نشرت صحيفة "
وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرا كشفت فيه التوظيف الخطير للمشاريع الكبرى من قبل عبد الفتاح
السيسي في حملته الانتخابية. ولكن، لا يخفى عن الشعب
المصري الأثر الذي بالكاد يذكر لتلك المشاريع، وعجزها عن التخفيف من حدة الاحتقان الشعبي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن رئيس النظام المصري يسير على خطى الفراعنة في توظيف مشاريع البنى التحتية من أجل خلق حالة من الإنجاز القومي والقوة الاقتصادية. ولكن، لم يقم أي قائد معاصر بإعلان هذا الكم الهائل من المشاريع في وقت قصير كما فعل السيسي، على الرغم من أن أثرها ضئيل.
وذكرت الصحيفة أنه منذ وصول الماريشال السابق إلى السلطة بعد
الانقلاب العسكري سنة 2013، أصدر السيسي مرسوما بتوسعة قناة السويس، وأمر ببناء عاصمة ثانية بالقرب من القاهرة. كما صادق في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي على اتفاق مع شركة حكومية روسية من أجل بناء منشأة نووية بتكلفة 21 مليار دولار.
ورأت الصحيفة أن السيسي يسلط الآن، وقبل انتخابات آذار/ مارس القادمة، الضوء على دوره في بناء مشاريع ضخمة تحت إشراف العسكر. فقد أعلن الشهر الماضي مع انطلاق حملة إعادة انتخابه، أن الحكومة قد أنهت 11 ألف "مشروع قومي" خلال ولايته القصيرة.
وإن كان هذا الرقم مبالغا فيه، إلا أن مبادرات الرئيس البارزة المتعلقة بالبنى التحتية قد عجزت عن امتصاص حالة عدم الرضا عن الوضع الاقتصادي، الذي كان الشرارة الأساسية في الهيجان السياسي الذي نشب قبل سبع سنوات من الآن، في الربيع العربي.
ونقلت الصحيفة عن الخبير بالشأن المصري من كلية الملك بلندن، روبرت سبرينغبورغ، أن "هذه أموال ليست استثمارية، بل هي أموال سياسية، ولها تأثير سلبي على الاقتصاد على المدى البعيد. فتخيل هذا الهدر للموارد في وقت تبدو فيه مصر في أشد الحاجة لها".
وأكدت الصحيفة أن الرئيس السيسي يدرك أن المشاريع الكبرى والمشكوك في مردوديتها لن تكلفه مقعده الرئاسي، خاصة وأن القوات الأمنية قد اعتقلت كل منافسيه المحتملين. في المقابل، أقر المسؤولون الذين شاركوا في هذه المبادرات أن الهدف من هذه المشاريع التظاهر بتعافي الاقتصاد، في أعقاب الاضطراب الذي عصف بمصر بعد ثورة 2011، التي أنهت ثلاثة عقود من حكم حسني مبارك.
وأشارت الصحيفة إلى أن حكومة السيسي قد أعلنت عن مشروع قناة السويس الجديدة بتكلفة تبلغ ثمانية مليارات دولار خلال سنة 2015، وقدمته على أنه رمز لولادة الأمة من جديد، و"هدية مصر للعالم". في المقابل، لم تتطابق الأرباح الإضافية للمشروع مع الهالة الإعلامية التي سبقته. فقد صرح رئيس هيئة قناة السويس، مهاب مميش، بأن توسعة القناة ستضاعف الإيرادات من خمسة مليارات دولار في السنة لتبلغ 13 مليار دولار بحلول سنة 2023.
وبينت الصحيفة أن إيرادات القناة لم تحدث تغييرا ملحوظا مقارنة بسنة 2015. فقد كانت التصريحات العلنية لهيئة قناة السويس مناقضة للدراسة الحكومية الداخلية التي لن يكشف عنها، والتي توقعت أن مستوى عائدات الاستثمار للفرد، من هؤلاء الذين اشتروا شهادات لتمويل المشروع، ستبلغ بالكاد 4.8 بالمائة، وذلك وفق ما صرح به أحمد درويش الرئيس السابق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وأفادت الصحيفة بأن فشل هذا المشروع في بلوغ أهدافه المعلنة لم يمنع السيسي من إبراز مثل هذه المشاريع على أنها معلم من معالم فترة رئاسته. فقد نشر الشهر الماضي تغريدة على تويتر صرح فيها بأن مشاريعه الأحد عشر ألفا، تزيد بمعدل أكثر من ثلاثة مشاريع في اليوم منذ تقلده الرئاسة.
وقد أثارت تغريدة الرئيس موجة ساخرة بين المصريين من مستخدمي تويتر، الذين بدأوا بالقيام بعمليات حسابية بسيطة، معتبرين أن إنشاء ثلاثة مشاريع في اليوم خلال أربع سنوات من حكم السيسي قد يوصل إلى حصيلة 4380 مشروعا فقط. في المقابل، بقيت تغريدة الرئيس كما هي دون تعديل منذ يوم نشرها، وقد رفض مكتبه الإجابة على طلب للتوضيح.
وأوردت الصحيفة أن ميلان السيسي نحو توظيف المشاريع الكبرى يسير وفق خطى النمط الفرعوني للقيادات المصرية في بناء المعالم الطموحة خلال فترة حكمهم. وفي هذا الإطار، علق المخطط المدني والاقتصادي المقيم بالقاهرة، دافيد سيمز، حول هذا النمط قائلا: "إنه نوع من السلاح الذي تستخدمه الدول، وخاصة الدول المستبدة، من أجل إضفاء الشرعية على نظامها".
وذكرت الصحيفة بعض المشاريع الفرعونية الفاشلة، على غرار قرار الرئيس جمال عبد الناصر في الخمسينيات ببناء السد العالي بأسوان من أجل تعزيز السقاية وإنتاج الكهرباء. ولكن هذا المشروع قد أدى إلى تهجير مائة ألف شخص. أما الرئيس حسني مبارك فقد صادق في السبعينيات على بناء شبكة قنوات مائية من أجل إنشاء حقول جديدة في الصعيد وتشييد مدن جديد في قلب الصحراء. وقد فشل هذا المشروع، المسمى توشكى، في استصلاح 10 بالمائة من الأراضي التي خطط لها مبارك.