سياسيا من تلك
الدول"، مشيرا إلى أنه "وفِي الوقت نفسه، يقدم هذه العمليات للشعب في
الداخل كخطر دائم يهدده، ولا بد من وجود نظام عسكري قوي لمواجهته".
وتعجب الصحفي المقرب من تيار الإخوان المسلمين من أنه "ورغم أن
تنظيم الدولة يعلن مسؤوليته عن الكثير من العمليات الإرهابية، إلا أن نظام السيسي
بحرص على إلصاق التهم بجماعة الإخوان، وتشويه سمعتها أمام الرأي العام".
تنظيم لا يُسقط النظام
وأرجع ذلك "لكون النظام يعتبر الإخوان العدو الأول له"،
مضيفا أنه "يدرك أن تنظيم الدولة قادر على ارتكاب بعض الجرائم وإيقاع بعض
الخسائر، لكنه ليس قادرا على إسقاط النظام، بينما يدرك السيسي أن جماعة
الإخوان، ومن معها من القوى السياسية والثورية، قادرة على إسقاط النظام فعلا
وإقامة نظام مدني بديل".
وذكّر العربي بتراجع العمليات الإرهابية كثيرا في ظل الحكم المدني،
موضحا أن ذلك "لسبب بسيط، وهو غياب الحاضنة الشعبية بسيناء التي بدأ أهلها
يشعرون في ذلك الوقت بأنهم مواطنون كاملي الحقوق، وبأن الدولة المصرية ممثلة بأعلى
رأس فيها معنية بهمومهم ومشاكلهم، وبأنهم شاركوا بكثافة في انتخاب رئيسهم
المدني".
وأضاف العربي: "وبالتالي لنا أن نستنتج أن عودة الجيش لثكناته،
وعودة الحكم المدني، ستحرم الإرهاب مجددا من حواضنه الشعبية، وهو ما يسهل حصاره
والقضاء عليه".
دور الإخوان
وأشار العربي إلى أن "جماعة الإخوان كان لها دور كبير في
مواجهة الأفكار التكفيرية في سجون الستينات وحتى بعد خروجهم من السجون في
السبعينات"، مؤكدا أنه "يمكنها أن تسهم مجددا في مواجهة هذه الظاهرة حال
عودتها لممارسة عملها بشكل طبيعي في مصر بعد سقوط الحكم الانقلابي، الذي لا يمكن أن
يلجأ للإخوان لمواجهة تنظيم الدولة، حيث إنه يعتبر الإخوان هم الأخطر عليه".
لا توجد أي بادرة
الباحث والمحلل السياسي محمد حامد، يؤكد أنه "لا توجد أي بادرة
أو إرهاص واحد يظهر لنا إمكانية استخدام النظام للإخوان للعب دور في تحجيم التنظيم
في ظل الوضع الحالي".
وأشار حامد، في حديثه لـ"عربي21"، إلى واقعة مصالحة وطنية
تمت برعاية الدولة، وأضاف: "كان هناك لقطة في لقاء حول مصالحة وطنية مصغرة
عقدت في محافظة مرسي مطروح (شمال غرب) قبل أسابيع، جاءت في توقيت توقيع اتفاقية
التعاون النووي المصري الروسي (مفاعل الضبعة)".
وأوضح أن "محافظ مرسي مطروح، اللواء علاء أبو زيد، رجل المخابرات
السابق، استطاع التفاهم مع القوى السياسية في مطروح ووجهاء البلد في هذا الملف،
وكان من بين الذين تم التفاهم معهم عناصر من تيار الإسلام السياسي أو بالأحرى اليمين الديني".
وأكد حامد أن "البعض فسر هذه الخطوة كبداية لمصالحة شاملة مع
تيارات الإسلام السياسي، ولكن في رأيي أن ذلك ما زال مستعبدا في المستقبل
المنظور".
وحول إمكانية أن تؤتي مراجعات الفكرية لتنظيم الدولة ثمارها، أضاف
حامد أنه وبرغم زيادة خطر تنظيم الدولة واستمرار الدولة في تعاملها على وتيرة
واحدة مستخدمة الحل الأمني، "حتى الآن يبدو أن الأمر يسير على اتجاه
واحد متسق مع السنوات الماضية في التعاطي مع التكفيريين".
الاثنان لديه سواء
وفي سؤال حول إمكانية أن تلعب "الإخوان" دورا في تحجيم التنظيم في ظل
الوضع الحالي، أكد الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، علي بكر، أنه لا
يمكن للإخوان بأي حال أن تلعب أي دور في هذا المجال.
بكر، أضاف لـ"عربي21" أن النظام المصري يعتبر الإخوان
بخطورة التنظيمات المسلحة ذاتها، قائلا إن "الدولة لا تفرق بين الإخوان وتنظيم
الدولة، والاثنان عندها سواء".
وحول احتمال أن يلجأ النظام للإخوان لمحاصرة التيارات المسلحة، يرى
بكر أن الدولة المصرية لن تلجأ إلى أي من التيارات الإسلامية في مواجهة التنظيمات
الإرهابية المسلحة.
هذه فوائد الإرهاب!
من جهته يرى المحلل السياسي سيد أمين بأن "النظام غير متضرر من تفشي ظاهرة الإرهاب التي صارت مخيفة في مصر، بغض النظر عمن يقوم به، لأنه يرفع شعار مكافحة الإرهاب ويكتسب ثقة غربية ترافقها أموال وقروض بالجملة تتدفق على الدولة، فضلا عن تغاضي الغرب عن انتهاكات حقوق الإنسان وحوادثه التي تضرب مصر منذ أن كان الإرهاب محتملا، والنظام أيضا يستثمر الإرهاب في القضاء على معارضيه وتبرير فشله".
وأوضح أمين في حديثه لـ"عربي21"، أنه "عمليا، ما يحدث في مصر من صراع بين النظام والإخوان هو صراع صفري، وبقدر الضرر الذي يلحقه النظام بالإخوان مستخدما القوة المفرطة؛ هو يضار أيضا ويصيبه الضعف والوهن وتلاحقه سوء السمعة في الخارج، ما يدفعه للتعاقد مع شركات أجنبيه لتحسين صورته".
وأضاف: "لذلك فإن النظام يحتاج لمهادنة الإخوان خاصة بعد فشله في تسويق اتهامهم بالإرهاب عالميا وداخليا، وأن يحول الصراع لحرب باردة في مرحلة من المراحل القادمة بعدما يتأكد من فشل الإجراءات الأمنية ضدهم في تحقيق حكم مستقر، كما أن الإخوان أيضا هم في أمس الحاجة الآن للمهادنة".
وتابع: "عمليا، فإن النظام ينظر للإخوان بأنهم الأكثر خطورة على بقائه من أي تنظيم آخر لما لهم من كتلة صلبة وواعية تحظي بثقة كثير من الناس كجماعة ظلمت بشدة وإن كان الشعب لا يثق في قدرتهم على الحكم مجددا".
واستبعد المحلل السياسي، أن "يحدث تعاون بين الإخوان والنظام مجددا، لأن سقف هذا الخيار انتهي بعد مجزرة رابعة، وما يمكن أن يحدث هو تفاهم علي تخفيف الضغط عليهم ليتفرغ لمجابهة الإرهاب إن كان هذا الإرهاب في صدام حقيقي مع النظام".